خطة الصين للهيمنة على الشرق الأوسط

بانوراما 2020/11/02
...

    ترجمة وإعداد:  أنيس الصفار  

من ينظر الى خارطة العالم الجيوسياسية التي تعج بالخلافات والصراعات، يستنتج بسرعة ان العلاقة المتفتحة بين الصين وإيران هي التزاوج الأمثل، فالصين تحتاج الى النفط والغاز كي تمد نموها الاقتصادي بالطاقة، بينما تحتاج إيران الى العائدات المالية لدعم اقتصادها المترنح، وهذا يصدق بشكل خاص نظراً لانهيار اسعار النفط العالمية والاجراءات العقابية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.

بيد أ التعاون بين طهران وبكين يمتد الى ما هو أبعد من قطاع الطاقة، فإيران رقم بارز في خطة الصين لبسط نفوذها الاقتصادي عبر يوراسيا من خلال مبادرتها المعروفة بـ»الحزام والطريق» التي رصدت لها ترليون دولار، كما ان إيران نفسها بحاجة الى الاستثمارات الاجنبية المباشرة، هذا التوافق الستراتيجي يفسر صفقة الخمسة وعشرين عاماً الاقتصادية التي تبلغ كلفتها 400 مليار دولار المطروحة للنقاش حالياً بين الصين وإيران، إذا ما بلغت هذه الاتفاقية مرحلة التطبيق الكامل بين الدولتين، فإن آثارها لن تبقى محصورة ضمن نطاق العلاقات الصينية الإيرانية، بل ستترامى ارتداداتها الى ان تنال من مكانة واشنطن في الشرق الأوسط وأبعد منه.
انتخابات الرئاسة الأميركية تلوح في الأفق، وفي خضم التهليل والضجة، التي احيطت بهما صفقتا الإمارات والبحرين مع اسرائيل لم تعد واشنطن مبالية كثيراً بالاحتمالات التي ينطوي عليها تنامي العلاقات بين إيران والصين، بل ان ثمة شكوكا في الواقع حول ما اذا كانت اتفاقية الخمس والعشرين سنة سيكتب لها الاستمرار.
لكن على واشنطن ألا تغفل، فما دامت بصمة الصين آخذة بالتوسع على المسرح العالمي، وما دامت طهران مستنفرة لمقاومة ضغط الولايات المتحدة، سوف يبقى لدى هاتين الدولتين حافز قوي مشترك ودائم للتعاون تصدياً لمطامح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
من غير الواضح كيف ستثمر هذه العلاقة، ولكن المساحة الجغرافية المرشحة للتعاون المرتقب واسعة مذهلة، فهي تمتد من سواحل سوريا على البحر المتوسط الى سهوب آسيا الوسطى، ومن الخليج الى بحر قزوين، فإذا ما وضعت الصفقة موضع التنفيذ ستكون عامل دفع يرفع قوة إيران اضعافاً في وقت تدعي واشنطن فيه انها نجحت في إضعاف قبضة هذا البلد بعقوباتها.
قد يكون تقدم المفاوضات بطيئاً بعض الشيء، ولكن الطرفين ليست بينهما خلافات تاريخية حقيقية يمكن أن تتسبب بفشل الصفقة. مع هذا يجب ألا يتسرع المرء بتصور أن العلاقات الإيرانية الصينية سوف تمضي سلسة بلا مشكلات خلال العقد القادم، او انها قد تخطت نقطة التراجع، فهنالك في الواقع عدة مسارات ممكنة يمكن ان تسلكها العلاقات الإيرانية الصينية مستقبلاً. احد السيناريوهات هو ان تسفر الاتفاقية مع إيران عن كونها حملة أولية في سلسلة حملات تمكن بكين من بسط ذراعها بعيداً في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة، وحتى روسيا. أما السيناريو المحتمل الآخر فهو ان يثبت في النهاية أن المكاسب المتحققة كانت تكتيكية اكثر منها ستراتيجية ومقتصرة على الجانب الاقتصادي. 
على واشنطن ان تعي ان هذين الواقعين المحتملين مرهونان بخياراتها السياسية التي ستتخذها الان، بكلمة أخرى ان الولايات المتحدة قد تكون المحرك والقوة الدافعة لعلاقة إيران المستقبلية مع الصين.
هذا التصور ليس حدساً خالصاً، لأن الشراكة بين طهران وبكين تستمد ثقل ارتكازها منذ الان من اجراءات اقدمت عليها واشنطن. 
فالحرب التجارية التي يشنها ترامب على الصين اعطت بكين دافعاً لتحدي المصالح الأميركية في العالم، كما يجب أن نتذكر ايضاً ان رفض الولايات المتحدة للصفقة النووية الدولية المبرمة في العام 2015 هو الذي حفز طهران بقوة لطلب الامان عند الصين.
الصين اليوم في وضع يتيح لها املاء ارادتها على طهران لذلك على واشنطن أن تقلق من احتمال تحول إيران الى منفذ أمام نهوض بكين يجعلها قطباً في الشرق الأوسط وأبعد منه. كذلك على واشنطن ان تقلق من تنامي العلاقات العسكرية بين الجيشين الإيراني والصيني لأنها قد تتضمن بيع معدات عسكرية متطورة مثل الصواريخ المضادة للسفن القادرة على تهديد تفوق القوة البحرية الأميركية في الخليج، وكذلك قدرات الاستطلاع المتطورة. إذا ما حدث هذا بالفعل فسوف يعني أن هدف بكين الأساسي هو انتهاز الفرصة لتحدي مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال إيران.
القلق بشأن تنامي قدرات إيران العسكرية كان احد الاسباب التي جعلت ترامب يمزق الاتفاقية النووية. ذلك القلق تعزز واشتد بسبب تطور علاقات إيران مع الصين (وروسيا ايضاً) ولو ان بدايته أقدم من ذلك وليست بالشيء الجديد. فمنذ العام 1992 اخذت استخبارات البحرية الأميركية تحذّر من ان الولايات المتحدة، قد لا تتمكن من نشر حاملة طائرات بأمان في الخليج بسبب القدرات التي صارت تمتلكها إيران. 
في ذلك الحين كان مبعث الخوف هو أن تصبح موسكو الطرف الذي يمد إيران بما تريد، اما اليوم، وفي ظل سياسات ترامب تجاه الصين وإيران، فمن الممكن ان تبدأ بكين ايضا تزويد الجمهورية الاسلامية بالأنظمة العسكرية المتقدمة.
لكن ليس محتماً ان تسير الأمور نحو هذه النهاية لأن الخيارات السياسية التي ستتخذ، سواء في ظل إدارة بايدن او ترامب، لا يزال لها دور وأثر. ففي حين تبدي إيران رغبة في خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط لا ترغب الصين منها ان تنسحب كلياً لأن واشنطن هي التي تتكفل بالدفاع عن الخليج، وهذا يخدم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الصينية. ما تتمناه بكين هو استمرار الولايات المتحدة بتحمل تكاليف الأمن في الخليج، مع تحجيم المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية التي تحصدها واشنطن مقابل ذلك. 
ثمة اسفين آخر محتمل بين إيران والصين وهو ان مصالح بكين في انحاء الشرق الأوسط المختلفة ليست محصورة بإيران. فهي لها مثلاً علاقات طيبة للغاية مع دول الخليج واسرائيل، وحرصها شديد على الاحتفاظ بذلك، فإن تصورت إيران أن الصين ستنحاز الى جانبها بالضد من خصومها ستكون واهمة.
أضف الى هذا ان طهران سوف تشعر بضغط بكين عليها لتغيير بعض جوانب سياساتها متى ما اصبح للصين حضور اكبر في المنطقة واحتاجت الى المناورة بين مصالحها المختلفة وقد يكون من ضمن ذلك عداء طهران لاسرائيل ودعمها للاعبين خارج نطاق الدولة.
إيران والصين رفيقان كأغرب ما يكون الرفاق، فالأولى هي أكبر نظام حكم اسلامي في العالم بينما الثانية هي أكبر نظام حكم شيوعي والتباينات التكوينية بينهما كثيرة.
أمام واشنطن خياران، فأما الاستمرار على مسار الحرب مع إيران والحرب التجارية مع الصين، وهو مسار يعزز احتمالات ازدهار الأواصر بين الدولتين وتناميها الى ان تصبح تحالفاً ستراتيجياً جل همه التصدي للمصالح الأميركية، أو ان تعمل على ايجاد وسيلة تعيدها الى طريق الدبلوماسية مع طهران وهذا قد يرتد بالفائدة على المنطقة كلها من خلال انهاء حالة عدم الاستقرار، كما ينبغي استغلال بعض التشرخات الطبيعية التي تعتري العلاقة الصينية الإيرانية. 
النهوض العالمي الصيني أمر حتمي مفروغ منه، ولكن الولايات المتحدة تستطيع انتهاج المسار الدبلوماسي لضمان ألا تكون إيران منفذاً سهلاً يوصل الصين الى أهدافها بسرعة.
 
روس هاريسون وأليكس فاتانكا/عن موقع «ذي ناشنال إنتريست»