احتياجات

ثقافة 2019/01/14
...

ترجمة: جودت جالي كَريس بالي
 
 
رأيت زوجي السابق في الشارع. كنت جالسة على درجات مدخل المكتبة الجديدة. قلت "هلو، حياتي". كنا ذات مرة متزوجين لسبعة وعشرين عاماً ولذلك شعرت بأنه يحق لي أنْ أخاطبه هكذا. قال "ماذا؟ أية حياة؟ ليست حياتي". قلت "أوكي" . أنا لا أجادل حين يكون هناك تعارضٌ حقيقيٌّ. نهضت ودخلت المكتبة لأرى بكم أنا مدينة لهم. قالت أمينة المكتبة "32 دولاراً كاملة وأنت مدينة لنا بها لثمانية عشر عاماً". أنا لا أنكر شيئاً لأني لا أفهم كيف الزمن يمرُّ. تلك الكتب بحوزتي وهي على بالي أغلب الأوقات والمكتبة لا تبعد سوى شارعين فقط. تبعني زوجي لمنضدة إرجاع الكتب. قاطع أمينة المكتبة التي كان لديها المزيد لتقوله. قال: "مهما فكرت في الماضي أجد نفسي أعزو انحلال زواجنا الى حقيقة أنك لم توجهي الدعوة لتناول العشاء الى عائلة بيرترام أبداً". قلت "ذلك ممكن، ولكن في الواقع، إذا كنت تذكر، أولاً كان والدي مريضاً تلك الجمعة، ثم رزقنا بأطفال وانشغلنا بتربيتهم، ثم كان عندي لقاءات ليلة الثلاثاء، ثم اندلعت الحرب، ثم بدا أننا لم نعد نعرف عائلة بيرترام. لكنك محقٌ، كان عليَّ دعوتهم الى العشاء".
أعطيت أمينة المكتبة صكاً بمبلغ 32 دولاراً. جعلتني في المؤتمنين حالاً، وضعت ماضيي خلف ظهرها، بيضت السجل تماماً، وهو ما لا يفعله أكثر بيروقراطيي بلدية أخرى أو ولاية أخرى. سجلت كتابي (أديث وارتون) اللذين أعدتهما للتو لأني قرأتهما منذ زمن بعيد وهما الآن أكثر ملاءمة من أي وقت مضى. كان الكتابان (بيت المرح) و(الأطفال) وهما يتحدثان عن كيفية تغير الحياة في الولايات المتحدة في نيويورك خلال سبعة وعشرين عاماً قبل خمسين سنة مضت.
قال زوجي السابق: "الشيء اللطيف الذي أتذكره هو الإفطار"، وقد فوجئت بكلامه لأنَّ كل ما كنا نتناوله هو القهوة. ثم تذكرت أنه كانت هناك فجوة في الحائط خلف الخزانة يمكن النظر منها الى الشقة المجاورة حيث كان ساكنوها دائماً يأكلون لحم الخنزير المقدد المدخن، وقد أعطتنا عادتهم تلك فكرة فخمة عن الإفطار، ولكننا لم نصبح نهمين أو تنابلة أبداً. قلت: "ذلك كان عندما كنا فقراء". فسألني "ومتى كنا أغنياء؟". ذكّرته قائلة "أوه. برغم مرور الزمن، وبرغم تزايد مسؤولياتنا، لم نعاني من الفاقة. حصلتَ أنت على رعاية مالية مناسبة، وذهب الأطفال الى المعسكر أربعة أسابيع كل سنة مزودين بمعاطف مطريَّة وجزمات وأكياس للنوم لائقة مثل أي طفل آخر بالضبط. بدوا لطفاء جداً. بيتنا دافئ شتاءً وامتلكنا وسائد حمراء لطيفة وأشياءً". قال: "أردت قارباً شراعياً. لكنكِ لم تكوني تريدين أي شيء"
قلت: "لا تكن قاسياً. لم يفت الأوان على شرائه أبداً"
قال بمرارة كبيرة: "كلا. كان يمكن أنْ أحصل على قارب شراعي. في الحقيقة كان لدي مبلغ أشتري به قارباً بعُدَّتين طوله ثمانية عشر قدماً. أنا أنجز عملاً جيداً هذه السنة وأستطيع النظر الى الأمام نحو الأفضل، ولكنْ كما هو الأمر بالنسبة إليك، فإنَّ الأوان يفوت. ستكونين دائماً لا ترغبين بشيء".
كانت له عادة، خلال سنوات زواجنا، أنْ يلقي ملاحظة تفعل فعل قضيب التنظيف المرن، إذ يمكنها أنْ تتخذ طريقها خلال الأذن ونحو الحلق، في منتصف الطريق الى قلبي، عندها يختفي تاركاً إياي مختنقة. ما أعنيه هو أني جلست على درجات المكتبه وانصرف هو.
تصفحت (بيت الفرح) ولكني فقدت الإهتمام. شعرت شعوراً مفرطاً بأني متهمة. الآن، التهمة صحيحة. أنا أفتقر الى الطلبات والاحتياجات الأساسيَّة. لكني أريد "شيئاً". على سبيل المثال أريد أنْ أكون شخصية مختلفة. أريد أنْ أكون المرأة التي تعيد هذين الكتابين الى المكتبة خلال أسبوعين. أريد أنْ أكون المواطنة الفعالة التي تغير النظام المدرسي وتخاطب مجلس التخمينات حول مشاكل هذا المركز الحضري العزيز. وعَدْتُ أطفالي أنْ أنهي الحرب قبل أنْ يكبروا. أردت أنْ أكون زوجة لشخص واحد مدى الحياة، زوجي السابق أو زوجي الحالي. كانت ﻠـ (أيثر) الخصال الكافية لحياة كاملة اتضح أنها ليست حقاً بهذا الطول الذي تصورته. لا يمكنكِ أنْ تغيري رجلاً أو تقتنعي بالعيش تحت سلطته في حياة
 قصيرة واحدة.
اليوم صباحاً بالذات نظرت من النافذة لمراقبة الشارع قليلاً ورأيت أنَّ شجيرات الجميز، التي زرعتها المدينة وكلها آمال قبل ولادة الأطفال بنحو سنتين، قد بلغت ذلك اليوم ربيع حياتها. حسن! قررت أنْ أعيد الكتابين الى المكتبة، ما يثبت أنه حين يصادفني شخص أو حدث ليهزني أو يمتدحني فإني "أستطيع" أنْ أقوم بفعل مناسب بالرغم من أني معروفة على نحو أفضل بملاحظاتي المنفتحة على الاحتمالات.