احتفى التجمّع الثقافي العراقي الحديث بالتعاون مع قصر الثقافة والفنون في مدينة البصرة بإطلاق الرواية الجديدة للكاتب العراقي سعد سعيد (صوت خافت جداً)، الراوية التي جاءت بـ272 صفحة تناولت موضوعة مهمة في الشأن العراقي، وهي اضطهاد المرأة وعدم تمكّنها من الحياة في مجتمع لا ينظر لها إلّا كجسد، حتى وإن سمح لها بالدراسة والعمل والتعامل مع البيئة المحيطة بها كإنسان، غير أنّ هذا الإنسان من وجهة نظر مجتمع ما زال يعاني من ثقل التقاليد والأعراف التي تشكّلت منذ أكثر من قرن، لا يريد أن يغيّر من نظرته للمرأة.
هكذا تمحورت كلمة الروائي سعد سعيد في مفتتح الجلسة، موضحاً أن روايته (صوت خافت جداً) تعالج موضوعا اجتماعياً بالغ الحساسية،"أعتقد بأن الكثير من الكتّاب ليس لديهم الاستعداد للخوض فيه، ولكن أيجدر بهذا أن يمنعني أنا أيضا من تناوله؟ طبعا لا... بل أنا أؤمن بأنّه من الأجدر بي أن أتصدى له مادام غيري يرفض ذلك، وإلّا ما قيمة وجودنا ككتّاب في هذا المجتمع، وكما تعرفون أن إيجاد الحلول للمشاكل ليس هو المطلوب من الرواية فذلك واجب علماء الاجتماع ومؤسسات المجتمع المتخصصة، وما واجبي إلّا التنبيه وإثارة الأسئلة".
وأشاد سعيد في شهادته التي قدّمها عن هذا العمل تحديداً وأعماله الروائية التسعة التي صدرت على مدى خمسة عشر عاماً: وصلتني حتى الآن اعتراضات وإن كانت قليلة على جرأة الطرح في بعض مقاطع الرواية وسيصلني غيرها حتماً، ولكن لايجدر بذلك أن يردعني.
القاص والروائي علي الحديثي قدّم في هذه الجلسة شهادة عن سعيد، صديقه الدائم ورفيقه في الكتابة أيضاً، قائلاً: نجد في روايات سعيد أن همّه وشغله الشاغل هو المجتمع، فهو كاتب اجتماعي في كل رواياته التي لايمكن لدارس علم الاجتماع في العراق إلّا أن يتفاعل مع مضامينها عند دراسة حركة المجتمع. وأشار الحديثي إلى أنّ سعيد من أقل الكتّاب الذين يروجون إعلامياً لأنفسهم على الرغم من إصداره تسعة أعمال قصصية وروائية، غير أنّه صنع اسماً جميلاً لأنّ أعماله هي التي تروّج لنفسها لأنّ كتاباته تلامس حياة الناس.
من جانبه، قدّم الناقد عبدالغفار العطوي دراسة بعنوان (الرواية النسوية من وجهة نظر الرجل)، مبيّناً أنّه عندما يكون الكاتب رجلاً كما سنرى الروائي سعد سعيد نعطي لقيمة الكتابة النسوية ذات الأهمية باعتبار التمركز الكتابي يساوق التمركز المفهومي حول منهجية الكتابة في روايته (صوت خافت جداً)، فالكتابة عن المرأة عنده تتفاعل مع كونه رجلاً يتقمّص كينونة المرأة، أي الوقوع في التحايل السياسي للنسوية في إلزام الطرفين في عملية فخ التساوي بين الجنسين لأنّهما سيكونان فاعلين في نص الرواية أو مفهوم التبادل (تأنيث الذكر وتذكير الأنثى)، فسعيد يتخلّى في روايته عن نصف الكتابة للبطلة الوحيدة التي تكشف عالمه الروائي ولايمانع من أن يتخذ دور المراقب والرقيب في آن.
وفي حديثه عن هذه الرواية، قال الكاتب جابر خليفة جابر إنّ في هذا العمل من بدايته وحتى نهايته يكشف عن معاناة واضحة جداً للمرأة، لأسباب متعددة أهمّها الجهل العميق في المجتمع، فـ(سفانة) التي هي محور الرواية تختصر كل المعاناة الموجودة، بها تبدأ الرواية وبها تنتهي، ففي طفولتها تتعرّض لتحرّش رجل عجوز، وفي أسرتها تتعرض لضغوط من أخيها كمراهقة، لكن جميع هذه المستويات لاتقاس بقساوة المعاناة مع النخبة المثقفة. واختتم جابر حديثه قائلاً: إنّ هذا الصوت الخافت جداً قد يكون صوت سعد مقابل مايراه من دنس، وقد يكون صوت سفانة أمام كل هذه المعاناة، وقد يكون صوت فارس وهو يواجه كل أولئك، وقد يكون صوت فضيلة غير المسموع إلّا من خلال سفانة وقد يكون صوت النساء جميعاً.
وفي مداخلتها، استعرضت الشاعرة منتهي عمران مقارنة بين رواية سعد سعيد هذه، وبين رواية (نساء ماهر الخيالي) لياسين شامل، مشيرة إلى أنّ الروايتين تقدمان ثيمتين متقاربتين، وأساسهما قائم على البوح بالمحظور النسوي تحديداً، غير أن سعد سعيد كان أكثر جرأة، وهذا الفارق يلاحظ في شخصية الكاتبين نفسيهما.