أطباء يدفعون ثمن تردي الواقع الصحي

ريبورتاج 2020/11/03
...

   فجرمحمد
على بعد أمتار من مكتبه وداخل احد المستشفيات الحكومية، كانت اصوات الشجار والصراخ تتعالى شيئاً فشيئاً، ليتفاجأ بعدها احد الاطباء الذي فضل عدم الافصاح عن اسمه بهجوم على مكتبه واعتداء من قبل ذوي احد المرضى، فبعد أن توفي المريض الذي كان مصاباً بفيروس "كورونا"، وجه ذوو المتوفى الاتهامات للملاك الطبي باهماله وعدم توفير قناني الاوكسجين الكافية له، وهذا دفعهم الى ضرب الطبيب المشرف على الحالة.

 يقول الطبيب: "كانت الصلة التي تربط الطبيب والمواطن مليئة بالالفة والمودة والرغبة بالمساعدة يقابلها الاحترام والتقدير، ولكن مع ضعف الواقع الصحي وبروز مشكلات لا تعد ولا تحصى اثرت في مستوى الخدمة المقدمة، ما ادى الى تحول تلك العلاقة الى عدم تفاهم وشجار وضرب واعتداءات لا تنتهي، مع جهل المواطن وعدم ادراكه بان الطبيب يقدم اليوم اقصى ما لديه من خدمات، ولكن العجز الحاصل في توفير الاجهزة والمستلزمات الطبية يمنعه من تقديم
الافضل".
 
إهمال
الاجراءات التي وصفت بالبطيئة وغياب الاستجابة الفورية للنداءات التي يوجهها الاطباء للجهات المعنية لدى تعرضهم للضرب والاهانة اثناء ممارستهم للعمل، دفعتهم الى ايصال صوتهم 
للمختصين.
 عضو الفريق الاعلامي والطبي في وزارة الصحة الدكتور محمد كاظم محسن، اشار الى انه تم الاتفاق على تخصيص قاضٍ خافر من المحكمة الاتحادية لمتابعة الاعتداءات التي يتعرض لها الاطباء واتخاذ اللازم، وجاء ذلك الاجراء بعد لقاء مع وزير الصحة والقيادات الامنية، وأن يجري التحقيق في مكان الاعتداء، عوضا عن الاجراءات السابقة التي كانت تفرض على الطبيب أن يتقدم بشكوى قد تتأخر لايام لحين اجراء اللازم.
وعلى الرغم من اتصالنا باكثر من جهة صحية من اطباء ومعنيين من اداريين ومسؤولين، الا ان اغلبهم رفض المشاركة واطلاعنا على ما شهده في ما يخص هذه الظاهرة، فبعضهم قد تخوف من الافصاح بسبب المساءلة، والآخر قد وضعنا في خانة الانتظار 
والتأجيل.
 
مركز شرطة
وبحسب الدكتور محمد كاظم محسن فقد تم الاتفاق مع القيادات الامنية ووزارة الصحة، على تشكيل مركز شرطة مصغر داخل المستشفيات، ويضم عنصرين امنيين لالقاء القبض على المتجاوزين، وايداعهم الحجز لحين محاسبتهم وعرضهم على الجهات
القضائية.
 
ظروف عصيبة
من اللافت للنظر أن الاعتداءات على الملاكات الطبية ليست مشكلة محلية فقط، بل تعاني منها الكثير من الدول العربية، فاذا ما تعرض المريض لنكسة صحية او وفاة، تجد ذويه واقاربه يعتدون على المستشفى واطبائها ويقومون بتكسير الاجهزة الطبية والمعدات المختلفة، ولم يتم وضع حل جذري لهذه المشكلة لغاية الآن، والقاسم المشترك والسبب الرئيس لهذه الاعتداءات يعود في الغالب الى التراجع الحاصل في الخدمات الصحية في تلك البلدان.
 
ضوابط اجتماعيَّة
لم يعد الاعتداء مقتصراً على الاطباء فقط، بل تعدى الامر الى تهديد المؤسسة الصحية وملاكها باكمله، ويعزو الباحث بالشؤون الاجتماعية والنفسية ولي الخفاجي هذا الامر الى عدة اسباب، منها تردي الوضع العام، والاعتداء على المؤسسات الحكومية لغياب العقاب الفوري، فضلا عن ضعف الضوابط الاجتماعية، كالعادات والتقاليد واحترام النخب والشخصيات المهمة في 
المجتمع.
 
كورونا
مع تزايد اعداد الاصابات بالجائحة التي ضربت العالم باسره، دخل الكثير من المصابين الى المستشفيات لكنهم تفاجؤوا بوجود نقص في اجهزة التنفس، بالرغم من وجود مساع لتوفيرها، الا ان حجم المشكلة كبير جدا، وانعكس بشكل سلبي على آليات تعامل ذوي المرضى مع الاطباء، اذ قد يكون الطبيب المعالج عرضة للاعتداء والتجاوز من قبل اهل المصاب.
 
اسقاط
وبين ولي الخفاجي أن التراجع قد طال الخدمات الصحية المقدمة بشكل واضح، ما دفع المواطن الى عكس هذا الامر على الاطباء، وهذا ما يعرف بعلم النفس بالاسقاط او التحويل، فعندما يعجز الفرد عن الحصول على خدمة طبية ومستلزمات هو بامس الحاجة اليها، يقوم بالاعتداء على الملاكات الطبية، ظناً منه انهم المسؤولون عن هذا الضعف والتقصير.
 
حماية
ويشير ولي الخفاجي الى ضرورة تفعيل القوانين والتشريعات التي تحمي الملاكات الطبية وتحافظ على حياتهم، وأن يجري اقرار قانون حماية الاطباء الذي لم تبت به الجهات المسؤولة لغاية الان، ومنع الاعتداءات والتجاوزات التي تحصل بشكل متكرر على المؤسسة
الصحية.
 
اسناد عشائري
في بعض المناطق السكنية ذات الطابع العشائري، اخذت مجالس العشائر والاعيان هناك على عاتقها حماية الاطباء، وردع اي اعتداء عليهم ومحاسبة المعتدين، ومنع اي تجاوز على الملاك الطبي في مستشفيات المنطقة، ففي منطقة الشعلة ذكر مصدر فضل عدم الكشف عن اسمه ان اهالي المنطقة اخذوا على عاتقهم حماية الاطباء المقيمين في المستشفى، الذين هم من محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى فضلا عن باقي المحافظات، لكي يؤدوا عملهم الانساني بسهولة ويسر ودون أن يتعرضوا لاي مضايقة او اذى.
 
قوانين
تنص القوانين والتشريعات، على أن التمتع بالحقوق الصحية من حق كل فرد في المجتمع وعلى الجهات ذات العلاقة، أن توفر المستلزمات والاحتياجات الصحية للمواطنين.
القاضي ناصر عمران الموسوي، بين أن القانون العراقي وضع في باب الاهداف العامة وتحديدا في الفصل الاول من قانون الصحة العامة رقم 89 لعام 1981 المعدل وفي المادة الاولى منه، ان اللياقة الصحية الكاملة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، حق يكفله المجتمع لكل مواطن وعلى الدولة أن توفر مستلزمات التمتع به، لتمكنه من المشاركة في بناء المجتمع وتطويره.
 
هجرة
حقوق الانسان حذرت من خطورة هجرة الاطباء خارج البلاد في ظل الظروف الصحية العصيبة التي يتعرض لها البلد، خصوصا مع استمرار الاعتداءات والمضايقات ضدهم من قبل ذوي 
المرضى.
المفوضية اشارت في بيان لها الى أن التجاوز على الملاكات الصحية والاطباء في هذه الظروف التي يحارب فيها البلد للتخلص من جائحة كورونا، يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان، ولابد من التعامل مع المعتدين وفق قانون مكافحة الارهاب.
كما انتقدت اللجنة الدولية للصليب الاحمر العنف والاذى، اللذين اصبحا يطالان العاملين في قطاع الرعاية الصحية، مؤكدة ضرورة احترام جميع الملاكات الطبية، وعدم المساس بهم في هذا الوقت العصيب الذي يمر به النظام الصحي في العراق، والظروف الطارئة المتمثلة بانتشار جائحة "كورونا".
 
عقوبات
القاضي ناصر عمران الموسوي، اشار الى انه وفق المادة ( 410) من قانون العقوبات، فان هناك عقوبة مدتها لا تزيد على عشرين سنة، اذا ارتكبت الجريمة مع سبق الاصرار، او كان المجني عليه موظفا او مكلفا بخدمة عامة ووقع الاعتداء عليه اثناء تأدية وظيفته او خدمته، او بسبب ذلك، اما اذا تمت اصابته بعاهة، فان العقوبة المقررة ستكون لجريمة العاهة المستديمة والتي تصل العقوبة فيها الى السجن مدة لا تزيد على  خمس عشرة 
سنة.
 
اضرابات
لم يعد تقديم الشكاوى الى الجهات القضائية من قبل الاطباء الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حياتهم وكرامتهم من التجاوزات التي يتعرضون لها بشكل شبه يومي، بل اتخذوا من الاضراب والتوقف عن العمل آلية اخرى للضغط على الجهات الحكومية لحمايتهم وتوفير المستلزمات 
الطبية.