عالية طالب
يُفسِّر الأنثروبولوجي إدوارد تايلور معنى الثقافة بأنّها "الكل المركّب المعقّد الذي يحتوي على النظم الاجتماعية والعادات والأديان واللغة والفنون والتقاليد والشعائر والطقوس والاقتصاد والسياسة والأعراف والقيّم والمعايير". وعبر هذا التعريف الشامل الذي يمكن ان يترجم الـ 120 تعريفا وأكثر للثقافة، يمكننا ان نقول ان المشروع الثقافي المنتظر للنهوض بالواقع المحلي لا بد أن يتداخل بفاعلية مع كلّ المجالات التي أوردها تايلور لتحقق كلمة الثقافة وجودها الناجح في الحيوات التي تتداخل فيها.. فهل المشروع العراقي الثقافي الذي طال انتظاره سيحقق فعلا التغلغل المدروس بعناية في هذه التفصيلات ليشذّب ما لحقها من جهل وتخلّف وتراجع وتمويه واستغلال وتشويه وتشتت.. !!، أم أنّه سيختصُّ بالفعل الادبي الابداعي فقط معولا عليه بأنّه القادر وحده على إحداث النقلة الايجابية المفترضة!!.
إن كانت الثقافة ومؤسساتها تفكّر بهذه الطريقة الاحادية فسنبقى ندور في فلك واحد لا نرى من خلاله ما تفعله الافلاك الاخرى ولا الاضاءات والعتمة التي تتناوب وجودها فتفشل هنا وتنجح بنسبة او بأخرى هناك، لكنها أبدا لا يمكن لها ان تكون فاعلة ومؤثرة بسبب اقتصارها على جوانب ثابتة لا تقبل التداخل في مشروعها النهضوي، وهنا نقطة الضعف التي تشتغل فيها منطقة الثقافة في العراق.
الثقافة بدون وجود المجتمعات لا أهمية لها والعكس مطابق ايضا، ومن هنا فإنّ على الثقافة ان تصل الى مجتمعها لتتبنى بناء الانسان كأول مشروع نهضوي تعمل عليه، وان لا تقتصر على شريحتها فقط بل ان توسيع قاعدة المهتمين هو الفعل الاولى لنجاح "المسؤولية الثقافية المجتمعية" والتي بسبب تشتتها شهدنا غيابا واضحا للسلوك الثقافي ورقيه المعرفي في أكثر من جانب سواء في الشارع او المدرسة او الحياة العامة وحتى داخل المؤسسات العامة والخاصة، فالثقافة هي الفعل المعرفي للتعامل مع الآخر لنتخلص تدريجيا من ثقافة الاشادة بالفاسد والمفسد وهما يحملان معول الهدم المجتمعي الذي وصل الى مديات خطرة جدا تؤشرها مساهمة الفرد في إحلال العبث بدلا من النظام في اغلب الواقع اليومي وهو ما يبدأ في استخدام الشارع والمحافظة على نظافته ونظامه العام مرورا بالمباني العامة التي تشهد هبوطا واضحا في المحافظة على موجوداتها وشكلها ونظافتها وتأثيثها.
حين تقصر الثقافة عن التغلغل في مستويات متعددة تكون قد عسكت حقيقة نكوصها الفعلي عن اثبات وجودها الفاعل في المجتمع الذي لا يتحصّن ان لم يكن قادرا على فهم واستيعاب ثنائية الحقوق والواجبات والوعي العام بالقوانين ومفاهيم السلوك القويم المفترض في الاكتساب والارسال القادر على احداث التغيير الايجابي الفعلي ورفض اشكال التخلّف والهمجية والانحدار الى مهاوٍ متعددة.
انحسار الدور الثقافي في الواقع التربوي اوجد ثغرة واضحة في ارتفاع مستويات الامية وتباطؤ فعلها التنويري اوجد شريحة لا تجيد فعل الوعي بمفهوم المواطنة الحقيقية واختفاء مراكز الاهتمام بالشبيبة جعل استدراجهم قادرا على توصيلهم الى محطات تؤشر خللا في المنظور الحالي والمستقبلي، وهو ما سيدفع المجتمع ضريبته في قابل الأيام لا محالة.