العمالة الأجنبيَّة الرخيصة..عقبة الحصول على فرص العمل

ريبورتاج 2020/11/04
...

  عدنان الحسيني
 

تعد فئة الشباب من الفئات العمريّة الواعدة التي تبنى بواسطتها البلدان، وتعتمد في خططها وسياساتها المستقبلية الاقتصادية، وتنقسم تلك الفئة الى قسمين مهمين، اولهما ترك الدراسة والانخراط في الحياة العامة بشكل مبكر، او البقاء دونما عمل يكابد شظف العيش، وآخر أنهى حياته الجامعيّة بطموحات كبيرة، معتقدا انه اجتاز بوابة الصعوبات، ليصطدم بواقع البطالة، الذي يهدد استقراره ويشعره بالضياع.

ليتحد القسمان في مشكلة واحدة، الا وهي حلم الحصول على الوظيفة او فرصة عمل خاصة مع تنامي ظاهرة العامل الأجنبي، وغياب تشريع القوانين التي تحفظ للعامل حقه كالضمان الاجتماعي، والذي ظل يراوح في أروقة مجلس النواب العراقي طوال سنوات كما قانون العمل، ويوما بعد يوم تكون فئة الشباب امام كابوس يقلق احلامهم اسمه (البطالة)، يفتك بهم ويحيلهم الى ركام، (الصباح) اقتربت من أفكار الشباب وسجلت طروحاتهم عن هذا الكابوس وعن أحلامهم المؤجلة.  
 
صدمة
بفرح وشغف كبير تستعد الطالبة علا محمد حبيب (26 عاماً)، لحفلة تخرجها من كلية الآداب بعد مضي اربع سنوات من الدراسة والجهد والارهاق والذهاب بشكل دوري الى العاصمة. 
وتضيف "أخيرا سيكلل تعبي في الجامعة وتدخل الفرحة لبيت الأسرة، فأنا أول بنت تتخرج فيها".
لتستدرك "لكني لا أعلم الى متى ستبقى هذه الفرحة، فأنا أخاف أن أصطدم بالتعيين ولا اجد وظيفة لي كما حصل مع زميلاتي السابقات، ويذهب تعبي في مهب الريح".
 
لقمة العيش
ويفضل الخريجي العمل الحكومي على القطاع الخاص لما يحتويه من مجموعة امتيازات، ومنها تحديد عدد ساعات العمل، وتوفير مرتب مناسب مع الازدياد في فترات متفاوتة، ووضع راتب التقاعد للموظف، الذي ينهي سنوات الخدمة، ويرى الشاب اسامة السلامي (30 عاماً) خريج تربية رياضية "أن من أساسيات الحياة في كل بلدان العالم هو امتلاك دار للسكن والحصول على وظيفة ودخل شهري معلوم، الا في العراق، فإن كل أساسيات الحياة هي أحلام وأهداف نعمل للوصول اليها، بينما هي أشياء مفروغ منها". 
وتابع "عندما نقوم بإحصائية سنجد مئات الآلاف من العاطلين عن العمل على مر السنين، وكل منهم بذل عينيه وروحه وماله من اجل النجاح والحصول على شهادة، لكي يركنها جانبا مثل اي قميص قديم لم يعد يرتديه، ليبحث عن لقمة العيش بأي زي آخر وأي طريقة تؤمن له (العلاكة) اليومية".
 
إحصائيات
تشير الاحصائيات الرسميّة الى أن نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت 22.6 % حسب الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط في إحصائية جرت منتصف العام الماضي، اذ بينت الاحصائية" أن نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 الى 29 سنة بلغت 22.6 % بارتفاع عن المعدل الوطني بلغ 74 %".
 مشيرة الى أن " نسبة البطالة لدى الذكور بلغت 18.1 %، في حين بلغت البطالة لدى الاناث نسبة 56.3 %".
وأضافت الاحصائية أن "نسبة معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة قد بلغت 36.1 %، وان الذكور الشباب شكلوا نسبة 61.6 % مقابل 8.8 % للإناث الشابات".
بينما أعلن صندوق النقد الدولي في أيار 2018 ان "معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ اكثر من 40 %، بينما تبلغ معدل النساء خارج القوى العاملة فيه ما يقارب من 85 %". 
 
كساد
الاقتصادي ليث المنصوري بيّن أن من أهم أسباب تفشي ظاهرة بطالة الخريجين في العراق الى ابتعاد الدولة عن سياسة توظيف الخريجين، من خلال اعتمادها على اسلوب التعيين المركزي وحسب حاجة مؤسستها وطاقتها الاستيعابية، وفق نظم مبنية على اسس علمية وليس وفق الاهواء والمحاصصة والمحسوبية. 
وتابع "أن ضعف القطاع الخاص والذي جاء بعد تهميشه وتقليل فعاليته" أسهم وعلى حد بعيد على استيعاب اعداد الخريجين، أو خلق فرص العمل الملائمة، التي تتناسب مع تخصصاتهم العلمية، ما جعل سوق العمل أحادية معتمدة على الوظيفة في الدولة". واضاف" أن الكساد في السوق بعد العام 2014 واحداث داعش، ثم جائحة كورونا  ساهما الى حد كبير في تعطيل الحياة، وهذا اعطى صورة مشوشة، ما زالت راسخة على التعامل بالسوق، مما ولد شللا كبيرا ما زلنا نعاني منه، وهذا الامر ينسحب على الافراد الاقل شهادات دراسية وهم كثر، بسبب الاحداث التي شهدها العراق في العشرين عاما السابقة".
إنَّ معالجة هذه المشكلة تُعد اليوم ضرورية، تؤكدها طبيعة المتغيرات الجديدة في العراق بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية، من أجل اعادة الاعمار والنهوض بالاقتصاد، والقضاء على ظاهرة الفقر وما تتركه من انعكاسات على المجتمع.
 
قوانين
ولعل أبرز مشكلة ما زالت تواجه القطاع الخاص هي غياب القوانين التي تسيّر عمله، خاصة تلك التي تتعلق بالأجور والضمان الاجتماعي والعمل والحد من العمالة الاجنبية، ومثال على ذلك، فإن قانون الضمان الاجتماعي والذي لم يزل يراوح في أروقة مجلس النواب منذ خمس سنوات بانتظار اقراره، نجد فيه العديد من البنود التي من شأنها أن تسهم في اقبال الشباب على القطاع الخاص، مثل التأمين الصحي وضمان اصابات العمل، وضمان التقاعد، وضمان الخدمات، ويجري مجلس النواب دراسة القانون وتدقيقه، نظراً لوجود العديد من السلبيات والشوائب التي ظهرت فيه، وهناك ربط جدلي بينه وبين قانون العمل، فلا يمكن أن يصدر قانون العمل من دون تغيير لقانون الضمان، والآن عملنا على القانونين وتتم القراءة الثانية له، بعد أن تتم القراءة الثانية لقانون العمل.
 
العمالة الاسيوية
ومع تنامي البطالة وقلة فرص العمل، برزت ظاهرة اسهمت في انتعاش هذه الظاهرة الا وهي كثرة العمالة الأجنبية وخاصة الآسيوية، من خلال لجوء الكثير من أصحاب المحال والفنادق لجذب العمالة الأجنبية، وعدم الالتفات الى الشباب العراقي باعتبارهم أبناء البلد.
الشاب علي محسن (26 عاما) قال: "عندما تخرجت عام 2015 كانت أكبر احلامي أن أعمل بشهادتي التي حصلت عليها بعد عناء طويل، لكني اليوم أجدها معلقة على الجدار ولم تنفعني  في  الحصول على عمل يناسبني، حتى تمكن اليأس مني، فلجأت الى المطاعم والفنادق في محافظة كربلاء، لكن تفاجأت عندما أخبرني رب العمل بضرورة تركي للفندق، كونه استعان بالعمالة اسيوية،  فعدت فاقدا الأمل وقد انقضى أكثر من عام وأنا أواصل البحث من دون فائدة من أجل إيجاد فرصة عمل".
 
لا بدّ من رادع
وفي السياق نفسه قال حسن مقداد وقد غطى الشيب رأسه "إني أعمل موظفا بأجر يومي، ولم أتقاضَ راتبي منذ شهور، لدي أسرة تتكون من ستة أفراد، وما كنت أتقاضاه لا يسد رمق الحياة ومتطلباتها، فحاولت البحث عن عمل إضافي، فوجدت نفسي في دوامة لا أمل فيها، لأن ظاهرة العمالة الأجنبية في العراق، أصبحت آفة تفتك بالمجتمع وتسبب فقدان الكثير من فرص العمل للمواطن العراقي، خاصة الشباب الخريجين، الذين يجلسون على قارعة الطريق وعيونهم تنظر للأفق من اجل الحصول على فرصة عمل".
وختم حديثه" أتمنى من الحكومة سن القوانين والتشريعات والتوجيهات للجهات المعنية، من اجل منع هذه العمالة في السوق العراقية ومراقبتها، لأنها أخذت تستفحل في الآونة الأخيرة، مستغلة ضعف الرقابة والاجراءات القانونية".
 
غياب الضمان
الشاب( مهند) في العشرين من عمره، خريج معهد تقني، اعتاد العمل في السقوف الثانوية مما يوفر له ولأسرته قوت عيشه اليومي، إلا أن مهند يشعر اليوم بصعوبة العيش بسب قلة العمل، خاصة بعد دخول الايادي العاملة الاجنبية، بسب غياب التشريعات التي تحد من ذلك.
ويروي مهند كيف أنه تعرض لمرات عدة الى اصابات في العمل، منعته لأسابيع من عدم الالتحاق بعمله، وهذا سبب له عقدة نفسية كونه إنْ لم يخرج للعمل لا يستطيع توفير المستلزمات الضرورية لأسرته. 
وتابع "لو كان هناك ضمان حقيقي وقانون يقف بجانبي لما نزفت دما وأنا أعمل، فأطفالي بحاجة للمال وإصابتي أنا كفيل بها".  
 
الشعور بالملل
بينما قال الشاب مجتبى (33 عاماً) "إنني أشعر بالملل من كثرة الجلوس في المقهى، لكن ليس في حياتي ما يمكن أن يكون مهما، خاصة أنني فشلت في الدراسة وعملت في المحال عاملا للمواد الغذائية، كانت المعاملة سيئة من قبل أصحاب المحال، فتركت هذا العمل وبحثت طويلاً عن عمل آخر ولم أجد، فاخترت أن أقضي وقتا طويلا في هذا المكان". 
وشاركه الرأي الشاب كرار محسن (28 عاماً) إنَّ " إهمال الحكومة لشريحة الشباب، وعدم وجود حلول قطعية أو طرق تقلل من هذا الفراغ القاتل، وعدم توفير فرص عمل تؤدي إلى زيادة البطالة، وكثرة الفراغ لدى الشباب، وهذا ما يجعل الشباب يقومون بأمور سيئة في حياتهم، وينمّي الصفات والسلوكيات السيئة في شخصياتهم".
 
الأفضليَّة للقطاع الخاص
واعتبر الشاب لؤي سلمان (31 عاماً)، "أن القطاع الخاص يوفر مبالغ مالية أفضل بكثير من العمل الحكومي، وكذلك تزداد هذه المرتبات على الخبرات والكفاءات عكس ما معمول به في القطاع العام".
وأضاف أن" القطاع الحكومي فيه من السلبيات الكثير، حيث تزداد فيه المحسوبية والرشوة، وقتل للمواهب التي يمتلكها الشاب، فهو مكبل من الصباح الى نهاية الدوام بقوانين بالية لم تسهم في تطويره بل العكس تحد من افكاره".
لذلك لا بدّ من ترغيب الشباب للعمل في القطاع الخاص مع توفير نصوص تشريعية تنظم عملهم ووضع ضمانات لهم، وأيضا محاولة ربط الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص مع المرافق العامة للدولة وخضوعها للقانون المكتوب في الدولة.
 
حفظ الحقوق
من خلال ما تقدم فإننا نجد أن الشباب لم يأخذوا فرصتهم الحقيقية في بناء الدولة والانخراط في المؤسسات وسوق العمل، ولهذا يتطلب من الحكومة وضع برنامج خاص لتدريب الشباب، حتى يتمكنوا من زيادة مهاراتهم، بغية رفد السوق بتلك الطاقات، وهذه البرامج لا بدّ ان تكون حقيقية وعلى ارض الواقع، وليست حبرا على ورق، وعلى الجهات المعنية تطبيقها بشكل فعلي، والابتعاد عن مخلفات الوساطة والمحسوبية، إضافة لذلك، فهنالك دور آخر يقع على عاتق المنظمات غير حكومية من خلال  إقامة دورات تدريبية للشباب لتطوير مهاراتهم، مع اقرار القوانين، التي تيسّر عمل الشباب في القطاع الخاص وتحافظ على حقوقهم عند تقدمهم بالسن.