الرضاعة الطبيعيَّة.. مشكلات حياتية

ريبورتاج 2020/11/04
...

 
 مآب عامر
 
إذا زرت مطعماً، فقد لا تتفاجأ على الأرجح بما ستراه وأنت تتناول طعامك بصحبة أسرتك، فبعد مضي القليل من الوقت، سترى امرأة تحمل طفلاً وهي تجر الكرسي الذي كانت جالسة عليه من طاولة الطعام وتثبته بزاوية أملاً في ألّا تكون محطاً للأنظار، ثم تبدأ بارضاع طفلها، وبعد إنهاء المهمة تعيد كرسيها وتستأنف تناول طعامها، بتلك اللحظة قد يخبرها من هو برفقتها بضرورة الإسراع بتناول الطعام".
ورغم أن التذمر بدا واضحاً عليها، فإن ذلك لم يمنع من أن تنهض وتتوجه بخفة للخروج من المطعم بعد أن لملّمت أغراضها، ليس هذا المشهد غريباً، وإنما قد يحدث في كل مكان يصادف أن نذهب إليه.
 
تجربة سيئة
على أي حال، تشكل الرضاعة الطبيعية واجباً مرهقاً عند الكثيرات، لأن عليّهن التنازل عن أمور لها علاقة بحياتهن الخاصة والعامة، مثل (ارتداء الثياب، توتر الأعصاب، النوم القليل، الشعور بالوحدة والكآبة) وغير ذلك من تفاصيل تدفعهن للاعتقاد بأن الرضاعة الطبيعية تجربة سيئة.
وتفضل الأمهات في فترة ارضاع أطفالهن طبيعياً الابتعاد عن الأماكن العامة، ويزيد من إصرار يسرا حامد على ذلك شعورها الدائم بالانعزال، وكأن وجودها غير مناسب. 
يسرا، التي لديّها الآن أربعة أطفال، تقول " كان هذا الشعور يشكل جزءا من معاناة (6) أعوام من حياتي"، وهي فترة ارضاع ثلاثة من أطفالها. 
بعدها، قدرّ ليسرا أن تنجب طفلها الرابع، لكنها قالت في آخر أيام حملها "لن أخوض تجربة الرضاعة الطبيعية"، وهو ما كان بالفعل. 
وأفادت منظمة الصحة العالمية، بأن "ملايين الرضع في الدول النامية يواجهون الخطر لأنهم لا يرضعون طبيعياً لفترة مناسبة".
خلصت نتائج الدراسة التي أجريت في 94 بلدا نامياً إلى أن ما يربو على 39 ٪ فقط يرضعون طبيعياً في الاشهر الستة الأولى من عمرهم، وهو ما يثير تساؤلاً حول مدى تراجع الرضاعة الطبيعية للأطفال؟.
 
الصناعيَّة بدلاً من الطبيعيَّة
الإجابة تتعلق عادة بتوجهات اجتماعية وصحية، فمرة عندما ألقيتُ نظرة على زميلة في ورشة تدريبية، تملكني القلق آنذاك، ولكني تماسكت وسألتها عن سبب توترها المفرط؟، في تلك اللحظة، تحدثت عن طفلتها التي لم تتجاوز (5) أشهر، وعليّها الآن التواجد قربها "لأن موعد رضاعتها الطبيعية قد حان".
كان شعورها بالتوتر من تأخر الوقت لن أنساه، وأدركت أنها كانت تفضل الرضاعة الصناعية لطفلتها، 
لكن زوجها رفض ذلك. 
وكانت دراسة أجريت عام 2015 في معهد بحوث التغذية في وزارة الصحة والبيئة، أوضحت أن "انخفاض معدل الرضاعة الطبيعية لدى الأم لحديثي الولادة بلغ أكثر من 19 %، الأمر الذي يُظهر وجود زيادة في نسبة الرضاعة الصناعية في العراق، بينما هناك زيادة في الدول الأوروبية للرضاعة الطبيعية".
 
المجتمع والصحة
الجدل حول الرضاعة الطبيعية قديم،  فقد شرعت النساء منذ عام 2000 في الابتعاد عنها والاعتماد على "المرضعات"، بعد فشلهن في ارضاع أطفالهن أو موتهن، وعلى هذا النحو، أصبحت "المرضعات" طريقة للتغذية البديلة.
ظلّت المرضعة مهنة مشهورة ومنظمة بقوانين حتى القرن العشرين، إذ كان من غير المعتاد أن تُرضع الارستقراطيات أطفالهن من أثدائهن لأنها ممارسة غير عصرية آنذاك، كما منعت الرضاعة الطبيعية كثيرات من ارتداء الملابس المقبولة، وتعارضت مع الأنشطة الاجتماعية كحضور العروض المسرحية، كما أن زوجات الميسورين اكتشفن أن المرضّعة أقل تكلفة من مدبرة المنزل.
ومع ذلك، فنظرة المجتمع السلبية للمرضعة تتزايد بسبب مخاوف إصابة الطفل بالهشاشة والضعف، وتضاؤل العاطفة بينه وأمه، والعدوى النفسية والجسدية، فضلاً عن شيوع استخدام المواد المخدرة "كورديال غودفري" بكثرة لتنويم الأطفال.
وحتى بعد تحسين الرضاعة الصناعية ووصولاً لقوانين إدارة الغذاء والدواء، إلا أن تفضيل الرضاعة الطبيعية مازال في تزايد، ولكن هذه المرة من جهات طبية.
وهو الشيء نفسه الذي تخبرنا عنه الاستشارية في طب الاطفال وحديثي الولادة الدكتورة نهلة الياسري عقب تزايد الرضاعة الصناعية رغم حملات التوعية المكثفة لتشجيع الرضاعة الطبيعية والغذاء الصحي، وكذلك نظرة المجتمع الذي يرى أن الرضاعة الطبيعية واجبة، وتقول إنها" مع الرضاعة الطبيعية ولكن من منظار 
صحي".
تربط الاستشارية الاختلافات بين الحليب الطبيعي والصناعي بصحة الأطفال وسلامتهم، وترى أنهم يعانون بسبب الحليب الصناعي من سوء التغذية وضعف في النمو.
وربّما آخرها كان في "ابتلاع‭ ‬الرضيع‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬جسيم‭ ‬دقيق‭ ‬من‭ ‬البلاستيك‭ ‬متأت‭ ‬من‭ ‬زجاجة‭ ‬الرضاعة"،‭ ‬بحسب‭ ‬ ‬دراسة‭ ‬ علماء في ايرلندا. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ولا تستطيع الياسري حصر عدد المخاطر الصحية التي يتعرض لها كل من الطفل وأمه، أقلها "إصابة الأم بسرطان الثدي"، وإلى توضيح ذلك، تعتقد أن الأمر كله "يقع بمحض اختيار الأم" ولن نتمكن من التأثير عليها في وقت يتم التركيز فيه إعلامياً واجتماعياً على شكل المرأة 
وحضورها.