يمارس نحو 20 الى 54 بالمئة من الأميركيين عادة طقطقة الأصابع، متجاهلين تحذيرات الآباء والأجداد منذ أجيال بأن هذه العادة المزعجة المثيرة للأعصاب سيئة لمن يمارسها، كثير منهم يستمدون اطمئنانهم من التقارير الطبية، التي بقيت تؤكد منذ عقود عدم قيام دليل قوي، على ان طقطقة الأصابع يمكن ان تسبب لهم مرض التهاب المفاصل، بل ان مدونة نشرتها كلية هارفارد الطبية في العام 2018
بلغت حد الاعلان أن الممارسة «غير مضرة».
غير أن الخبراء الذين عكفوا على دراسة تفاصيل هذا البحث يردون بأن عبارة «غير مضرة» لا تخلو من مبالغة، فرغم عدم العثور على علاقة قويّة مباشرة بالتهاب المفاصل تبقى الطقطقة قادرة على التسبب بضرر لليدين.
أحدث الخائضين في هذا المجال جراح أعصاب اسمه «رود أوسكويان» شارك في العام 2018 بمراجعة عدة دراسات نشرتها مجلة «التشريح السريري» تتعلق بطقطقة الاصابع. عكف أوسكويان على تمحيص اكثر من 26 ورقة بحث تناولت آليات الطقطقة وآثارها، وكان منجذباً بالخصوص الى محاولة تفسير سبب صدور الصوت عند الطقطقة.
يتفق الباحثون اليوم على ان العظام نفسها ليست مصدر الطقطقة، بل أن الحركة تؤدي الى تكون فقاعات من الغاز في «السائل الزليلي» الذي يزيت المفاصل، لا يزال الباحثون يجهلون إن كان تكون الفقاعات هو مصدر الصوت ام أنه تفجرها في وقت لاحق، ولكن أوسكويان يعتقد ان الاليات تشبه ما يفعله مقوم العظام عند تعديل العمود الفقري الذي يتسبب ايضاً بصدور طقطقة.
خلص أوسكويان وزملاؤه الى ان الباحثين لم يتمكنوا من تقديم برهان قاطع على وجود علاقة بين الطقطقة ومرض التهاب المفاصل، بل ان دراسة نشرت في 2017 قدمت دليلاً على ان هذه العادة توسع مدى الحركة، ولكن ينبغي عدم اعتماد هذا القول كجواز مرور، لاسيما حين تمارس العادة بإفراط ولفترات طويلة او في حالة وجود مشكلات قديمة.
يوضح أوسكويان ان الدراسات التي راجعها توحي بأن طقطقة الاصابع لفترات طويلة يمكن تتسبب بضرر جدي، ولو أنه لا يصل الى حد التهاب المفاصل، لأنها قد تنتهي بانحلال المادة الغضروفية التي تحمي المفاصل. في العام 2017 لاحظ فريق من العلماء الاتراك ان 35 شخصاً اعتادوا ممارسة الطقطقة لأكثر من خمس مرات في اليوم قد اصيبوا بتثخن الغضروف المشطي، وهذه علامة مبكرة محتملة لضرر قد ينتهي بتلف الانسجة الغضروفية المفصلية، ولو أن الحالة لم تؤثر كما يبدو في شدة القبضة.
في العام 1990 توصلت دراسة ثانية اجريت على 300 مشارك تتعدى اعمارهم 45 عاماً هي الأخرى الى ان الإصابة بالتهاب المفاصل بين ممارسي الطقطقة لم تكن اعلى من غيرهم، بيد أن ايديهم كانت اكثر انتفاخاً وقبضتهم أضعف شدة.
إلا ان «شارلز كالينا»، وهو استاذ مساعد في علم الجراحة، يحذر من ان طقطقة الأصابع قد تكون سيئة بشكل خاص على الذين يعانون من مشكلات قديمة، مثل التهاب المفاصل الروماتزمي، ونسبة هؤلاء تقارب 10 بالمئة من افراد المجتمع. ولو أن كالينا لا ينكر انه هو نفسه يطقطق اصابعه في بعض الاحيان.
من الوقائع الطريفة بحث تناول عادة طقطقة الاصابع قام به منفرداً رجل عنيد اسمه «دونالد أونغر» وهو طبيب متقاعد متخصص بالحساسية. ففي العام 1998 ارسل أونغر رسالة الى مجلة طبية متخصصة عنوانها «هل تسبب طقطقة الأصابع التهاب المفاصل؟»
قال الكاتب انه في زمن طفولته كان يسمع من المراجع المعتمدة (وهم والدته وخالاته وعماته.. ومن بعدهن في وقت لاحق أم زوجته) ان طقطقة الاصابع تسبب التهاب المفاصل، ركب العناد أونغر وقرر التحقق من صحة هذه النظرية، وعلى مدى 50 سنة التالية كان يطقطق أصابع يده اليسرى مرتين في اليوم على الأقل، ولا يطقطق اصابع يده اليمنى إلا نادراً او بالصدفة.
بعد نصف قرن نظر أونغر الى يديه، وعندما تأكد من عدم اصابة أي منهما بالتهاب المفاصل انتهى الى حقيقة عدم وجود علاقة بين طقطقة الاصابع والاصابة بالتهاب المفاصل.
بعد أحد عشر عاماً من ذلك كرم أونغر بجائزة «إغ نوبل» للطرافة العلمية (وهي جائزة تمنح كل عام في اجواء كوميدية مضحكة للأبحاث التي تضحك الناس ولكنها تجعلهم يتأملون).
عن صحيفة واشنطن بوست