الجامعة المستنصريَّة.. حملات إعمار ومشاريع بحثية استثمارية

ريبورتاج 2020/11/07
...

    فجر محمد

تجذبك أضواؤها الساطعة ليلا وحدائقها الخضراء، فمن يزرها او يسكن بالقرب منها بمقدوره أن يشاهد حملات الاعمار التي بدأت منذ اشهر، وما زالت مستمرة الى اليوم وحتى اوقات متأخرة من الليل .
 اما في مراكزها البحثية، فالعمل مستمر هو الآخر على انتاج بحوث ودراسات علمية رصينة تقدم خدمة كبيرة للمجتمع.
رئيس الجامعة المستنصرية الدكتور حميد فاضل التميمي يشرف اليوم على حملات اعمار، تبدأ صباحاً وتنتهي ليلا، اذ رافقناه اثناء متابعته العمل، فعلى الرغم من الظروف العصيبة التي يمر بها البلد اليوم بسبب جائحة "كورونا" وما فرضته من اغلاق اجباري وتوقف الأنشطة لاشهر، الا أن الاعمار متواصل، عند دخولنا الى الجامعة، شاهدنا العمال يتوزعون هنا وهناك، منهم من يرمم الممرات الرئيسة، ومنهم من يرتب الفرعية.
ماضٍ عريق
وبينما هو يتفقد سير العمل تحدث رئيس الجامعة لـ "الصباح" قائلاً:"لطالما كانت الجامعة المستنصرية مصدراً لاشعاع ثقافي، لأنها استوحت اسمها من المدرسة المستنصرية التي يعود تاريخها الى عام 1233، وكانت يومها صرحاً ثقافياً وعلمياً مهماً، ومقصداً لطلاب العلم من مختلف البلدان آنذاك، ولذلك حاولت الجامعة أن تكون خليفة لتلك المدرسة، ولهذا بدأت حملة الاعمار هذه لاكساء الجامعة حلة جديدة".
 
نصب الشهداء
من يزر الجامعة المستنصرية بمقدوره أن يشاهد على الجانب الايسر من الحديقة الامامية نصب يتوسط حديقة صغيرة، لفت انتباهنا فهو يتمثل بمجموعة من الكتب المتراكمة فوق بعضها ويعلوها تمثال لطائر كأنه يستعد للطيران نحو السماء، وبعد الاستفسار عنه تبين انه تجسيد للطلاب الشهداء الذين سقطوا في تفجير عام 2007، الذي هز اركان المستنصرية آنذاك، وتسبب بتطاير اشلاء الطلاب وامتزاجها بكتبهم ودفاترهم، ولانه لم يتسن جمع اشلائهم، لذلك دفن في ذلك المكان ما تبقى منها واصبح مزاراً وتذكاراً لهذه الاجساد الطاهرة، التي فارقت الحياة على ارض الجامعة وبايدي قوى الارهاب الظلامية آنذاك.
 
هموم
من المعروف أن الاقسام الداخلية جزء لا يتجزأ من أي جامعة، لأنها توفر المسكن والملاذ الآمن لطالبات وطلاب المحافظات الاخرى، وتواجه اليوم الاقسام الداخلية للطالبات في الجامعة المستنصرية مشكلة حقيقية، اذ من المفترض أن تقوم الجامعة باخلاء المكان الذي يضم 700 طالبة، لأن ملكيته تعود الى احد تشكيلات وزارة الصناعة والمعادن.
 وشكا الدكتور حميد التميمي من هذا الامر موضحاً "ان الجامعة ناشدت وزارة الصناعة والمعادن، لوقف امر الاخلاء لكن دون استجابة".
معبراً عن مخاوفه من نقل هذا القسم الداخلي الى مكان آخر قد تكون فيه الطالبات معرضات للخطر، في حين الموقع الحالي يتمتع بالحماية الكاملة.
 
مراكز خدميَّة
تمتاز الجامعة بوجود مراكز بحثية وتقدم خدمة ايضا في الوقت نفسه، ومنها ما هو متخصص بامراض الدم و السكري، فضلاً عن المركز الوطني لأمراض السرطان، رئيس الجامعة اوضح "ان مركزي الدم والسكري ليسا لأغراض البحث العلمي فقط، بل يقدمان خدمة عامة، ويستقبلان يومياً عدداً كبيراً من ذوي الامراض المزمنة، وهناك تعاون مع وزارة الصحة التي توفر العلاجات والادوية، خصوصا تلك التي تكون اثمانها باهظة في الاسواق، في حين تعطى بسعر رمزي في تلك المراكز، لكي تناسب الفئات التي تحتاج الى دعم الدولة".
ويردف "فضلاً عن وجود عيادات طبية في الكليات المتخصصة وهي لخدمة المجتمع، وفي ما يخص المركز الخاص بالسرطان، فهو يضم عيادات طبية ايضا تقدم الخدمة للمواطنين".
 
مشاريع
في دول العالـــــــــــــم المتقدمة تعمل الجهـــــــات المسؤولة والشركـــــــــات والمصــــــــانع على الاستفادة من البحــــــــوث الطلابية التطبيقية.
 الدكتور حميد التميمي يشير الى "وجود تعاون مشترك مع الكثير من دوائر الدولة، واستثمار البحوث التطبيقية في المجموعة الطبية وكليات الهندسة، فضلا عن تخصصات العلوم، ومن الجدير بالذكر ان هناك مشروعاً ناجحاً لانتاج المعقمات قامت به الجامعة بجهود وامكانات بسيطة جدا، وكنا نأمل أن يتم دعمه وتبنيه من وزارة الصحة او الصناعة والمعادن للاستفادة من هذه المنتوجات، وطرحها في الاسواق وايصالها للمستهلك، لكن خط الانتاج بقي محدوداً لغياب الدعم المنتظر".
 
بحوث متطورة
في كل جامعة مجموعة من المراكز تقوم بأبحاث ودراسات علمية رصينة، تهدف الى خدمة المجتمع، وتقدم كل ما هو جديد وحديث ومتطور في المجالات العلمية.
ففي اشهر الاغلاق بسبب جائحة "كورونا" يؤكد رئيس الجامعة أن "هناك بحوثاً علمية متطورة، تحاكي التقنيات الحديثة قد نشرت في المجلات العلمية الرصينة، ودخلت في قائمة المؤشرات العالمية على سبيل المثال سكوباس  وكلارفت، وهذا يعني ان الانتاج العلمي لم يتوقف بسبب الوباء ، بل زاد غزارة مع الظروف الصعبة التي عاشتها وتعيشها البلاد اليوم".
 
منصات تعليميَّة
من كان يدرس في اروقة الجامعة، يعرف بانها اطلقت قبل اكثر من عامين خدمة الكترونية للتواصل المستمر مع طلابها، وذلك عبر انشاء ملف الكتروني تعريفي لكل طالب يحتوي على درجاته الفصلية والنهائية، فضلا عن المحاضرات والمناهج الدراسية للأساتذة.
 ويبين الدكتور حميد التميمي "ان هذه الآلية خدمت الجامعة والطلاب بشكل كبير، اذ وفرت التعاون المثمر بين الطرفين، اذ بامكان الطالب أن يلقي الاسئلة على اساتذته وهم بدورهم سيجيبون عليه بفضل هذه الآلية، ومازالت مستمرة لغاية الان".
 
نقص القاعات
رئيس الجامعة تحدث عن قدم البنى التحتية في الجامعة قائلا:"تعاني اغلب ابنية كليات الجامعة من قدم وغياب الاهتمام ببناها التحتية، فعلى سبيل المثال هناك نقص واضح في القاعات الدراسية، فضلا عن وجود بنايات توقفت حملات الاعمار فيها منذ سنوات، لوجود مشكلات مختلفة آنذاك، وبالرغم من غياب التخصيصات المالية في الوقت الحاضر، الا أن الجامعة ارتأت أن ترمم ما تستطيع من الكليات بالتمويل الذاتي من صناديق الاجور المسائية والموازي والنفقة الخاصة لطلبة الدراسات العليا،  وتجدر الاشارة الى أن حملة الاعمار قد امتدت وشملت ساعة الجامعة التي توقفت منذ عام 1998، ومن المتوقع عودتها الى العمل بعد ايام، معلنة بداية موسم دراسي جديد، لا يخلو من التحديات نظراً للظرف الراهن".
 
ثقافة بيئيَّة
لم يقتصر الاعمار والترميم على البنايات، بل كان للحدائق المهملة سابقاً حظ ايضاً في عملية الترميم، وليست الداخلية فقط بل وصل الاعمار الى الخارجية ايضا.
اذ رفدت وزارتا الموارد المائية والزراعة الجامعة باسمدة نباتية واشجار متنوعة من الفاكهة والحمضيات وغيرها، كي تستعيد الجامعة ثوبها الاخضر، وتنزع ثوب التصحر الذي رافقها لسنوات طويلة، هذا ما بينه الدكتور حميد التميمي وتابع القول:"ان مهمة الجامعة يجب الا تقتصر على التعليم ورفد المؤسسات بالانتاج البحثي والعلمي فقط، بل لابد أن ترسخ للثقافة البيئية التي اصبحت نادرة جدا في المجتمع، ففي الماضي كانت البيوت العراقية تعمل على زرع النخيل والزيتون والحمضيات، وتتنافس  بينها بهذا الخصوص، اما في الوقت الحاضر فقد اهمل هذا الجانب بشكل كبير، لذلك سعت الجامعة الى ترسيخ هذه الثقافة بين طلابها ومنتسبيها من جديد من خلال الاهتمام بالحدائق وزراعتها وتسميدها بشكل مستمر".