أمهات اليوم.. ماذا تعلمن من نظيراتهن بالماضي؟

ريبورتاج 2020/11/07
...

 سرور العلي 
 
 
تلعب الأم في كل المجتمعات وعبر مختلف الأزمنة دورا بارزا في تنشئة الأجيال، واعدادها للمساهمة في بناء المجتمع ونهضته، ونتيجة للتغيرات الكثيرة التي طرأت على الحياة لم تعد أمهات اليوم يشبهن كثيرا أمهات الأمس، ومع ذلك هناك من تعلمن من أمهاتهن، فيلجأن لهن كلما صادفهن عائق لا يستطعن تجاوزه. 
تقول إيناس رعد، (35) عاما، متزوجة:" تعلمت من والدتي الصبر والعزيمة والتضحية في سبيل الحفاظ على أسرتي وتجاوز المشكلات مع زوجي بالتفاهم والمودة، وتعلمت منها أيضا التأقلم مع جميع الظروف، والثقة بالنفس والإخلاص والصدق والوفاء بالوعد". أما سجى رسول، (33) عاما، تتذكر والدتها، قائلة:"كانت والدتي بارعة في إلقاء الحكايات والقصص والاساطير ذات المحتوى الهادف والتعليمي، وترويها لنا بطريقة مشوقة، فورثت تلك العادة منها وأصبحت أقص حكاياتها لأطفالي وهم مستمتعون".
وتابعت رسول"وتعلمت منها حب المساعدة للآخرين والعطاء المستمر وصلة الرحم، وتطوعت في فريق شبابي لإغاثة المحتاجين وتقديم التبرعات لهم".
تتحدث هبة وليد، طبيبة أسنان بفخر عن والدتها:"لأمي دور كبير بما وصلت اليه اليوم، إذ كافحت وتغلبت على تحديات كبيرة من أجل أكمال تعليمي بعد انفصالها عن والدي وذهابنا للعيش مع أخوالي، الذين يرفضون أن تكمل الفتاة تعليمها، ولكن أصرت والدتي على موقفها وأدخلتني كلية الطب، لذا فهي مدرستي وقدوتي في الحياة وملهمتي، مهما قدمت لها سأكون مقصرة في حقها ولا شيء يوفي جميلها".
 
فوارق
وبين أمهات اليوم والماضي حتما هناك فوارق، إذ يؤكد الباحث الاجتماعي جواد علي:"كانت الأمهات في الماضي قويات صبورات ومكافحات، ويشاركن أزواجهن في تحمل عبء الحياة وهمومها، فيستيقظن صباحا ذاهبات إلى الحقول والمزارع والمراعي وقضاء أعمالهن دون كلل أوملل ودون شكوى، أما أمهات اليوم فبعضهن كسولات وليس لديهن قرار، ولا يتحملن الظروف القاهرة وكثيرات الشكوى".
مضيفا"وعلى الرغم من أن أمهات الأمس لم يحصلن جميعهن على التعليم ولا يعرفن القراءة والكتابة، ولكنهن صاحبات قرار صائب ويعتمد عليهن في إدارة أصعب الأمور، والجاهلات منهن نجحن في تربية أبنائهن وفق أسس سليمة".
وأكد"كما أن صلة بعض أمهات اليوم بأطفالهن نجدها على الأغلب ضعيفة، لاسيما الموظفات منهن إذ يتركن معظم الوقت أطفالهن تحت رعاية آخرين، أو يفرطن في تدليلهم مما يخلقن جيلا متكاسلا ومعتمدا على غيره".
 
الأم العراقية
أمهات الأمس أكثر سعادة ورضا على حياتهن وهن وسط ظروف معيشية محدودة، فلم تتوفر لهن أجهزة منزلية حديثة ولا تكنولوجيا متطورة، أما أمهات اليوم رغم أنهن مرفهات وكل شيء أصبح متاح لهن، نجدهن متذمرات وذوات مزاج عكر، وأكثرهن غاضبات وغير قانعات. 
وأوضحت استشارية الأسرة ولاء رزاق:"أمهات أمس بفطرتهن وحكمتهن صنعن أجيالا يحتذي العالم بهم، ويمتلكن قدرا كبيرا من الصبر والتحمل، ولديهن خبرة في إدارة الأمور وتفرغهن الكامل للأمومة واحتضان أبنائها، واكتشاف مواهبهم وتشجيعهم على تخطي مصاعب الحياة".
ودعت رزاق أمهات اليوم "أن يكنَّ أمهات حقيقيات ويؤدن أدوارهن بصدق كرضاعة أطفالهن رضاعة طبيعية، لتكوين علاقة حب وعطف بينه وبين أمه، وتربية أبنائها على أسس صحيحة، وإعطائهم حقوقهم من الرعاية والاهتمام".
ولم تنس الشابة زينب عادل طبخات والدتها والرائحة الجميلة التي كانت تعبق في البيت، وتستذكر عادل وهي تحبس دموعها:"لا تفارقني تلك الأيام، بل ما زالت عالقة في ذهني، تعلمت من والدتي الكثير في إدارة شؤون منزلي، وإعداد وجبات طعام لذيذة لأسرتي كما كانت هي تفعل".
ولفت التربوي نجم العجيلي الى أن:"الأم العراقية رمز كبير نفتخر به على الدوام، كونها تحمل الطيبة ومليئة بالوفاء، فقد ضحت وعانت من الحروب والحصار والفراق، فكتمت آلامها وأحزانها للحفاظ على أسرتها من الضياع والتشتت، وهي مدرسة ننهل منها العبر والمواعظ، إذ بتنا نتغنى بها، ونشتاق لأيامها ونتمنى عودتها".
وتابع العجيلي"أصبح للأم في الوقت الحاضر صوت وحرية وحقوق ومعرفة، وكسرت قيود الخوف والحواجز وعادات الأمس، وفتحت لها مجالات الحياة التي كانت حكرا على الرجال، ولكن بعضهن لم يأخذن الدروس والحكم من أمهات الأمس، فيفكرن بأنفسهن فقط وينظرن للآخرين ليكنَّ الأفضل، ويطمحن ولا يرضن بالواقع بل ولا يبالين إن ضاعت أسرهن، ولسن هن المذنبات وحدهن بل ظروفهن، ومتغيرات الحياة لها دور أيضا".
وأكدت المهندسة زينة الصباغ:"بوجود هذا الكم الهائل من التطور التكنولوجي يظل دور الأم الأهم في التربية، بل زاد صعوبة بنظري حيث أنها باتت الأم في الوقت الحاضر تحارب المعلومات الدخيلة من مختلف الثقافات والمجتمعات الخارجية، لأولادها عن طريق الانترنت، فأصبح وجود الأدوات المتطورة أمرا مفروضا في حياتنا اليومية، لكن كيفية التعامل معه وتوجيه الأطفال لكيفية المقارنة بين المقبول والممكن، وبين المستحيل تقبله وهذا من واجب الأم لتشارك طفلها في الإدراك".
مضيفة "في الماضي كانت كل سبل التربية المقدمة من والدتي هو التوجيه والمقارنة بالسلوك ونتائجه، بالاعتماد على الأقارب والأصدقاء المحيطين بالأسرة على سبيل المثال، أنظر لفلان لقد نجح ولم تنجح أنت، وغيرها من الأمثلة لإثبات وجهة نظر الأم على اعتبار أصعب مهمة لديها هي في مرحلة تكوين شخصية الطفل، إذ تدخل في نقاشات كلها تصب في تكوينه الداخلي".