العنف ضد الأطفال قصصٌ ومآسٍ تهدد القيم المجتمعيَّة

ريبورتاج 2020/11/07
...

  نهضة علي 
 
 
يتفق الجميع على أن المجتمع العراقي مجتمع ذو جذور أصيلة، وصفته كتابات المؤرخين والمؤلفين، بأنه من أول المجتمعات في الحفاظ على ثوابت الأسرة والانتماء لها، الا أن تراكمات الحروب أجهضت حالات مستهجنة لبعض الظواهر، ومنها ظاهرة العنف ضد الاطفال، التي تصاعدت موخرا لتطغى صور التعذيب الجسدي والضرب المبرح للاولاد والبنات من قبل ذويهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد أن التعليقات التي تكتب حولها من قبل الجمهور، فيها استهجان ونبذ للحالة ومطالبة بالمعالجات، وهو دليل على القيم التي يحملها الفرد المنتمي لمجتمع الأصالة. 
عنف من أجل المال
ضبطت شرطة كركوك إحدى حالات العنف بعد رصدها في مواقع التواصل الاجتماعي، بأن أحد الأطفال تعرض للضرب والايذاء من اجل الحصول على المال، حيث المتعارف عليه دائما ان الطفل يوبخ وقد يضرب عن شراسته ومشاحناته مع أقرانه أو أخوته، او لقيامه بعمل لايدرك خطورته كونه صغير السن، الا أنه وبحسب المقدم غالب الجبوري مسؤول قسم الشرطة المجتمعية الذي أكد لـ"الصباح" أن أحد الاطفال بعمر تسع سنوات تعرض للعنف والضرب المبرح حتى ظهرت الآثار والكدمات على ظهره من قبل خاله لعدم جلبه المال في آخر ساعات نهار العمل، وان الطفل وشقيقته كانا في العام الماضي متسولين، وبعد ان سلما الى ذويهما من قبل الشرطة، واخذت تعهدات منهم بعدم اجبار الاطفال على التسول، ولأن القانون منعهما من ذلك للمرة الثانية، الا أنه عثر على الطفل وهذه المرة معنف، بعد أن فشل في احضار مبلغ من المال لخاله، عن عمله في عربة نقل يعمل بها في السوق، وترك التسول فهو من أسرة من دون معيل، لأن اباه مفقود والأم  تسكن مع اشقائها وهي ربة بيت.
واشار الجبوري الى أن الشرطة أخذت على الفور اجراءاتها اللازمة بعمل محضر اصولي، بعد احالته على قسم شرطة الأسرة، ومن ثم الى المستشفى للتداوي، واجراء التقرير الطبي عن اصاباته جراء الضرب وسلم الى أمه، ومن ثم البحث عن معنف الطفل.
وبين أن الشرطة أخذت على عاتقها متابعة الحالة، وأخذت تعهدا قانونيا من والدته بعدم ضرب الطفل مرة اخرى، واجراء زيارات ميدانية مستمرة لمدة ستة اشهر على الحالة المذكورة لحمايته من العنف. 
 
حماية الأسرة وأفرادها
وأوضح الجبوري أن شرطة الاسرة والشرطة المجتمعية والنجدة، لاتنفك بمواصلة عملها ومن خلال ومفارزها، بمتابعة حالات العنف ضد افراد الأسرة، سواء في الشارع او السوق، وتطبيق القانون بحق المخالفين، ويكون تركيزها على الاطفال العاملين في الاسواق، وتنفيذ تكرار التوعية للأسر وفئات المجتمع، حول تجريم القانون لعنف الاطفال، وعمالتهم واستغلالهم، وتقديم الدعم المجتمعي عن طريق الباحثين والمختصين، والاحاطة بجميع حيثيات حالات العنف واسبابها ونتائجها، ووضع المعالجات لحماية أفراد الأسرة.
 
مناهضة العنف
أكد الباحث النفسي والاجتماعي الدكتور عبد الكريم خليفة لـ"الصباح" أنه "لوحظ في الآونة الأخيرة تعرض الأطفال الى العنف بطريقة وحشية وانتقامية، بترك آثار الضرب على اجسادهم، او كسر أحد اطرافهم، وعادة ما تكون من ضغط العلاقات الاجتماعية، بسبب تغيرات في منظومة القيم، ونتيجة تراكمات ما مر به المجتمع من حروب وفقر وتشرد، وفي هذه الحالة العنف من المقربين بعد لجوئهم اليه، ليكون مسؤولا عنهم بدلا من والدهم، واستغل دوره باستغلال الاطفال للعمل وتوفير المعيشة بالضغط والتوبيخ والقسوة والعنف". 
واشار خليفة الى" القوانين العراقية فيها بعض الثغرات حول حماية المواطن من العنف في مثل هذه الحالات، خاصة حماية الاطفال من قبل المقربين له او ذويه، اذ لا يوجد رادع له في الشارع، فضلا عن عدم وجود مؤسسة لحماية الطفل من العنف او قسم يختص بذلك".واضاف أن "تعرض الطفل للعنف في صغره له تأثيره في شخصيته مستقبلا، وانه ينشأ فردا غير قويم، ويكون سلوكه المجتمعي غير سوي، وفيه الفضاضة عند التعامل، اي يكون فردا مضادا للمجتمع، ويسمى في علم النفس السايكوباتي، لان اسقاطات تعرضه للعنف (لحظات التعنيف) تختزل على اللا شعور، فتؤثر في سلوكه، وتظهر على شكل تحفيز سلوكي غير مقبول عند الكبر، وهو ما يجعله يتأثر لأبسط موقف او ضغط، مما يلجأ الى التصرف بعنف، ويؤثر في تكوينة المجتمع بوجود مجرمين او سراق، او الابتعاد عن الحكمة في التصرف، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود من قبل المؤسسات المسؤولة والاسر والمنظمات العاملة في مجال تنشئة الطفل، لإبعاده عن التعنيف والتعامل معه وفق سنوات عمره بالطرق الحضارية.