يوم نانسي بيلوسي

الصفحة الاخيرة 2020/11/08
...

عبد الهادي مهودر

 عام من الخصومة الشخصية انتهى بشماتة نانسي بيلوسي بدونالد ترامب بشكل غير معهود في التقاليد الاميركية.. انها بيلوسي التي وصفها ترامب بالمجنونة والتي لا تفوت أية هفوة من هفواته، وطالبت بالكشف عن حالته الصحية واعتزمت تقديم مشروع قانون للتحقيق بقدرته على قيادة البلاد، وبالمقابل كان ترامب يتبادل معها الشتائم دون أي اعتبار، وموقفه برفض الاعتراف بالنتيجة، كان جنونياً ايضاً وخارج التقاليد الانتخابية الاميركية .
كلنا نتذكر مشهد وقوفها كرئيسة لمجلس النواب خلف ترامب وهي تصفق له ببرود قبل أن يتجاهلها ويلقي خطاب الاتحاد وكيف انتقمت لنفسها بتمزيق اوراق خطابه أمام عدسات الكاميرات والعالم أجمع وكيف سارعت واعلنت في وقت مبكر فوز بايدن، وقبل أن يعلن المرشح الديمقراطي فوزه بنفسه وهي أول من اطلق على بايدن صفة الرئيس المنتخب نكايةً بترامب، ولو كانت نانسي بيلوسي تجيد اطلاق الهلاهل او الزغاريد لهلهلت وزغردت من شدة فرحتها وشماتتها بهزيمة ترامب في يوم الأيام بالنسبة لها، فقد طغت سعادتها على افراح جمهور الديمقراطيين عند اعلان كبريات وسائل الاعلام الاميركية فوز بايدن، وقالت بنشوة المنتصر إنه يوم جديد للأمل وان ترامب يجب عليه أن يقبل نتائج الانتخابات "كرجل" بدلا من محاولة بث الشكوك حول النتائج.. وخارج هذه التقاليد ايضا بقي  ترامب يغرد وحيداً فريداً ويشكك بالانتخابات التي أوصلته الى البيت الابيض قبل اربعة اعوام ويرفض الاعتراف بنتيجتها رغم تسابق زعماء العالم على تجاوز عهده وطي صفحته وتهنئة الرئيس الجديد المنتخب جو بايدن.
وبحماستها لبايدن ضربت (ابله نانسي) العصفورين الجمهوري والديمقراطي بهلهولة واحدة لتحرق قلب ترامب ولتضمن قلب بايدن وتحتفظ برئاسة مجلس النواب مجدداً في عهده .
ولذلك بالغت بالشماتة ولم تتصرف "كامرأة " رغم انها طالبت ترامب أن يتصرف " كرجل" وشمتت به مثلما شمت به اعداؤه في داخل اميركا ورقصوا حتى مطلع الفجر وشمت به في السر والعلن كل خصومه، والمتضررون من سياساته من بغداد الى الصينِ، بينما أخفت روسيا وايران ودول الخليج ردود افعالها لاعتبارات الربح والخسارة، رغم ان كل هذه الدول ادعت ظاهرياً عدم اهتمامها بمن سيكون الفائز في الانتخابات الاميركية وعدم تمييزها بين ترامب وبايدن، لكن الحقيقة ان العالم من دون ترامب سيكون بلا شك مختلفاً بشكل او بآخر  ليس بسبب وجود بايدن في البيت الابيض، لكن لخروج ترامب منه بهذه الصورة المفاجئة والمثيرة وللارتدادات الزلزالية المتوقعة، ولأنه سقط في منتصف طريقه داخليا وخارجيا وشرقاً اوسطياً، وقبل أن يكمل قصته مع التنين الصيني والنووي الايراني وقطار التطبيع الذي مر بالسمران والسودان وبقايا فصول قصصه التي تركت نهاياتها سائبة.
ولاغرابة في هذا المشهد الدراماتيكي الأكثر إثارة فنحن في العام 2020 الخارج عن كل المقاييس والمختلف عن كل الأعوام، عام جائحة "كورونا" التي استخف بها ترامب وتجاهلها كما تجاهل بيلوسي، فكانت كورونا سلاحاً فعالاً بيد خصمه جو بايدن وكانت بيلوسي ايضا خصماً عنيداً لرئيس اكثر عناداً لا يبالي بأحد ويخاصم حتى وسائل الإعلام فسارعت هي الأخرى بإعلان خسارته قبل أوان الإعلان الرسمي، وللمرة الأولى نسمع برئيس اميركي يرفض تسليم السلطة والاعتراف بالخسارة ويتحدث عن تزوير للانتخابات وتحريض للمؤيدين ولعب بالصناديق وحرق للاوراق وتصويت للموتى وعن مسلحين في شوارع الولايات الاميركية وانقسام شعبي حاد واحتقان وطني بالالوان الحمر والزرق والسود وإعلام ترويجي وتسقيطي وشماتة ديمقراطية.. كما في ولايتنا الديمقراطية المتأرجحة.