رحيل روبرت فيسك.. «أشهر مراسلي بريطانيا»

بانوراما 2020/11/08
...

  ترجمة: ليندا أدور
كان الصحفي الأكثر شهرة في عصره، عرف بشجاعته بالتقصي وقدرته على التشكيك في الروايات الرسمية التي تصدر عن الحكومات، وكان ينشر ما ينجح في كشف النقاب عنه بنثر بارع، إنه روبرت فيسك؛ المراسل المخضرم لصحيفة الاندبندنت البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، والذي رحل مؤخراً، في أحد مستشفيات العاصمة الايرلندية؛ دبلن، عن عمر 74 عاماً بعد إصابته بسكتة دماغية. 
وصفته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذات مرة بأنه: «ربما المراسل الأجنبي الأشهر في بريطانيا»، انضم فيسك الى «الاندبندنت» في العام 1989، وسرعان ما أصبح من أكثر كتّابها شهرة وبحثاً عن مقالاته، وواصل العمل فيها حتى وفاته، يقول كريستيان بروتون، المحرر في الصحيفة، عن فيسك بأنه: «كان شجاعا، وعنيدا، ومصمما على انجاز اعماله، وملتزما، الى أقصى حد، بالكشف عن الحقيقة والواقع مهما كان الثمن.. لقد كان أعظم صحفيي جيله».
تحدي الصحافة للسلطة
اتصف الكثير مما كتبه فيسك بأنه مثير للجدل، وهو ما يبدو إنه قد راق له، ففي العام 2003، بينما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تستعدان لاجتياح العراق، ذهب فيسك الى الأمم المتحدة في نيويورك، وشاهد، كولن باول، الذي كان وقتها يشغل منصب وزير الخارجية الأميركي، يقدم قضية حرب متواضعة وعادية، فكتب يقول: «كان هناك مشهد افتتاحي مروع للمسرحية، عندما وصل الجنرال باول الى مجلس الأمن، وقام بتقبيل الأعضاء المندوبين، وقد لف ذراعيه الكبيرتين حولهم». 
روبرت ويليام فيسك من مواليد تموز العام 1946 في ميدستون ضمن مقاطعة كنت البريطانية، وهو الطفل الوحيد لوالديه، شارك والده؛ ويليام فيسك، بالحرب العالمية الأولى، وحوكم لعصيانه الأمر باعدام جندي آخر،  درس فيسك الأدب الانكليزي بجامعة لانكستر وتخرج منها في العام 1968، حاملاً الجنسيتين البريطانية والايرلندية، وكان قد بدأ مشواره الصحفي كمراسل متدرب في صحيفة «إيفينينغ كرونيكل» وجورنال في نيوكاسل خلال العام 1964، ومن ثم انتقل الى صحيفة صنداي اكسبرس، انتقل بعدها للعمل في صحيفة التايمز البريطانية، اذ عمل مراسلاً لها في ايرلندا الشمالية والبرتغال والشرق الأوسط،  كما عمل مراسلا لها في بلفاست (عاصمة ايرلندا الشمالية) بين العامين 1972 و1975، ثم مراسلها لمنطقة الشرق الأوسط حتى العام 1988، قبل أن ينتقل الى صحيفة الاندبندنت بالمنصب ذاته،  نال فيسك درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية ترينيتي بدبلن سنة 1983. 
واصفا نفسه بأنه من دعاة السلام، يقول فيسك إنه لم يسبق له التصويت مطلقا، مشيرا الى أن على الصحافة أن «تتحدى السلطة، وبشكل خاص، عندما تتجه بنا الحكومات والسياسيون نحو الحرب».
أضرار جانبيَّة
نال روبرت فيسك العديد من الجوائز بمجال الصحافة ولديه العديد من المؤلفات، أبرزها: «الشفقة على الأمة: لبنان في حالة حرب»، و»الحرب العظمى من أجل الحضارة: غزو الشرق الأوسط»، على مدى عقود، أقام فيسك، في شقة مطلة على الكورنيش الشهير للعاصمة اللبنانية بيروت، حيث عاش وعمل هناك خلال الفترة التي كانت الحرب الأهلية فيها تمزق البلاد، ووقع العديد من الصحفيين ضحايا لحوادث خطف. 
غطى فيسك، من بين أحداث أخرى، الغزو الروسي لافغانستان، والثورة الإيرانية، والحرب الايرانية-العراقية، واجتياح العراق ربيع العام 2003، ولطالما أبدى انتقاده المستمر للتدخل الأميركي في المنطقة والحروب التي قادتها الولايات المتحدة في كل من افغانستان والعراق.
التقى فيسك أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، ثلاث مرات، الأولى كانت خلال العام 1993، حين وصفه بقوله: «رجل خجول، ويبدو تماما كمحارب الجبل لأسطورة المجاهدين». بعد هجمات الحادي عشر من أيلول والغزو الأميركي للعراق، سافر فيسك الى الحدود الباكستانية- الأفغانية، وهناك تعرض لهجوم من قبل مجموعة من اللاجئين الأفغان الغاضبين بسبب القتل الذي يتعرض له مواطنيهم على يد القوات الغربية، اذ سرعان ما نجح بتحويل الحدث الى تقرير تصدر الصفحة الأولى، داعماً إياه بصورة وقد بدت آثار الضرب واضحة على وجهه، كتب قائلا: «أدركت بأن جميع الرجال والصبية الأفغان الذين هاجموني، الذين لم يتوجب عليهم فعل ذلك، لكن وحشيتهم كانت بالكامل نتاج آخرين.. نتاجنا نحن الذين سلحنا صراعهم ضد الروس وتجاهلنا ألمهم وسخرنا من حربهم الأهلية»، مضيفا: «ثم قمنا بتسليحهم ودفعهم، ثانية، باتجاه «الحرب من أجل الحضارة»، وعلى مبعدة أميال فقط، كان القصف يدمر منازلهم ويمزق اسرهم، وهو ما وصفوه حينها على إنه «أضرار جانبية».
 
*عن صحيفتي الاندبندنت
 وذا صن البريطانيتين