عندما تسلط السينما الضوء على نساء منسيات

بانوراما 2020/11/10
...

 لندن: بي بي سي
يسلط فيلم جديد الضوء أخيرا على شخصية جاسوسة ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن الأنظار. ويشكل هذا الفيلم، كما تقول كارين جيمس، واحداً من بين مجموعة من الأعمال السينمائية التي أنتجت مؤخراً، وتناولت شخصيات نسائية حقيقية ودورها في مقاومة النظم الاستبدادية أو المؤسسات التي أهدرت حقوق العاملين فيها.
كانت الأميركية فيرجينيا هول تعمل لحساب الاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، رغم أنها كانت قد فقدت إحدى ساقيْها في حادث صيد وقع قبل ذلك بسنوات. وخلال فترة الحرب، أصبحت فيرجينيا، التي أطلقت على ساقها الاصطناعية اسم "كَثْبرت"، أول عميلة ميدانية تُرسل إلى فرنسا، قبل احتلالها من جانب النازي وأثناء فترة الاحتلال أيضا. وقد أقامت هناك شبكات تجسس ومنازل آمنة، وكانت العقل المدبر لعملية تهريب أحد السجناء، ولتفجير خط إمدادات للقوات النازية كذلك.
ورغم أن النازيين أطلقوا عليها ساخرين اسم "السيدة العرجاء"، فإنهم كانوا يرهبونها، إلى حد أن كلاوس باربي، وهو من بين أكثر قادتهم وحشية، أمر بإطلاق عملية بحث عاجلة عنها، واصفا إياها بأنها من بين أكثر الجواسيس العاملين لصالح الحلفاء خطورة. لكنها لم تسقط في يد النازيين قط، وهربت من فرنسا كلها، بعد رحلة شاقة سارت فيها لنحو 56 كيلومتراً عبر جبال البرانس التي تكسوها الثلوج، وهي تئن من الآلام المستمرة التي سببتها لها ساقها الصناعية.
وقد جُسِدّت كل هذه الأحداث - بأسلوب درامي بالطبع - في فيلم "آيه كول تو سباي" (دعوة للتجسس)، وهو عمل سينمائي جديد يندرج ضمن مجموعة من الأفلام التي أُنْتِجَت في الآونة الأخيرة، ونفضت الغبار عن تفاصيل حياة شخصيات نسائية، لم يلقين التقدير الملائم لهن في التاريخ.
وقد أخرجت "دعوة للتجسس" ليديا دين بليتشر، التي شاركت أيضا في إخراج فيلم "ريديم غيرلز" (فتيات الراديوم)، وهو عمل درامي آخر، يستند في قصته إلى أحداث حقيقية، ويدور حول شقيقتين تعيشان في ولاية نيوجيرزي في عشرينيات القرن الماضي، وتقاضيان مصنعا أصيب العاملون فيه بالتسمم، بسبب استخدام مادة الراديوم.
وهكذا ففي وقت تثير فيه حركة "أنا أيضا"، التي تُعنى برفض واستنكار أي اعتداءات جنسية على النساء، اهتماما متجددا بحقوق النسوة واستقلاليتهن، تتفاعل قصص السيدات اللواتي ظهرن في هذه الأفلام مع واقعنا في الوقت الحاضر، عبر المعارك المتواصلة التي خُضْنها مع المؤسسات التي كانت قائمة في الحقب التي عشن فيها، ومارست آنذاك التمييز ضد المرأة. لكن للحق، ليس هناك من بين هؤلاء النسوة، من عاشت حياة أكثر إثارة في أحداثها، مما فعلت فيرجينيا هول.
وتجسّد سارة ميغان توماس في الفيلم دور فيرجينيا، كما كتبت سيناريو العمل الذي يتطرق أيضا إلى حياة شخصيتيْن أخرييْن، لعبتا كذلك دورا خلال الحرب العالمية
الثانية. أولاهما فيرا أتكينز، السيدة رومانية المولد، التي كانت جزءا مما عُرِفَ بـ "منظمة تنفيذ العمليات الخاصة"، التي كان يُطْلِقَ عليها كذلك اسم "جيش تشرشل السري". وقد تولت فيرا (التي تجسّد شخصيتها الممثلة ستانا كاتيك) تجنيد النساء للعمل كعميلات للاستخبارات، في وقت كان ذلك فيه أمراً غير مألوف 
بشدة.
أما الشخصية النسائية الثانية، فكانت سيدة إنجليزية - هندية من بين من جندتهن فيرا، وتُدعى نور النساء عنايت خان (أدت دورها الممثلة راديكا آبتي). وقد أُرْسِلَت نور إلى فرنسا لتصبح عاملة لاسلكي، وهي أخطر المهام التي كانت تُسند للعملاء في ذلك الوقت.
ورغم تعدد الشخصيات التي يتناولها الفيلم، فإن قصة حياة فرجينيا تشكل محور أحداثه، بداية بالكفاح الذي خاضته لتصبح عميلة استخباراتية رغم إعاقتها الجسدية وكونها امرأة كذلك. المفارقة أن هذين الأمريْن تحديدا شكلا "الغطاء المثالي" لها، كما قالت شخصية فيرا في العمل، عندما كانت تتحدث عن ضرورة توجه فيرجينيا إلى ليون، تحت ستار العمل كصحفية. وقالت في هذا الصدد: "لن يشك أحد في أن مراسلة أمريكية جميلة تعاني من العرج؛ مذنبة في أي 
شيء".
على أي حال، لا يُدخل الفيلم تغييرات جوهرية على الطابع الذي تصطبغ به عادة أفلام الجاسوسية، لكنه يستفيد من سمات هذا النوع من الأعمال لخلق أجواء من التشويق والترقب لمواجهات تبدو دانية في كل مرة يقترب النازيون من بطلاته. وبحسب الأحداث، تصل فيرجينيا إلى فرنسا، وتشرع على الفور في ترتيب رحلة ليلية خطيرة، يُعاد بها عميل بريطاني جريح إلى لندن. بعد ذلك، نرى هذه السيدة وهي تستجمع شجاعتها على نحو هائل، وتسير واثقة وهادئة، في وقت يطلق فيه النازيون النار على أحد أعضاء خليتها، على قارعة الطريق.
ويركز "دعوة للتجسس" على السنوات التي حققت خلالها فيرجينيا أبرز إنجازاتها، وذلك سيرا على درب غالبية الأعمال السينمائية، التي تُسلّط الضوء على بعض الشخصيات النسائية البارزة، وما مرت به في حياتها. ففي مقابلتها الأولى مع فيرا، تروي فيرجينيا ببساطة ما مرت به في سنواتها السابقة، مثل محاولاتها للعمل لحساب الاستخبارات الأميركية، وفشلها في ذلك، بسبب استعانتها بساق صناعية، وهو ما حدا بها للتوجه إلى فرنسا، للعمل سائقة لسيارة إسعاف في زمن الحرب، قبل أن تعمل في مقر السفارة الأميركية في لندن.