بغداد في صورتين!

الصفحة الاخيرة 2020/11/11
...

زيد الحلي 
انقضت مدة طويلة، لم ار فيها بغداد من الجو ليلاً، فقد شاءت الظروف أن يكون سفري وعودتي نهاراً في السنوات الاخيرة المنصرمة، لكن مؤخراً سنحت الفرصة لي بأن يكون موعد رحلة عودة الطائرة ليلاً، فشاهدتُ بغداد في حلة عجيبة من الالق، فالليل هو قلب وروح ودمعة، فحين دخلت الطائرة  اجواء بغداد حتى بانت لآلئ لا يمكن وصفها ... عناقيد من الضياء تسلب الوجدان في جمالها .. سجادة من صنع الرب الكريم... عاصمة ولا كل العواصم... ما اعظمك من عاصمة رغم كل الجراح !   
عواصم العالم كالأفراد، لكل عاصمة شخصيتها المميزة، وبغداد تبدو من الجو عروساً، خرجت للتو بكامل زينتها في زفافها ... أي من كلمات الوصف الجميل تضيع وانت تسبح في عالم بغداد من الجو في الليل، اعرف ان عاصمتي لن تحتاج الى شهادتي، فهي مدينة لكل الأذواق والأعمار ولمحبي التاريخ والطبيعة، هي مثل الشخص المتجدد الذي يدهشك في كل مرة تقابله فيها، لكني اتحدث عن قطعة من الجنان خصها الباري عز وجل بكل صور الجمال، انها تبدو من الجو قوس قزح، منبسطة، تتدلى منها نواميس الألق والانبهار، وهي من الجو تشعرك بأنك فوق سحاب أكثر المدن جمالاً في العالم نظراً لما تتمتع به ابنيتها وخارطتها الطبيعية ودجلة الخير الذي ينساب من بين تربتها، من سحر فريد يجبرك على الشعور بأنك تعيش لحظات من اجواء قصص الف ليلة وليلة .
هذه بغداد من الجو ليلا، لكن ما أن تطأ قدماك ارض المطار وتنتهي من اجراءاته المعروفة، وتغادر باتجاه مركز العاصمة  حتى يتعكر المزاج، وتتساءل: هل هذه هي بغداد التي كنت تراها من الجو؟. قطعاً ستقول: لا !
ان الظروف العصيبة التي مرت على الوطن اخذت من بغداد الشيء الكثير من كينونة ومشاعر ونفسية المواطن، لكني اجد ان على امانة بغداد والدوائر الخدمية الاخرى البحث عن مجالات إبداع ذات مديات شمولية أوسع.. وعطاء ثر لا يعرف الحدود.. فمثلما لا يعرف العافية إلا من فقدها، فان قيمة العواصم لا يعرفها إلا من زار ارضها، فلا يكفي أن تكون بغداد جميلة من الجو، فهل وصلت رسالتي؟