صنّاجة العرب

ثقافة 2019/01/16
...

حسين الصدر
أعشى قيس
 
- 1 - 
 
معنى الأعشى لغةً : الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار .
وأعشى قيس هو : ميمون بن قيس
وكنيتُه : أبو بصير
وذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف سبعة عشر شاعراً، كلٌّ منهم 
كان أعشى.
 
- 2 -
 
كان أبوه يُدعى (قتيل الجوع): وذلك أنه كان في جبل فدخل غاراً، فوقعت صخرةٌ من الجبل فسدّت فم الغار فمات 
جوعاً .
كان الأعشى من فحول الشعراء في الجاهلية ومن أكثرهم شعراً
سئل ابن ابي حفصة :
 
من أشعر العرب؟
قال :شيخا وائل: الأعشى في الجاهلية، والأخطل في الاسلام "
وسئل يونس النحوي :
مَنْ أشعر الناس ؟
قال: لا أومئ الى رجل بعينه، ولكنّي أقول: امرؤ القيس اذا ركب، 
والنابغة اذا رهب، وزهير اذا رغب، والأعشى اذا طرب".    
خزانة الأدب للبغدادي 
ج1/175
وقال المفضل : من زعم أنّ أحداً أشعر من الأعشى فليس يعرف
 الشعر .
وكانوا يسمونه صنّاجة العرب لجودة شعره .
وكان أبو عمرو بن العلاء يفخّم منه ويعظم محله ويقول: شاعر مجيد، كثير الأعاريض والافتنان .
واذا سئل عنه وعن لبيد قال: لبيد رجل صالح، والأعشى رجل شاعر .
 
- 3 -
 
ومن المفيد أن ننقل هنا ما قاله ابن قتيبة عنه في طبقات الشعراء، 
قال:
" وكان الأعشى جاهلياً قديماً، وأدرك الاسلام في آخر عُمرِه، ورحل الى النبي (ص) في صلح الحديبية، فسأله ابو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يُريد فقال: أردت محمداً
قال: إنّه يُحرّم عليك الخمر، والزنى، والقمار،
قال: اما الزنى فقد تركني ولم أتركه، وأما الخمر فقد قضيتُ منها وطرا، وأما القمار فلعلّي أُصيب منه 
عوضا.
قال: فهل لك الى خيرٍ 
من هذا ؟
قال : وما هو ؟
قال :بيْننا وبينه هدنة، فترجع عامك هذا، وتأخذ مئة ناقة حمراء، فإنْ ظفر بعد ذلك أتيْتَهُ، وإنْ ظفرنا كنتَ قد أصبتَ من رحلتك عوضا.
 فقال: لا أبالي، فأخذه أبو سفيان الى منزله، وجمع عليه أصحابه وقال :يا معشر قريش هذا أعشى قيس، ولئن وصل الى محمد ليُضَربّنَّ عليكم العرب قاطبةً، فجمعوا له مئة ناقة حمراء، فانصرفَ فلما صار بناحية اليمامة ألقاهُ بعيرُهُ
 فَقَتَلَهُ "
والملاحظ هنا: 
 
1 –  شدة حرص المشركين على صدّ الأعشى – وهو شاعر كبير شهير- عن الوصول الى الرسول (ص)، ذلك انهم يخافون اعتناقه للاسلام ومن ثم الانطلاق للتبشير به والدعوة
 اليه. وورثتُهم اليوم – اي ورثة المشركين – يحاولون وبكل الوسائل ان يصدوا الناس لا عن اعتناق المبادئ الحقة فحسب بل عن الانفاق في مجالات البر الاجتماعي والخدمة
 الانسانية "
انهم جميعا جنود الشيطان الذي لا يُحسن الاّ فنّ المكر والصدّ عن
 سبيل الله ..!!
 
2 –  إنّ الطمع مرض فظيع يُزيّن لصاحبه القبول بأعراضٍ زائلة ويُثنيه عن الوصول الى المراتب العالية، والمناقب
 السامية .
فلو أنّ الاعشى رفض العروض المغرية التي قدّمها له أبو سفيان لفاز بنعيم الجنة والخلود
 الدائم ...
 
3 –إنّ (الاعشى) لم يُمتعْ بما أخذه من عطايا المشركين، فقد ألقاه بعيرُه على الارض وسقط ميتاً في الطريق فخسر الدنيا والآخرة. 
وهكذا هم اللاهثون وراء السراب، ووراء الأطماع ...
وهكذا تتجلى أهمية المضيّ نحو ضفاف الهدى ومرافئ الحقّ وإكمال الشوط حتى النهاية لانجاز المهمات الخطيرة دون اعتناء بكل الاغراءات وفي ذلك الفوز المبين في الدنيا
 والآخرة.