طارق ياسين.. وضوح أول

ثقافة شعبية 2020/11/14
...

 ريسان الخزعلي
"وضوح أول" ديوان الشاعر الراحل طارق ياسين، يمتلك جماليات فنية خاصّة بتجربته الحياتية والابداعية، وهو من المجددين الاوائل بعد التجربة النوابية، التي لفحتهُ برياحها في البدايات، لكنه سرعان ما امتلك خصوصيته المغايرة مضفيا ملامح تجديدية: الابتعاد عن الفورة الرومانسية والانشغال بما هو فكري وفلسفي حيث ثقافته العالية، اسقاط الهم الوجودي في تشكيلات قصائده، الاكثار من نثر الشعر بتوازيات مع الايقاع الآتي من موسيقى الشعر العروضية، الالتفات الى التحولات الجديدة في الشعر العربي والعالمي، الميل الى المعنى الصادم في توليد قصائد قصيرة، تطويع النكتة في صياغات شعرية غير مسبوقة، الاشتغالات الحسيّة/ النفسيّة، هموم يوميات المدينة، التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وانعكاساتها، الحلم والثورة والمستقبل، الكشف عن سريّة التعب والملل والضِيق، معنى الحُب والمعنى القصي في الحُب والصداقات الذاهبة الى الفراق القسري، الضجر من ايقاعات حياة بلا حياة، الانحياز لبطولات يتمناها بعيداً عن سلطة الايديولوجيات، التفاعل مع نصوص الآخر، الاسئلة الوجودية الملتبسة، الغنائية الغائمة، البُعد الآخر في اسباب الوجود والاندحار، هذه هي معظم ملامح التجربة الشعرية في قصائد "وضوح أول": كَتلك هاك.. هاك الإبرَه.. هاك الخيط شد جرحك.. إوما مدّيتلك ايدي إوكَمت اضحك
إو شفت الحيره بعيونك سؤال.. اكبر إمن الإبره والخيط إو عقلك إو نصحَك.. والسكته عذاب إوياك.. وأَخذت ايدي الأخرى وسكتت ويّاك.. إو من بين الدمع كَتلك: لاتحتار بالمرّه.. أنَه جرحي ابضميري ما تلوحه إبره.. ولا يندل عذابه الخيط من برَّه".
طارق ياسين شاعر مدينة ومفردات مدينة واشتغالات فكرية وفلسفية ومعرفية، هكذا كان في وضوحه الأول، الوضوح الذي تطامن بـ "حلب بن غريبة" مثالاً، وهي قصيدة طويلة تكاد تكون اطول قصيدة في الشعر الشعبي العراقي الحديث، مستقاة من قصة لفهد الاسدي من مجموعة "طيور السماء": حلب يا بن غريبه.. ياغريب الكَلب.. يامصلوب فوكَ اثبات كل ردّه.. حلب يلّي سوادك سفن زنجيّه.. ركَّص بيها الخليج إو مانكَص مدَّه.. واخذ من كل جرف مركب.. تجاره إوكَاع المحمره.. حنين امّك لجه ابدمك خبز فقره ولبن فقره.. أبيض مثل كل ثوره واسود مثل كل ردَّه".