عمليات الابتزاز الالكتروني من غياب الدليل الرقمي الى انعدام المكافحة

ريبورتاج 2020/11/16
...

  احمد الفرطوسي
 
أخذ موضوع الجرائم الالكترونية يمثل مشكلة اجتماعية وأمنية خطيرة، وتزايدت هذه الخطورة في ظل التطور الالكتروني الكبير في أجهزة وبرامج وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات واتساع الطلب عليها.

إذ أصبحت هذه الجرائم منتشرة بشكل كبير ومشخّصة من قبل العديد من المتخصصين في مجال القانون الجنائي والاجتماعي والتربوي، وتحولت هذه الممارسات إلى ظاهرة خطيرة بالإساءة والتعدي على حقوق الآخرين، وأبرز هذه الممارسات هو الابتزاز الالكتروني والتسقيط لتحقيق أهداف غير مشروعة، ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة كان لـ"الصباح"هذا التحقيق.
 
التحصين الأمني
وقال التدريسي في جامعة المثنى - كلية الطب صادق سعد الاعرجي في حديثٍ لـ(الصباح):"أسهم التقدم في مجال التكنولوجيا، والزيادة المضطردة في عدد مستخدميها، فضلاً عن الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي بظهور نوع جديد من الإجرام، وهو الابتزاز الالكتروني"، مضيفاً" وهو الأمر الذي يدعو إلى التحصين الأمني لمثل هذا النوع من الجرائم، وعلى هذا الأساس يمكن تعريف جريمة الابتزاز الإلكتروني من وجهة نظر أكاديمية بأنها (المخالفات التي ترتكب ضد الأفراد أو الجماعات بدافع الجريمة، وبقصد إيذاء سمعة الضحية بأذى مادي وعقلي مباشر أو غير مباشر باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي)".
ولفت الاعرجي إلى" أن من أهم الأمور التي يمكن من خلالها تحجيم الابتزاز،  هو ضرورة تشجيع من يتعرض للابتزاز على إعلام الجهات الأمنية بذلك لتحقيق عنصر الردع 
للآخرين".
 
التشهير والتسقيط
بينما اوضح النقيب محمد رائد الخفاجي ( قسم اعلام قيادة شرطة المثنى) ، لـ {الصباح}:"إن الانفتاح الكبير الذي يشهده العراق، أنتج بعض الممارسات السلبية، ومنها ظاهرة الابتزاز الالكتروني بأشكاله المختلفة".
مشيراً إلى" أن من هذه الأشكال إنك جالس في بيتك ويهاجمك شخص افتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبدون وجه حق، وهدفه أما التشهير أو التسقيط أو الإساءة للشخصيات العامة، أو ابتزاز 
الفتيات".
وأوضح" أن هذه الممارسات بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة، وتهدد أمن وسلامة المجتمع، ونحن في قيادة شرطة المحافظة، ناقشنا الموضوع مع الجهات الأمنية ذات العلاقة وهي جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز الأمن الوطني، وأعتقد أن قانون الجرائم الالكترونية الذي أقره البرلمان كفيل بمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها نهائيا".
مبيناً" أن هذه الممارسات لا يمكن حصرها في إطار التشهير والتسقيط والابتزاز، بل تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك، وتمّ استخدامها من قبل عصابات داعش الإرهابية في عمليات تجنيد أفراد لها، ولكن في المقابل استطاعت القوات الأمنية العراقية امتلاك خبرة كبيرة في التعامل مع الإرهاب الالكتروني".
ولفت إلى" أن هذه الخبرة اكتسبتها بعد تحرير المناطق التي خضعت لسيطرة داعش، أما محافظة المثنى، فإنها مستقرة اجتماعياً ويعود الفضل في ذلك إلى حالة التماسك والتضامن المجتمعي، ولكن تم تشخيص بعض الحالات التي تدخل في مجال التسقيط والتي استهدفت بعض الموظفين في المحافظة، وقد أخذت مجراها القانوني من قبل الجهات المختصة".
 
سلاح ذو حدين
ويرى الناشط المدني والحقوقي سعيد آل مشعان "أن الاختراعات الحديثة التي دخلت جميع مناحي الحياة الاجتماعية، قد حققت فائدة كبيرة للإنسان في عملية الاتصال الاجتماعي، ولكن في الوقت نفسه هذه الوسائل هي سلاح ذو حدين، فلو وقعت بيد أناس أشرار يكون الاستخدام سيئاً ويلحق ضرراً كبيراً بالمجتمع عن طريق التشهير والتسقيط أو عملية تجنيد الجماعات الإرهابية".
منوهاً  بأنه" انتشرت قضايا مهمة جداً وخطيرة في الآونة الأخيرة، تتمثل في استدراج الفتيات لتحقيق أهداف معينة، وهذه الحالة تحدث بين الشباب والشابات، وهذه الممارسات جميعها قد عالجتها المادة(432) من قانون العقوبات العراقي".
 وبين آل مشعان في حديثٍ لـ{الصباح}:" تمّ تشخيص قصور معين في هذا القانون في معالجة هذا النوع من القضايا، إلاّ أن المشرِّع العراقي قد بدأ ينتبه إلى هذه القضايا باهتمام وجدية، إذ تمّ تكييف قسم من هذه القضايا بعنوان التزوير، خاصة عندما يقوم شخص بوضع صورة شخص آخر من دون علمه، ويتحدث باسمه، وهي عملية انتحال شخصية وتترتب عليها أمور خطيرة تضر بسمعة صاحب الصورة". مؤكداً" أعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد تشريع المزيد من القوانين من قبل المشرِّع العراقي، لمعالجة هذه القضايا بأشكالها المختلفة، ونحن مع إصدار هذه القوانين، ولكن نخشى أن تستغل هذه الحوادث لإصدار قوانين تستخدم في أمور سياسية، ومن ثم تُكمَّم الأفواه وتُصادر حقوق الأفراد السياسية، تحت عنوان إصدار قوانين لمكافحة الجرائم الالكترونية، ما يعطي السلطات الحق في تكميم
الأفواه".
 
الأعراف والتقاليد
وشدّد" أنَّ على المشرِّع العراقي التمييز بين الجرائم الإلكترونية، وبين حرية الرأي والتعبير والآراء السياسية للأفراد في القضايا العامة، أما في الواقع فإن الكثير ممن يتعرضون لجرائم الابتزاز الإلكتروني، لا يقومون بحلها وفق القانون، وإنما بحلها وفق الأعراف والتقاليد خوفاً من الفضائح، كما يعتقدون، أو التشهير بسمعتهم، وهذا فعل خاطئ جداً  يعطي الآخرين الفرصة لتكرار العمل ثانية بحق أناس آخرين، أما لو تعاملوا مع حالات الابتزاز عن طريق القانون، وقاموا بالإبلاغ عنها لساعدوا في القضاء عليها بمرور الزمن، لأن تطبيق القانون يخلق رادعاً عند الآخرين".
وفي السياق ذاته، قال أمين مكتبة الإمام الحسين في السماوة، ظفار محمد يحيى:"إن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها العراق بالدرجة الأساس، هي دخول العالم الإلكتروني بشكل مفاجئ، وهذا  كان غير مدروس"، مضيفاً" المراقب للمشهد العراقي يجد أن الوضع الحالي لا يخلو من نظرية المؤامرة،  ففي كل الدول المتقدمة نجد أن التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وكل ما يتعرض له المجتمع، تتمتع بحالة من التقنين، أما في العراق فنجد أن كل شيءٍ في عالم التكنولوجيا موجود ومباحٌ للجميع من الصغار، والكبار، والمتعلمين وغير المتعلمين، إضافة إلى أن أغلب مستخدمي وسائل التواصل يجهلون  الآثار المترتبة على استعمالها
السيئ".
 
دور الأهل
وزاد أيضاً "إن المستخدمين من كلا الجنسين أقرب إلى مرحلة المراهقة، وعدم النضج خاصة من الشباب في نواحٍ عديدة من الحياة، فيجب هنا أن تكون الرقابة قوية من الأهل وعدم التعامل بعقلية عدم الاحتواء، فيجب فهم شخصياتهم من قبل الآباء والأمهات، واستيعاب جميع التصرفات، وعلى الجهات الحكومية تقنين عملية اقتناء الأجهزة الذكية، وهذا كله يصب في فائدة المواطن من أي 
خطر".
وشدّد طالب العلوم الدينية، الشيخ علي الخاقاني،  في حديثه لـ {الصباح}على:"وجوب توعية جميع الناس بشأن الجرائم الإلكترونية التي ازدادت في الآونة الأخيرة".
مبيناً "أن عدة أمور يجب تفعيلها للحد من هذه الظاهرة، منها: التركيز على العنصر الأخلاقي  في الخطب والمحاضرات واحترام أسرار الآخرين واحترام أعراض الناس، كما يجب أن يعرف الجميع أن كل شخص يعتدي على أعراض الناس يهيئ الله  له شخصاً آخر  يعتدي 
عليه".
وختم بالقول:" من المهم جداً أن نهتم بالناشئة في المدارس الابتدائية والمتوسطة، وتفعيل دور الباحث الاجتماعي للتعرف على مشكلاتهم عن كثب، ومحاولة حلها، لكي نحصل على طالب خالٍ من العقد، وحتى في الجامعات، يجب الاهتمام بالطالب الجامعي ودعمه مادياً ومعنوياً، للحصول على مخرجات أكاديمية ناضجة ".
 
واقع افتراضي
قصة الشاب مراد مع صديقته الافتراضية هي إحدى عمليات الابتزاز الالكتروني التي مارستها العاشقة المزيفة، وهذا دليل آخر على أن المراهقين ومبتدئي استخدام الانترنت عرضة لحالات النصب والاحتيال التي يمارسها قراصنة الشبكة 
العنكبوتية.
وجه مراد يدل على براءة، قل نظيرها في هذا الزمن المخادع، فهو عاشق للشعر والمساجلات وكثير التواصل مع كروبات مختصة بالشباب والتعارف، حتى بدأت قصة إعجابه بـ (هـ - س) فتاة أحلامه الافتراضية، والتي بعثت له بطلب صداقة وسرعان ما حصلت استجابة من مراد، والحديث للشاب الجامعي "نتبادل يوميا عشرات الأبيات الشعرية ومقاطع لأغان عراقية وعربية، لكن بعد مرور أكثر من شهرين على تلك الصداقة، طلبت مني مبلغاً مقداره ثلاثة آلاف دولار مقابل حذف مقطع فيديو مسجل من قبلها اثناء احد اتصالاتنا!، وهنا بدأ منعطف علاقتنا الافتراضية، اذ اتضح إن الصفحة وهمية ويديرها شخص محترف، وتمت تسوية الموضوع من قبل احد أقاربي مقابل 500 دولار، قمت بعدها بإغلاق صفحتي نهائيا وفتح حساب جديد مع اخذ الحيطة والحذر من هكذا ممارسات لا تحمد عقباها 
ولله الحمد".