من المبارزات الشعريَّة الى اكتشاف المواهب

ريبورتاج 2020/11/17
...

عذراء جمعة
اندهشت عند دخولي ممرا ضيقا جدا!، وتساءلت في مخيلتي هل هذا مقهى الشعب؟، واذا بالمكان يتسع شيئا فشيئا الى باحة كبيرة مليئة بطاولات وكراسي لجلوس رواده من المثقفين والادباء والكتاب والصحفيين وطلبة الجامعات، هذا هو مكانه منذ تأسيسه قبل نصف قرن في العام 1950، وجرت عليه بعض التعديلات في جدرانه ودواخله،إلا أن مساحته بقيت كما هي، وجرت محاولات عدة لتهديمه،إلا أنها لم تنجح وجوبهت بمعارضة شديدة من محبيه.
يتوسط مقهى الشعب مدينة السليمانية بالقرب من مبنى السراي الحكومي سابقا،ويضاهي في مكانته التاريخية والاثرية والادبية مقهى الشابندر في بغداد،إذ لكل منهما روادهما ومحبوهما، وتملأ جدرانه بالكتب المتنوعة التي صُفّت على شكل مكتبة عامة والتي تبرع بها مؤلفوها الزائرين للمقهى، وغنية بأحدث الاصدارات ويستعيرها روادها وطلبة العلم، فضلا عن عدد كبير من الصور الفوتوغرافية التي ازدانت بها لأبرز الرؤساء والقادة الاكراد والشخصيات العامة، إذ كان المقهى ملتقى رجال السياسة ايضا يتم فيه التباحث بشأن القضايا السياسية في البلاد.
 
متنبي السليمانية
تتخلل أروقة المقهى بين الحين والآخر نشاطات أدبية وفنية من معارض للصور الفوتوغرافية والكتب ومهرجانات ومباريات شعرية وعروض مسرحية، واكتشفت العديد من المواهب فيه وبحسب لسان حال المقهى الصحفي والكاتب أمير حلبجي الذي يرتاد المقهى منذ 39 عاما، وله خصوصية عنده ويصفه بيته الثاني، اذ كل يوم عند رجوعه من الدوام يذهب اليه ويلتقي أصدقاءه من الشعراء والادباء والذي يعده بمثابة اتحاد الادباء، منوها بأن لديه الكثير من الاصدقاء المثقفين من بغداد الذين يأتون الى زيارة المقهى وتجري بينهم مبارزات شعرية وادبية من مقاهي الزهاوي والشابندر ومن شعراء مهرجان المربد السنوي، مؤكدا توجيه دعوات من شعراء السليمانية الى شعراء بغداد للتعارف اكثر ولتلاقح مواهبهم الشعرية والادبية.
ولفت حلبجي الى أنه "على الرغم من جائحة كورونا إلا أن المقهى لم يتأثر كثيرا،إذ بقي رواده يزورونه باستمرار وظلوا على نشاطاتهم من ممارسة الالعاب الشعبية المختلفة من "الشطرنج،الطاولي، والدومينو"، ويزدحم الحضور فيه يوم الجمعة مثل شارع المتنبي في العاصمة".
مبيّنا أنه "كانت لدينا وما زالت مطالبات كثيرة لتوسعة المكان نظرا لاتساع رواده، ويحتاج الكثير من التأهيل واضافة الخدمات له وبعض الابنية،إلا أن وزارة الثقافة لم تصغِ لمطالبنا ولم تجرِ اية تعديلات على المبنى".
منوها بأن "رواده من اجيال مختلفة،إذ نشاهد الآن فئة الشباب يأتون اليه سواء كانوا مهتمين بالادب والثقافة والفنون، فضلا عن ان الكثيرمنهم يأتون لشرب الشاي والجلوس في المقهى والتقاط الصور الفوتوغرافية ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي".
 
المؤسس
وأشار حلبجي الى ان "شريف الجايجي هو من أسس المقهى، ومن بعد وفاته في ثمانينيات القرن الماضي توارثه اولاده وهم الى الان فيه".
مضيفا "ان عددا من المجانين يأتون الى المقهى ويسمح لهم بالدخول والجلوس فيه، ويوجد دفتر خاص في المقهى يعد بمثابة أرشيف له لابرز الشخصيات التي زارته وكتبت شيئا للذكرى وأمضت في أسفل
 الورقة".
 
معدن الصديق الحقيقي
ولادته في محافظة السليمانية،إلا أنه سكن في بغداد لارتباط عمله هناك وطول اقامته في العاصمة، يزور شهريا محافظته الاصلية ليحل ضيفا على مقهى الشعب الذي تمكن من صقل شخصيته وعلمه دروسا كثيرة في الحياة، ومكنه من معرفة معدن الصديق الحقيقي الذي وصفه بأن يوجد صديق "صينية" متقلب مع الوضع، او "رفيق درب" يبقى مساندا ومحبا لك رغم ما تمر به من ظروف قاسية او مفرحة، هكذا استهل رأيه المتقاعد حسين سعيد الجاف مواصلا كلامه:"بعد إحالتي على التقاعد منذ ثلاثة اعوام واقامتي في السليمانية، ازور المقهى بشكل يومي لمشاهدة الوجوه الطيبة فيه من مختلف فئات المجتمع، ونتبادل الحديث عن الحياة الاجتماعية والامور العامة، فضلا عن اقامتنا السفرات الترفيهية فيما بيننا نظرا لتآلفنا".
مغادرة الوحدة
إن ارتياده اليومي الى المقهى أزال عنه الشعور بالوحدة،بسبب اللقاءباصدقائه ومحبيه من حوله في هذا المكان، بهذه الكلمات استهل كلامه أستاذ الفيزياء نزار عباس حسين، والذي يأتي اليها منذ عشرين عاما وبشكل يومي، وحتى يوم الجمعة الذي يخرج فيه اغلب اهالي السليمانية مع أسرهم للتنزه في مزارعهم الخاصة والحدائق العامة والسفرات الى المصايف، منوها بأن "تبادل الحديث مع الاصدقاء الادباء والاطباء والمهندسين في أمور الحياة اليومية وحتى الصحية، إذ كل منهم يتحدث وفقا لاختصاصه جعلني مرتبطا نفسيا مع المقهى، اذ كان والدي يصطحبني معه منذ الصغر لهذا اعتدت المجيء اليها وبشكل يومي".
وأضاف حسين أن لدي بعض الاصدقاء من محافظتي اربيل وكركوك والبعض من ايران، تعرفت عليهم عند زياراتهم الى المقهى، وانا في تواصل دائم معهم على الرغم من بعد المسافات".
لافتا الى "أن جلوسي في المقهى والحديث مع الاصدقاء صقل شخصيتي وجعلني أكثر إدراكا وأوسع رؤية لأمور الحياة وفهما للاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد".
موضحا "أن بعض الأحيان عندما أكون مزاجيا أوعصبيا وأخطئ في بعض التصرفات، يتبادر الاصدقاء في المقهى الى تهدئتي ونصحي وأنا أعمل الشيء نفسه معهم وهذا هو الود والتعامل
 بالمثل".