السر وراء طول عمر سكان جزيرة أوكيناوا

بانوراما 2020/11/17
...

روب جوس
ترجمة: شيماء ميران
عند وصولك الى قرية أوغيمي الريفية الواقعة شمال جزيرة أوكيناوا الرئيسة تواجهك عبارات باللغة اليابانية محفورة على لافتة حجرية تعني: «انت مجرد شاب بعمر الثمانين، وإذا دعاك أسلافك الى الجنة وأنت بعمر التسعين فأطلب منهم الانتظار حتى تصل المئة، وبعدها قد تفكر بالأمر».
يُعد سكان أوكيناوا من اكثر الناس صحة وسعادة على مستوى العالم، وربما كانت الشبكات الاجتماعية القوية والتغذية الصحيحة، سببا في ذلك، فقد أظهرت آخر احصائية ان 15 شخصا على الاقل من سكان أوغيمي البالغ عددهم 3000 هم من المعمّرين، فضلا عن 171 آخرين بعمر التسعينيات. ولدى اليابان حاليا اكثر من سبعين ألف بعمر المئة، وهذا ملفت للنظر، وهو ما أثار انتباه المسافرين قبل تفشي (كوفيد- 19)، إذ يوضح (ماساتاكا نوزاتو) من مركز قرية أوغيمي أن البلدة البعيدة عن الطريق السياحي بدأت تشهد تزايدا طفيفا في نسبة زائريها الذين يثيرهم طول عمر سكانها.
تقع جزيرة أوكيناوا جنوب البر الياباني الرئيسي، وقد أطلق عليها «دان بوتنر» المؤلف والمستكشف في موقع ناشينال جيوغرافيك، إسم «المنطقة الزرقاء» ضمن خمسة مواقع في العالم، إذ يعيش الناس فيها حياة أطول وأسعد، وتماثلها جزيرة سردينيا الايطالية، ونيكوجا شرق كوستاريكا، وإيكاريا جنوب اليونان، ولوما ليندا غرب كاليفورنيا. ورغم تأجيل الكثيرين السفر الى أوكيناوا وأية منطقة زرقاء أخرى، لكن هذه المدن تعطي دروسا عن العيش والازدهار خلال الاوقات الصعبة كالجائحة.
قال بوتنر: «عانت ثقافة طول العمر في العالم من فترات صعبة التجاوز، فقد مر الناس بحروب ومجاعات وانواع من الضغوط ذاتها التي نواجهها اليوم، وهذا درس لنا جميعا». فماذا يمكن ان تخبرنا اوكيناوا؟ ولماذا لدى قرية أوغيمي وغيرها في الجزيرة تاريخ لطول العمر؟.
يبيّن «كريج ويلكوكس» الباحث الرئيس ان ذلك يعود الى ثلاثة عوامل رئيسة، هي النظام الغذائي، العادات الاجتماعية، الاصول الوراثية. وقد كتب ذلك في دراسة عن الاعمار المئوية في اوكيناوا، ضمن بحث ابتدأ  منذ سنة 1975 عن طول عمر سكان الجزيرة، ويعمل ويلوكس أستاذا للصحة العامة والشيخوخة في جامعة اوكيناوا الدولية، إذ يقول: «يرتبط ثلثا طول العمر تقريبا بالنظام الغذائي واسلوب الحياة، أما بقية الاسباب فهي وراثية. وعموما إذا أردت الوصول الى عمر المئة عام ستحتاج لصاروخ تعزيز جيني وليس فقط نظاما غذائيا جيدا، ونحن لم نبحث ما اذا كان لدى أوكيناوا ميزة وراثية عن باقي اليابان، لكن طول العمر أمر سائد بين أسرها».
 
الغذاء كدواء
بغض النظر عن الوراثة، فالنظام الغذائي يحدد بسهولة كيفية تمييز السكان المحليين. فإذا ذهبت لأحد مطاعم طوكيو المعتمدة لطراز أوكيناوا، آو مطعم آخر سياحي في أوكيناوا، فإن لائحة الطعام مليئة بلحم الخنزير والمشروبات الكحولية القوية، كما هي الحال لدى بقية مدن اليابان، ورغم ان نسبة الكحول في شراب (أواموري) تبلغ اربعين بالمئة، لكن هذا لا يمثل عادات الجزيرة. 
وفي ما يتعلق بالوقاية من أمراض السرطان والقلب والأوعية الدموية، يوضح ويلكوكس ان النظام الغذائي لأوكيناوا يعطيك اكثر من خمس وجبات يوميا من الفواكه والخضراوات، ويضم الاسماك المفيدة للقلب اكثر من اللحم. كما يلاحظ انه: «هناك عبارة في اوكيناوا تعني»اجعل الغذاء دواءك»، فالبطاطا الحلوة، والحنظل، والاطعمة الغنية بالكاروتين كالاعشاب البحرية، والخضراوات الورقية، والفواكه في النظام الغذائي هي اطعمة مُكافحة للشيخوخة لانها تقلل الالتهاب والإجهاد التأكسدي».
مضيفا: «ان النظام الغذائي القديم لاوكيناوا غزير غذائيا، لكن سعراته الحرارية قليلة فهو نظام مثالي»، فالبطاطا الحلوة كانت هي العنصر الاساسي البديل عن الرز الابيض في اوكيناوا حتى عقد الستينيات. واذا تم تحديد السعرات الحرارية للثدييات في المختبر فإنها ستعيش حياة أطول وأجمل. وأن نقص الحيوية المستمر يؤدي الى إسلوب الوقاية الذاتية، فتعتاد على تحويل نسبة أعلى من الطعام الى طاقة قابلة للاستخدام وافراز الإنزيمات التي تعزز طول العمر».
 
رعاية بعضهم بعض
الحياة على الجزر تختلف كثيرا عن بقية مدن اليابان، فالمناخ شبه استوائي والشتاء معتدل. ويعيش سكان اوكيناوا وسط جمال الجزيرة الخلاب، ويشتهرون بأسلوبهم اللطيف والهادئ والالتزام المريح بالمواعيد، حيث يطلق عليه تسمية «توقيت اوكيناوا».
المجتمع هنا منظم بحيث يحتفظ كبار السن بالهدف من حياتهم، فيُعطى للبعض في أوغيمي الحرفة المحلية وهي نسج منسوجات باشوفو، إذ تُكرّس مجموعات من النساء الاكبر سنا جُلّ وقتهنَّ في تنظيف ولف الخيوط، وهي ليست طريقة للحفاظ على النشاط المجمتعي فقط، بل توفر للنساجيّن وسيلة لزيادة مدخولاتهم والمساهمة في اقتصاد القرية. ويدير مركز منسوجات باشوفو رجل عمره 98 سنة وأسرته مليئة بالمعمّرين.
وهناك طريقة يؤكد بها المجتمع الدعم المتبادل عبر ما يسمى مجموعة (مواي)، وهي رابطة اجتماعية في اوكيناوا تجمع الاشخاص المتشاركين بالاهتمامات ذاتها، ما يسمح لهم بتنمية العلاقات بينهم، وينوه بوتنر بأنه عامل مهم لعيش حياة طويلة، فالوحدة ضارة مثل ضرر التدخين.
يقول «تاكاشي إينافوكو» رئيس أحد أحياء أوغيمي والمنتمي لمجموعتين من رابطة «مواي»، إحداها مع اصدقاء المدرسة، والاخرى مع زملاء عمل سابقين: «هناك اماكن نستطيع فيها تبادل المعلومات والتواصل مع الآخرين، واعتقد ان المشاركة في مواي وممارسة هواية مشتركة وتخفيف التوتر، يمكن ان يعزز طول العمر».
ويشير ويلكوكس الى ان الانتماء لعدة نوادٍ في رابطة مواي أمر شائع: «لدينا صديق مشترك في سبعة، والناس ملتزمون بروابط مواي المنتمين اليها، كما التقيت مجموعة نساء بعمر الثمانين في جزيرة بعيدة وقد ضمتهن رابطة «مواي» ذاتها منذ ان كن في الدراسة الابتدائية، وانا منتمٍ لأحدها، كما ان اهتمامنا المشترك هو تناول الطعام 
ببطء».
الدعم وتخفيف التوتر أمران مهمان خصوصا خلال أوقات الوباء، وبالرغم من أن عدد الإصابات في اوكيناوا حتى منتصف الشهر الماضي كانت 2740 إصابة، لكن العديد من المواي تأقلم مع الوضع من خلال التشديد على لبس الكمامات وتعقيم اليد، وتجنُب ما تسميه الحكومة بالمحاذير الثلاثة (المسافات المتقاربة، ضبط الاقتراب من الاخرين، والاماكن المزدحمة).
إضافة الى الاحتياطات تستمر بعض المواي على الانترنت وربما حتى عالميا، إذ ينتشر مصطلح مواي خارج اليابان ليشمل مبادرات مجتمعية، مثل مجاميع المشي في الاحياء، ولقاءات النادي الافتراضي، ما يساعد الناس على استمرار التواصل.
وقد تتضمن الرابطة أفكارا اخرى مثل دخول صف لتعلم لغة لغرض السفر مستقبلا، والانضمام الى صف للرقص على الانترنت. كما بدأ الانترنت بنصب مواقع مجانية لروابط مواي لمساعدة كبار السن المشتركين فيها للتواصل عبر الشبكة.