عملية اختطاف فاشلة أعادت صياغة الاتحاد السوفيتي

بانوراما 2020/11/17
...

ايرومو ايغبيجيول
ترجمة: بهاء سلمان
كانوا يحلمون بنجاح الخطة والوصول الى اسرائيل، تمثلت المشكلة بكونهم يعيشون في الاتحاد السوفيتي خلال ذروة الحرب الباردة، ولم يكن بمقدورهم الحصول على تأشيرة خروج، وشأنهم شأن الكثيرين جدا من اليهود السوفيت «المرفوضون» (Refuseniks باللغة الانكليزية – المترجم)، كان كل من ادوارد كوزنتسوف ومارك ديمشيتس عالقين في البلاد، ومن ثم ابتكرا خطة جريئة لم يتم تنفيذها على أرض الواقع مطلقا، لكنها غيّرت العالم مع ذلك.
كانت فكرة “عملية الزفاف” خلال شهر حزيران 1970 من بنات أفكار كوزنتسوف، المنشق الذي دخل السجن بسبب اصداره صحيفة مناهضة للاتحاد السوفيتي، وقائد الطائرات المقاتلة السابق ديمشيتس، بمعية 12 يهوديا يحملون التفكير ذاته واثنين من غير اليهود المتعاطفين معهم، وكانت السلطات السوفيتية قد رفضت طلبهم بالهجرة الى اسرائيل، لاعتبارات تتعلق بما حصل بين الدولة العبرية وحلفائها الغربيين نتيجة لاحتلالها بقية أراضي فلسطين في حرب حزيران 1967 التي أدت الى فتور العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وبناء على هذه المعطيات، قررت مجموعة “المرفوضين”، التي كانت احدى الخلايا السرية العديدة الساعية للحرية، القيام بختطاف طائرة.
 
محاولة جريئة
قام 16 شخصا بالحجز على إحدى الطائرات بذريعة حضورهم لزفاف في استوكهولم (عاصمة السويد). قضت الخطة بالسيطرة على الطائرة أثناء رحلة الطيران، ليتسلم ديمشيتس زمام القيادة بدلا من الطيارين، ويهبط بها في محطة ما على الطريق. كان عملاء المخابرات السوفيتية قد تلقوا تحذيرا مسبقا من المؤامرة، ورغم ذلك، كانوا ينتظرون اعتقال المجموعة يوم 15 حزيران في احدى مطارات مدينة لينينغراد، التي تغير اسمها حاليا الى سانت بطرسبورغ. تمت إدانة جميع المتورطين الستة عشر، وتلقى قادة الحلقة أحكاما بالاعدام؛ بيد أن ما بات يعرف «بمحاكمة لينينغراد الأولى» كانت قد جذبت انتباه الجميع وأشعلت غضبا متواصلا بين أوساط المهاجرين السوفيت والمجتمع الدولي، أدت في نهاية المطاف الى تخفيف أحكام عقوبة الاعدام.
كان اليهود الأميركان من بين أولئك الأفراد الذين خرجوا في الكثير من دول العالم بتظاهرات احتجاجية، محشدين باتجاه اخراج الآلاف من رفاقهم سوفيت الجنسية. وكثيرا ما أصيبت تطلعاتهم بخيبة الأمل، كما يقول موري شابيرا، المدير السابق لإحدى شركات التقنيات، والذي كان من الطلبة الناشطين وزعيم إحدى الحركات تلك في جامعة كيس ويسترن ريسيرف ضمن ولاية كليفلاند، مستذكرا: «كانت السنوات التي تبوأت فيها رئاسة المجموعة من أحلك الظروف، عندما كانوا يسمحون بهجرة ألف فرد فقط، وكنا نتشابك سوية ونطوّق أسيجة القنصليات والسفارات السوفيتية، وكان الحاخامات يتعرّضون للاعتقال». 
  
تأثير عالمي
ونتيجة لذلك، نجحت العملية بجلب الانتباه على الاساءات ضد حقوق الانسان عموما وسياسات الهجرة غريبة الأطوار في الاتحاد السوفيتي، وتفككت حقيقة دعاية الدولة السوفيتية وإدارتها الجيدة وشعارات التفوّق الأخلاقي والايديولوجي التي ترفعها. وكان هذا هو بيت القصيد من تلك الاحتجاجات. «كلنا تقريبا، كنا متيقنين بنسبة تصل الى 99 بالمئة أن محاولتنا لن تفلح وسيتم اعتقالنا،» هكذا صرّح كوزنتسوف لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية بعد اطلاق سراحه سنة 1979. وقد انتقل بعدها الى اسرائيل، وعمل هناك لاحقا محررا لدى صحيفة مشهورة تصدر باللغة 
الروسية.
أدى الضغط من أجل تحرير السجناء أيضا الى وضع أساس عمل لسياسات هجرة أكثر تساهلا، فقد كان بمقدور بضعة آلاف فقط مغادرة البلاد خلال عقد الستينيات، لكن مع حلول بداية السبعينيات، كان هناك اندفاع هائل لعدد اليهود السوفيت المهاجرين ليصل الرقم الى 150 ألفا.
في العام 2016، اشتركت كل من انات كوزنتسوف، ابنة ادوارد كوزنتسوف، وسيلفا زالمانسون، المرأة الوحيدة المتهمة بعملية اختطاف الطائرة، بإخراج فيلم أطلقتا عليه اسم «عملية الزفاف»، وهو فيلم وثائقي يدور حول الحادثة. تقول سيلفا ان الرسالة الأساسية للفيلم تتمثل بإظهار ما يمتلكه الأفراد من امكانات لإحداث تغيير في مسار التأريخ: «لدينا القدرة على التغيير، فنحن لسنا مجرد ترس يعمل ضمن 
المنظومة».
كانت الاصلاحات اللاحقة، مثل «البرويسترويكا»- إعادة البناء، و»الغلاسنوست»- الانفتاح، التي جرت خلال عهد ميخائيل غورباتشوف متأخرة للغاية بالنسبة للاتحاد السوفيتي، حيث كان البناء الهش قد بدأ مسبقا بالانهيار، ونتيجة لتأخر الاصلاح تفكك البلد الأكبر في العالم الى بلدان عديدة  أواخر العام 1991. وبذلك، كان «المرفوضون» قد خسروا 
معركتهم.