هل يعتمد نجاح الزواج على الاستقلاليَّة؟

ريبورتاج 2020/11/22
...

مآب عامر
 

 
بينما كانت وسن ناظم (28عاماً) تجلس في وسط صالة المنزل، وعيناها متسمرتان على التلفاز، أخبرتها عمتها (والدة زوجها صلاح) بألا توقظه من النوم.
فمن المقرر أن تقوم وسن بايقاظ زوجها من قيلولته ليصحبها إلى السوق، هكذا كان الاتفاق بينهما، لحظتها، ومن دون أن تلتفت وسن، أجابتها: "ولكني اتفقت معه"، فكان رد العمة، "لا شأن لك بما يتفق به معك، اسمعي كلامي". 
بعدها ساد الهدوء لأكثر من ساعتين قطعه صوت صلاح: "الوقت لم يعد مناسباً للتسوق،  لما لم تقومي بايقاظي؟".
ردت وسن بضيق، كما لو كانت تحاول الصراخ: "لم ترض والدتك على ايقاظك". فأومأ صلاح رأسه بالإيجاب، ونهض قائلا: "سأذهب للحلاق". 
كان هذا المشهد انموذجاً عن الإفراط في التدخل بحياة الزوجين وقراراتهما البسيطة، فقد فوتت العمة فرصة خروجهما معاً للسوق، كما تقول وسن، إن "هذا ما يحدث دائماً"، إذ ترى أنها "لا تعيش بشكل طبيعي في منزل اسرة زوجها"، موضحة ان "عمتي بيدها زمام الأمور وتفرض ما تقتنع به على كل شيء حتى وإن كانت حياتي الزوجية". 
 
رفضت ذلك
يشعر الكثير من المتزوجين، الذين أبدوا رغبتهم في أن تكون حياتهم الزوجية مستقلة وبعيدة عن تدخلات الجميع، أنهم لن يتمكنوا من السيطرة، أو كما يقول وعد حازم (22 عاماً)، إن " مشاعر والديه تغلبه".
ويمكن للخصام مع الأبوين أن يتجسد بعدة أمور، بدءاً من عدم رغبتهما في تبادل الحديث مع الابن وممارسة العنف مع زوجته وأطفاله كوسيلة ضغط، وصولاً إلى طردهم.
فبعد عام من زواج حازم يقول: " أراد والداي أن أتزوج ثانية، كي تنجب الحفيد لهما، لأنهما يعتقدان أن زوجتي لا تنجب"، يقول، "بيد أني رفضت، وتحملتُ احباطهما". 
 
ضائقة ماليَّة
أما سعد هادي (32عاماً) فقد تسلم مهام عمله كنجار في ورشة والده منذ زواجه عام 2014، وكان ذلك بالنسبة له يعني الاستقرار مادياً طيلة حياته.
وخلال ستة أعوام، وبعد الكثير من المشكلات التي يصفها بـ "التافهة"، يجد نفسه في كل مرة بلا عمل بعد أن يقوم والده بطرده من المحل.
يتذكر هادي، ولديه طفلتان الآن، تلك الأعوام وهو يضحك بسخرية على حاله، ويقول إنه "في كل مرة أرفض فيها مشاركة والدي لأية اختيارات تخص حياتي الزوجية يجنّ جنونهما ويبدآن بالضغط على زوجتي حتى تندلع المشاجرات وتكبر". 
وعادة ما كان يلجأ والده بعد أن يشعر بعدم رغبته بتدخله مثلاً بطريقة تربيته لطفلتيه أو تشجيعهما على سلوكيات لا يجدها مناسبة أو يضربهما ويعنفهما إلى طرده من المحل، وفق رأيه. 
تعود هادي، البالغ من العمر (35عاماً)، ويسكن في غرفة بالطابق الثاني من منزل والده على هذا الحال، لكنه يقول إنه "لن يتمكن من التخلص من ذلك"، لعدم قدرته على توفير السكن الخاص، لا سيما أنه يعاني دوماً من ضائقة مالية، تفرض عليه الانصياع لرغبتهما في التحكم بحياته الزوجية.
 
فضلت الانفصال
ولا تبدو قصة هدى خليل (26 عاماً) تجاه استقلاليتها مختلفة. 
إذ كان يربكها إصرار عمتها (والدة خطيبها) على السكن معها في منزلها، اذ تقول إنه "لولدي الوحيد"، في إشارة إلى أن جميع بناتها سيتزوجن، وتبقى هي صاحبة المنزل. 
ورغم إدراك العمة أن ابنها وخطيبته كانا قد قررا السكن في منزل خاص بهما، إلاّ أن هدى ترى أن "مشروع تكوين أسرة ناجحة وبعيدة عن الخلافات يحتاج أولاً الى استقلالية السكن، والانعزال عن الأهل والاقارب".
ولكن إصرار عمتها جعل هدى بعد خطوبة استمرت لأكثر من عام تعيد التفكير في امكانية نجاح هذا الزواج، موضحة، "كان مؤلماً الانفصال عن خطيبي، لقد عانيت كثيرا"، حتى أنها حاولت كثيراً إيضاح المشكلات التي من الممكن أن تحدث بسبب مشاركة الآخرين لقرارات تخص حياتهما، ولكن للأسف وجدتها، "من دون فائدة"، على حد تعبيرها.
 
الحرية والاستقلالية
كثيرا ما تفسر الأمهات تدخلاتهن بقرارات أبنائهن المتزوجين أو بناتهن المتزوجات على أنها نضوج بالتجربة، كما تقول الخبيرة الاجتماعية د. سهيلة الصالحي.  
إذ تنتقد الأمهات دوماً، رغبات ابنائهن في السكن بمنزل مستقل مع زوجاتهم وأطفالهم أو نمط حياتهم أو أساليبهم المتبعة في تربية أطفالهم بعد أن يصفن حالهم بالعقوق، والفشل، أو عدم النضوج.
لكن هل صحيح ذلك؟
تعتقد الخبيرة أنه " قد ترسخت منذ القدم في أذهان الأمهات فكرة الإشراف على الأبناء والبنات حتى بعد أن يتزوجوا لحل المشكلات التي تواجههم ومساعدتهم"، موضحة أن هذا " لم يعد صالحاً، وهو ما اكتشفه الشباب عبر اطلاعهم بعد الانفتاح التكنولوجي على مختلف ثقافات العالم".
وتأخذنا الخبيرة إلى حكايات الأمهات والجدات في التحمل والصبر عند السكن لأعوام طويلة قد تصل إلى (25 عاماً) في منزل برفقة أفراد أسرة الزوج، وكيفية التعامل مع العمة (والدة الزوج) بصدر رحب ومن دون اعتراض أو مجادلة، فضلاً عن استغرابهن الدائم من أفكار شباب اليوم الذين يرفضون الوصايا والتحكم بحياتهم الخاصة، بل ويبتعدون عن كل نصيحة أو رأي يقدم إليهم، وتقول إن، "الحياة تغيرت عن السابق كثيرا، وصار السعي وراء الحرية الشخصية والاستقلالية من أهم غايات النجاح الذي يسعى الشباب لتحقيقها".