أجندة ترامب تجاه إيران أوشكت على الفشل

بانوراما 2020/11/22
...

 إيشان ثرور
 ترجمة: أنيس الصفار
بعد أيام لا أكثر من تنصيب الرئيس ترامب بدأ الإعداد ووضعت خطوط المعركة. يومها أعلن مستشار الأمن القومي "ميخائيل فلين" أن الإدارة الجديدة "تحذر إيران رسمياً" بخصوص سجلها المزعوم من النشاطات المخلة باستقرار الشرق الأوسط. بعد ذلك فقد فلين منصبه نتيجة فضائح سياسية، ثم أقر بأنه مذنب لكذبه على محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن ترامب وحلفاءه واصلوا الضغط وشنوا حملة "الضغط الاقصى" التي ضيقت الخناق على الاقتصاد الإيراني ونقضت الصفقة النووية المبرمة في العام 2015 بين طهران والقوى العالمية الكبرى.
اليوم، وإذ لم يتبق له سوى شهرين في الإدارة، لا يستطيع ترامب ان يقدم ما يثبت تحقيق اي انجاز بعد اربع سنوات من السياسة الشرسة المعادية لإيران. فخلافاً لما بقيت إدارته تصدح به لم تنجح اعادة فرض العقوبات في جرّ إيران الى طاولة المفاوضات والانصياع لصفقة أشد صرامة. كذلك لم تنجح سياسة "الضغط الأقصى" في تقليص نفوذ إيران وتأثيرها في المنطقة، فهي لا تزال تحتفظ بعلاقات قوية مع اليمن والعراق ولبنان وسوريا.
عقب الضربة الأميركية الموجهة التي أسفرت عن مقتل الجنرال قاسم سليماني في مطلع هذا العام أعلنت إدارة ترامب أنها "اعادت العمل بسياسة الردع" مع إيران، لكن هذا الادعاء تفنده سلسلة من أعمال التصعيد اللاحقة، التي يعتقد ان قوى موالية لإيران قد نفذتها. غدا واضحاً من هذا كله ان بعض مسؤولي إدارة ترامب، المساقين بأيديولوجيا معينة، كانوا يحسبون ان حملة "الضغط الأقصى" ستراتيجية لا بدّ ان تؤدي في نهاية المطاف الى انهيار النظام في طهران، لكن الذي حدث هو ان تلك التكتيكات لم تسفر، إلا عن تعزيز قوة المعسكر المتشدد في إيران قبل موعد الانتخابات الرئاسية في العام المقبل.
يقول "مات داس" مستشار السيناتور "بيرني ساندرز" لشؤون السياسة الخارجية: "عندما تولى ترامب المنصب كانت هناك اتفاقية نووية عاملة لم تتوصل اليها الولايات المتحدة وباقي حلفائها إلا بعد مفاوضات مضنية. كان بوسع ترامب ان يختار الابقاء عليها مع مواصلة الضغط بخصوص القضايا الأخرى، غير أن المتعصبين المعادين لإيران في واشنطن كانت لديهم وجهات نظر اخرى وانظر اين انتهينا."لا شك في أن العقوبات الاقتصادية قد أضرّت بالاقتصاد الإيراني والمواطن الإيراني العادي، ولكنها دفعت القيادة الإيرانية الى مواصلة بناء مخزونات اليورانيوم المخصب، التي ربما تكون قد تجاوزت الآن الحد الذي أقرته اتفاقية 2015 بنحو 12 ضعفاً.
إيران اليوم أقرب نظرياً الى انتاج سلاح نووي مما كانت عليه يوم تولى ترامب المنصب. يقول المحلل "جيسون رضائيان" في عمود نشره: "لقد كانت الصفقة تحقق هدفها المنشود في تحجيم مخزونات ايران من اليورانيوم المخصب، وفقاً لسلسلة من تقييمات اجهزة المخابرات، قبل أن يأمر ترامب بالانسحاب منها احادياً في العام 2018. ندر أن شهدنا في يوم من الايام فشلاً للسياسة الخارجية واضحاً كل هذا الوضوح."
ثمة دول ضاقت ذرعاً باجراءات ترامب، فالمستثمرون الأوروبيون يتهيؤون لعقد اجتماع في الشهر المقبل يموله الاتحاد الأوروبي بهدف استطلاع الفرص الجديدة للعودة الى السوق الإيرانية، بعد ان يتولى الرئيس المنتخب "جو بايدن" منصبه، وإذا ما صدق بايدن في التزامه بالعودة الى الصفقة النووية فسوف يستتبع ذلك رفع التهديد بمعاقبة الجهات الأوروبية، التي تفكر في الاستثمار لدى إيران.في غضون ذلك نجحت إيران في العثور على طرق للالتفاف على العقوبات الأميركية من خلال شحنات النفط الخفية (التي لم تعد سراً) التي امتدت الى اماكن مثل فنزويلا والصين. تورد مقالة لـ"جوبي وارك" و"سعاد مخنت" أن حجم تلك الشحنات يمثل زيادة تتعدى العشرة اضعاف منذ الربيع، وفقاً لمحللين متخصصين، وهو مؤشر على تداعي عقوبات "الضغط الاقصى" التي فرضتها ادارة ترامب، كما ان دولاً اخرى تبدي رفضاً متزايداً للعقوبات.
يقول "روبرت لتواك"، وهو نائب رئيس اقدم في مركز "وودرو ولسن" الدولي: "لقد قابل النظام في طهران الضغوط القصوى بضغوط من جانبه." ويضيف ان نهج ترامب في مواجهة إيران، بما في ذلك مناورته الفاشلة في الأمم المتحدة لإعادة فرض العقوبات، قد أدت الى عزلة دبلوماسية للولايات المتحدة لا إيران.
في رهان أخير تخطط ادارة ترامب لفرض عقوبات جديدة على إيران، ربما على اساس اسبوعي، الى ان يحين يوم التنصيب الجديد. وفي يوم الاثنين الماضي جاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" ان الرئيس ترامب تراجع في الاسبوع الماضي عن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وهي حركة كان يراد منها الحاق الضرر بعمليات التخصيب، ولكن احتمال احباطها قدرة بايدن على تهدئة التوترات واجتذاب الإيرانيين الى طاولة الحوار قائم ايضاً.
يعتقد المسؤولون في ادارة ترامب أن مساعيهم قد مهدت الطريق لبايدن كي يعتصر من إيران مزيداً من التنازلات بفضل برنامج العقوبات مثلاً وتشجيع تطور العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية في المنطقة لإثارة مخاوف
 الإيرانيين.
إلا أن هناك آخرين اقل شعوراً بالثقة ازاء ذلك. فقد كتب "تريتا بارسي"، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لإدارة الدولة المسؤولة، يقول: "انتهاك ترامب الاتفاقية النووية اسقط بقوة مفهوم التفاوض مع الولايات المتحدة، ناهيك عن مفهوم تليين العلاقات الأوسع. سيكون من الصعب جداً اعادة ترتيب قطع احجية الدبلوماسية الأميركية الإيرانية الى ما كانت عليه، ولكن السنوات القليلة الماضية أثبتت لنا أن المصاعب ستزول بالإحجام عن المحاولة".
 عن صحيفة واشنطن بوست