إرث ترامب في الشرق الأوسط ليس سوى الفشل

بانوراما 2020/11/23
...

 ستيفن كوك/عن مجلة فورن بولسي
 ترجمة وإعداد:  أنيس الصفار
كان الرئيس ترامب قد أمضى في منصبه عاماً او اكثر بقليل عندما كتبت عموداً وصفت فيه سياسته تجاه الشرق الأوسط بأنها مضجرة لأنها لا تكاد تخرج عن الخطوط التي سار عليها كلا الحزبين المرتكزة على دعم اسرائيل واستخدام الشدة مع إيران وكل من يشذ عن تحالفات أميركا وشركائها في المنطقة ودعم اولئك الشركاء بغض النظر عن طبيعة انظمة حكمهم.
يومها كتب الي احد الاصدقاء يقول: "أنت تضفي على عقلية الإدارة بهذا الشأن قدراً من الترابط لا تستحقه." مرت على ذلك سنتان وتكاد أربع سنوات تكتمل اليوم منذ أدى الرئيس ترامب القسم وأنا لا أجد سوى وصف واحد للتعبير عن سياسة الولايات المتحدة في تلك المنطقة وهو "اللا ترابط الستراتيجي". جميع الادارات السابقة واجهت مصاعب في سياستها الخارجية، ولكن مشكلة ترامب هي اسلوبه المتسم بالرمي العشوائي في تعامله مع الشرق الأوسط.
هذا هو ما يحدث حين يتبع الرئيس حدسه فقط ويتجاهل كل ما سواه، فيقوض ما يفترض ان يكوّن سياسة خارجية لها هدف ومغزى. ثم يزداد الوضع سوءاً بانتهاج الرئيس ترامب ما أسميه "اسلوب الطاولة الدوارة" فهو يدير الطاولة وعندما تتوقف يجد امامه سوريا فينشغل بها ليوم او يومين قبل أن يدير الطاولة ثانية ليقع على فنزويلا هذه المرة. دورة ثالثة: حلف الناتو، دورة رابعة: العراق، دورة خامسة: كوريا الشمالية.. وهكذا دورة بعد دورة بلا منهج او خطة.
ترامب بالطبع ليس الوحيد في واشنطن الذي يعجز عن تحديد حقيقة ما تبغيه الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ولكنه الشخص الأكثر تأثيراً على تداعياتها، وخوضه العشوائي ظاهراً في صراعات المنطقة عرضها الى مزيد من زعزعة الاستقرار. يقول الرئيس أنه يريد التحرر من حروب لا تنتهي، ولهذه الغاية خفض حجم التواجد الأميركي في العراق وافغانستان بدرجة كبيرة، لكنه في الوقت نفسه أطلق حملة ضغوط قصوى على إيران وهذه دوامة من ضغوط متصاعدة لن تنتهي، اخطار التصعيد والصراع في مثل هذا النهج واضحة وهي توحي بأن ذلك ربما كان عين ما يريده الرئيس ومسؤولو ادارته، بيد ان ترامب يعود فيحجم عن الرد على تحركات إيران في الخليج في صيف 2019 رغم نشره آلاف الجنود حينها.
بعد كل الجهود التي أبداها الرئيس لتجنب حدوث مواجهة مع إيران في منتصف 2019 يبدو انه اعاد إدارة الطاولة في مطلع 2020، فكانت النتيجة هذه المرة ضربة وجهتها طائرة مسيرة الى قاسم سليماني قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني في بغداد، تضاربت ردود فعل المحللين وكتاب الرأي والافتتاحيات ازاء اغتيال شخصية بمثل وزن سليماني، بيد ان تلك الضربة لم تكن تمت بصلة لأية ستراتيجية حقيقية. 
كما كان متوقعاً جاء رد الإيرانيين باسلوبين، الأول استعراض كبير بضربات صاروخية داخل العراق، بعده توالت محاولات أخفض دوياً وأبعد مدى بهدف الضغط على الولايات المتحدة واخراجها من العراق.
بعد ذلك وجدنا أمامنا "صفقة القرن" التي كان مفروضاً بها أن تحقق ما لم يحققه أي رئيس أميركي سابق وهو التوصل الى صيغة اتفاق ينهي الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين. هذه الخطة لم تفضِ الى شيء لأنها طالبت الفلسطينيين بالتفاوض ثم القبول لاستسلام نهائي مذل، وهو ما لن يفعلوه أبداً والجميع يعلم هذا حتى الاسرائيليون.
لقد تباهى فريق ترامب كثيراً بسجله في "دحر" الارهاب، وعلى هذا الاساس تعهد الرئيس بإعادة الجنود الأميركيين الى ارض الوطن، ولكنهم في الواقع لا يزالون حيث هم ولو بأعداد أقل. 
ثمة قوة أميركية صغيرة أبقيت في سوريا لأسباب غير واضحة، رغم وعد ترامب للرئيس التركي اردوغان بسحبها. كان ذلك الوعد بمثابة موافقة ضمنية لتركيا جعلتها تهاجم الكرد السوريين، حلفاء أميركا، بتغافل عن دورهم الحاسم في مقاتلة "داعش". ذلك الهجوم التركي عرض المليشيا السورية للخطر ثم توالت المفارقات تباعاً، إلا ان ترامب كان قد ادار الطاولة منصرفاً الى شأن آخر.
من العبث الحديث في حقوق الانسان لأنه كما يبدو لا وجود له على الطاولة الدوارة. فعلى مدى السنوات الأربع الماضية استطاع ترامب ان يبقى محافظاً على موقف اللامبالاة ازاء معاناة شعوب على ايدي اصدقائه، رغم ان الجالس في المكتب البيضاوي يمتلك بين يديه أعظم منبر في العالم للإعلان عن الموقف الاخلاقي تجاه ما يجري في العالم. 
وسط كل الفوضى ينسب البعض الى ترامب ما يرونه، من وجهة نظرهم، نجاحاً في ميادين معينة. فقد استخدم ترامب علاقاته مع بعض حكام الشرق الأوسط لتأمين اطلاق سراح مواطنين أميركيين كانوا محتجزين في سجونهم، كما ان "اتفاق ابراهام" بين دولة الامارات واسرائيل وتطبيع العلاقات المحتمل بين اسرائيل والسودان قد تحققا خلال فترة توليه المنصب، وكذلك ممارسته الضغط على لبنان لإجراء محادثات مع اسرائيل بشأن حدودهما البحرية.
ربما كان النجاح مطلباً عصياً في الشرق الأوسط، ولكن رئيس الولايات المتحدة مطالب امام الشعب الأميركي بانتهاج ستراتيجية واضحة، ولكن ادارة ترامب فشلت بعد اربع سنوات من الحكم في هذا المجال. كل ما قدمته هذه الادارة هو شد الانتباه بصورة عرضية على الشأن الذي يصادف وقوعه امام نظر الرئيس، قبل ان تدور الطاولة دورتها التالية، لذا لا نجد سبباً يدعونا للاعتقاد بأن اربع سنوات اخرى كانت ستتمخض عما هو احسن.