أنشأت النرويج وفي مبادرة إنسانيَّة، أكبر مستودع أو ما اُصطلح عليه (بنك الحبوب) في العالم للحفظ والتخزين الآمن لبذور النباتات من كل دول العالم، بتمويل كامل منها وبالتعاون مع مركز موارد الجينات الاسكندنافي والصندوق العالمي لتنوع المحاصيل.
هذه الفكرة ليست الأولى من نوعها، ففي العام 1948 استخدمت النرويج أحد مناجم الفحم المهجورة في المدينة ذاتها وللغرض نفسه، وبعدها نضجت الفكرة وتم طرحها في المعاهدة الدولية للنباتات ووضعت دراسة جدوى ودخلت حيز التنفيذ وبدأت أعمال الحفر العميق والشاق داخل الصخور الجبلية وهذه المرة ليس لاستخراج كنوز الطبيعة بل لتخزين بعض الكنوز
فيها.
وتم افتتاح المشروع في العام 2008، ليكون المشروع الأكثر تأثيرًا في العالم. (فسفينة نوح) كما يسميها النرويجيون ترسو هناك في سفالبارد في كهوفِ جبالها الثلجية، محملة بعينات تضمن استمرار الحياة.
جماليَّة المكان
يقع المستودع في ارخبيل سفالبارد في الجزيرة النرويجية سبتسبرجن وهي الوحيدة المأهولة بالسكان وعلى مقربة من المطار.
هذه المنطقة تبعد حوالي١٣٠٠ كيلو متر من العاصمة اوسلو وتعدُّ المحطة الأخيرة قبل القطب الشمالي وفي الجزء الداخل ضمن حدود مملكة النرويج.
المنطقة ٌاقتصادية حرة منزوعة السلاح بحسب معاهدة سفالبارد التي تم توقيعها عام 1920 بين الاتحاد السوفييتي آنذاك والنرويج، ولكنها تقع ضمن السيادة النرويجية.
لا ترتبط المنطقة أي طرق وجسور بالمدن الأخرى، وتستخدم الزلاجات الآلية والطائرات وقوارب لخدمة النقل المحلي، ويعدُّ المطار المنفذ الرئيس للدخول والخروج إليها.
يبلغ عدد سكانها 2650 نسمة، الغالبية نرويجيون، فضلاً عن جنسيات أخرى أشهرها السويديَّة والروسيَّة والتايلانديَّة.
ما يميز هذه المدينة بأنها رغم وجودها في القطب الشمالي ولكن درجات الحرارة فيها أعلى بكثير من المناطق الأخرى وذلك بسبب ممرات الضغط المنخفض المتكررة ومياه المحيط الدافئة فالحرارة هناك تترواح بين (16 شتاءً و٦صيفاً). وأجمل ما فيها شمس منتصف الليل التي لا تغيب للفترة من 20 نيسان الى 23 آب، وبقية أشهر السنة تكون الشمس مغيبة تماماً.
والمدينة وجهة سياحيَّة، إذ تكثر فيها المحميات الطبيعيَّة النباتيَّة والحيوانيَّة، وأجمل الاماكن لمشاهدة الشفق القطبي، فضلاً عن (البنك النباتي) الذي يمثل عمقاً ستراتيجياً للحياة فيما لو حدث ما لا تحمد عقباه من حروب تهدد الحياة البشريَّة، أو كوارث أخرى في أي منطقة في العالم.
تصميم المبنى
هو عبارة عن قبو داخل أحد الجبال بمساحة 1000 متر مربع ويتكون هذا القبو من ثلاث قاعات، كل قاعة صممت بأنْ تستوعب نحو مليون ونصف المليون عينة من البذور وكل عينة من نحو 500 بذرة في كيس من الألمنيوم محكم الإغلاق وتخزن في صناديق يتسع كل صندوق لـ400 عينة وعليه ختم من قبل بنك الجينات الذي يرسل
العينات.
القاعات مصممة لتحمل الزلازل والكوارث والحروب والإرهاب، فهي تتحمل الزلازل لـ ١٠ درجات على مقياس رختر ولن تتأثر حتى وإنْ ارتطم نيزك بالأرض!.
وعلاوة على ذلك فإنه يتحمل الضربات النووية، فالهدف المعلن هو ضمان عدم القضاء على الغذاء والنباتات في الأزمات والكوارث. وضمانها للأجيال القادمة. ولهذا فهو بنك التأمين الغذائي للعالم وبصورة أدق للأغذية التي تم تخزينها، وما زالت النرويج تنتظر الدول التي لم ترسل بذور نباتاتها الى هذه الخزانة.
القاعات الجبلية حرارتها الطبيعية تتراوح بين (3 - 6) درجات تحت الصفر، ما يضمن عدم تلف العينات إذا ما انقطع التيار الكهربائي ولكنها مجهزة بأجهزة تبريد تصل الى 18 تحت الصفر.
كما أنَّ المنطقة تتمتع بوضع سياسي وجيولوجي مستقر وبنية تحتيَّة متطورة.
تكلفة المشروع
لقد تحملت مملكة النرويج التكلفة كاملة للمشروع واستمرت في المضي به، ولم يفقد المشروع أهميته أو قل تمويله بالرغم من تغير الحكومات النرويجيَّة، وترى النرويج أنَّ ذلك أعطاها مصداقيَّة دوليَّة عالية، ويؤكد ماعرف عن المملكة التي تعدُّ من أكبر الممولين للمنظمات الدوليَّة.
كلف البناء 50 مليون كرونة ما يعادل نحو 9 ملايين دولار أميركي، وهناك مصاريف دورية تتحملها النرويج من خلال صندوق منفصل وأسهمت مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية (Bill &Melinda Gates foundation) بمبلغ ٣٠ مليون كرونة كمصاريف دورية ومستمرة للنواحي الفنية وسلامة القبو والبذور وبالتالي فإنَّ التخزين مجاني للمستخدمين من جميع أنحاء العالم.
هذا المشروع يعدُّ ملكا لوزارة الزراعة والغذاء النرويجية التي لديها تعاونٌ مع مركز الموارد الوراثيَّة لبلدان الشمال الأوروبي والصندوق العالمي لتنوع المحاصيل.
الفكرة
انطلقت المبادرة العالمية عام 1983 وبدأ الاهتمام العالمي في مشروع الحفاظ على التنوع البيولوجي الى أنْ وصل عدد بنوك الحبوب اليوم لنحو ١٧٥٠ بنكاً نباتياً ولكنها لا تصل في مواصفاتها لبنك سفالبارد نوعاً وكماً وأمناً، بالإضافة لكونه مجانياً، ولهذا تحرص البنوك الأخرى على إرسال نسخ من عينات لبذورها لحفظها في هذا المكان الآمن.
فارسل الى القبو عشرات الآلاف من أنواع النباتات أهمها القمح والرز والفول وعينات البذور هذه هي نسخ من عينات البذور المخزنة في بنوك الجينات الوطنية والاقليمية
والدولية.
تجربة سوريا
في حلب السورية على مدى عقود تم تخزين عينات بذور لأهم النباتات في البلاد في مكان كان يعدُّ آمناً حتى اندلاع الحرب فتضرر بنك الجينات السوري، جراء العمليات
الإرهابية.
وقد طلبت سوريا رسمياً تعويضها ببذور من (سفالبارد)، فكانت تلك هي التجربة الأولى لسحب بذور من سفالبارد وتم فعلاً سحب 116000 بذرة وسلمت لسوريا مطلع العام ٢٠١٧ وتمت زراعتها بنجاح.
في العراق أيضا مستودع أبو غريب الذي كان يضم بذور القمح والعدس تعرض للسرقة والتخريب ابان الغزو الأميركي في 2003. وغيرها من بنوك البذور في مختلف أنحاء العالم التي انتهى بها الحال للدمار لتعرضها للحروب كأفغانستان التي نهبت بذورها على أيدي حركة طالبان والكوارث البيئيَّة كما حدث في الفلبين جراء الفيضانات.
وختاما يتبادر لذهني سؤال:
هل العراق أرسل عينات من بذور النباتات لحفظها هناك ويتعاون مع النرويج في هذا المجال?!