التشريعات وحدها عاجزة عن تأمين الحماية للنساء

اسرة ومجتمع 2020/11/24
...

 بغداد: سعاد البياتي وقاسم موزان
 
 
أشد ما يؤلمنا ان نسمع اصواتا مكتومة لكنها تضج بالاحتجاج، إذ تحمل في داخلها قلقا  وخوفا ورغبة بالتعبير عما تتعرض له من ظلم واهانة. هذا ما يحدث كثيرا كمشاهد تتكرر في حياتنا وواقعنا ضد النساء وهن يتعرضن لكثير من القسوة والعنف بسبب ما يقوم به البعض ممن فقدوا اهليتهم الاجتماعية والنفسية فتحولوا الى كائنات اخرى لا شأن لها سوى ارتكاب المزيد من العنف من دون الالتفات الى ما تتركه من اثار اخلاقية ونفسية على الاسر والاطفال بشكل خاص   
لذا فالعنف ضد النساء هو أحد أهم أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً واستمراراً وتدميراً في عالمنا اليوم، ومعظمها لا تزال من دون عقاب، لأنَّ الضحايا لا يبلغن بما وقع لهن خشية وصمة العار والفضيحة!. وحددت الأمم المتحدة، يوم 25 تشرين الثاني، يوماً عالمياً للقضاء على العنف ضد النساء بالتزامن مع إطلاق حملة 16 يوماً لمناهضة العنف.
 
خفايا العنف
في مركز الإرشاد الأسري التقينا مديرالمركز د.عزيز كاظم نايف متحدثاً عن حالات العنف التي تصلهم وكيفيَّة التعامل معها فقال: "تصلنا أحياناً حالات خطرة ورغم أنها ليست في صلب عملنا لكننا نستقبلها كحالة إنسانيَّة فنتصل بالأمن الداخلي حماية للمرأة أو الطفل، إذ لدينا تعاونٌ متبادلٌ مع قسم حماية الأسرة والطفل في وزارة الداخليَّة، ومعظم حالات العنف يجري التكتم عليها لاعتبارات اجتماعيَّة، إذ تلجأ لنا المرأة لكنها لا تريد أنْ يعرف الرجل بذلك، ما يصعب مهمتنا، بينما في حال نستطيع الاتصال بالطرف الآخرنأخذ دورنا بالتفاهم، لا سيما البعض يعدنا بمراجعة نفسه لكنَّ الحالة لا تعود لنا ولا نعرف ماذا حصل بعدها".
وعبَّرَ د.عزيز عن "طموحه بتفعيل المركز ليأخذ دوره في احتواء وتحجيم حالات العنف ومحاسبة المسيء مثلما هو معمول به في الدول المتحضرة،إذ يستطيع من يقع عليه العنف الاتصال والتبليغ رغم أنَّ هذه الحالات محدودة عندنا".
وأوضح أنَّ "طموحهم مستقبلاً إنشاء قسم خاص لحالات العنف لكن المكان لا يسمح، فذلك يحتاج الى دعم مادي وزيادة الملاك وتخصيص جناح مستقل لاستقبال الحالات ومتابعتها وتوفير الاحتياجات الأساسيَّة والارتقاء بالأسرة بعيداً عن العنف".
 
ضغوط نفسيَّة
 أما د. عبد عون المسعودي (تخصص عام استشارات تربويَّة نفسية) فقد بين بـ"الصباح": "ليس لدينا إحصائية دقيقة تتعلق بالعنف، لكنْ بشكلٍ عام في كل حالة طلاق هناك حالة عنف، وقد يكون مباشراً كالجسدي واللفظي، أوغير مباشر وهو اقتصادي يتمثل بالحرمان وعدم توفير احتياجات الزوجة وهو ينتشر في مجتمعنا كونه ذكورياً، وأهم أسبابه في العراق نفسيَّة فنحن منذ 50 سنة نقاتل ونخسر ونفشل بتحقيق أهدافنا وهذه الفوضى والضغوط النفسيَّة التي سببتها الحروب كفيلة بخلق شخصية عدوانيَّة، وحالياً تعودنا مشاهد القتل والانفجارات والإرهاب".
ويرى المسعودي أنَّ "العنف والعدوانية زُرعتا في شخصياتنا، حتى حوارنا مع بعضنا فيه عدوانيَّة قد لا يتحمل الزوج تصرفات زوجته فيتصرف بعدوانيَّة، وبالعكس هي قد لا تتحمل وتتجاوز عليه".
وأوضح المسعودي: "جميعنا مصابٌ نفسياً مع اختلاف النسبة ومن دراسة أجريتها على عينة من طلاب الجامعة اخترتهم بمواصفات ونمط يتسم بالهدوء فكانت النتيجة وهم في حالة من الراحة والاستقرار 70 % مضطربين، إذنْ كيف نريد ممن عاش ويلات الحروب والحصار والفقر والارهاب ألا يمارس العدوانية!".
وأشار المسعودي الى "أننا كما نتحدث عن العنف ضد المرأة هناك حالات لا بأس بها تخص عنف الزوجة ضد الزوج، فالأسرة كما الدولة تحتاج الى قيادة إما ديمقراطية تتحقق بالتفاهم وتعاون الطرفين أو دكتاتورية ينفرد بها الطرف الأقوى فيمارس العنف ضد الآخر، والغالب بالمجتمع الزوج كونه المسيطر والأقوى اقتصادياً.. وفي كل الحالات الأمر يتعلق بوعي الزوجة ونظرتها للرجل بوصفه صاحب البيت له مكانته وحسب درجة صبرها وتحملها، أما إذا حصل العكس فقد تتحول الى مستهلك والزوج ضعيف اقتصادياً يبدأ الصراع والعنف، فالاقتصاد هو المتحكم الأول، والضحية هم الأبناء فالتصادم والعنف يفككان الأسرة ويسببان ضياع الأبناء، فالابن الذي يشاهد أمه تُعنَّفُ أمامه يستسهل تعنيفها وبالعكس قد يمارس العنف مع الأب، ويعدُّ الصراع لدرجة العنف بين الزوجين من أهم أسباب الطلاق".
أما كيف نتجنب العنف فيقول: "نحتاج الى تفعيل سلطة القانون ونتمنى من الأسر تربية الأبناء على مبدأ احترام الحياة الزوجيَّة وأنْ يغرسوا فيهم قضية التحمل والصبر وعدم تصعيد الأمور، ونحن كمركز التزمنا بإقامة دورات تأهيليَّة وتوعويَّة للمقبلين على الزواج وكذلك للنساء لتمكينهن من الحفاظ على الأسرة، ومع ذلك فالشخصيَّة العراقيَّة قويَّة ولو أنَّ شعباً غيرنا جرى عليه ما جرى لانتهى".
 
صون الكرامة
أشار أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد د.عبد الواحد مشعل الى أنَّ "العنف ضد المرأة أخذ أشكالاً مختلفة من التعسف بسبب تراجع المجتمعات النامية حضارياً من جهة، وعدم قدرة المرأة في بعض الأحيان من تحقيق مكاسب حقيقيَّة في مجتمعاتها من جهة أخرى، وقد كان لضعف الوعي في تلك المجتمعات آثآرٌ سلبيَّة على قضيتها، لا سيما خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين ومع مطلع الألفية الثالثة، ما أدى الى تزايد المشكلات الأسريَّة وتنامي الزواج المبكر في كثيرٍ من المجتمعات ومنها مجتمعنا في السنوات الأخيرة ومن ثم الطلاق السريع، ما جعل المرأة تواجه تحديات خطرة، فتنامي العنف ضدها في مختلف المجتمعات ومنها مجتمعنا، وقد كان لتزايد مظاهر العنف ضدها سبب رئيس لتخصيص يوم عالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وهو بمثابة إعلان لمناصرة المرأة والحد من ممارسة العنف ضدها بنوعيه المعنوي أو المادي، كل ذلك يدعو القائمين في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى الى تفعيل الاتفاقيات التي تصون كرامتها، ولا يمكن أنْ يكتمل من دون أنْ تكون للمرأة وقفة مراجعة حقيقيَّة مع نفسها لبلورة حملة نسويَّة منظمة للحد من العنف ضدها".
وتابع مشعل: "إننا مطالبون بهذه المناسبة أنْ نقف بمسؤوليَّة الى جانبها، وبتفعيل القوانين التي تعاقب من يتطاول أو يظلم المرأة في أي منحى من حياتها فهي نصف المجتمع، وعملية التطور والتقدم لا يمكن أنْ تتم إلا بمشاركة المرأة الفعلية في صناعة حياة متطورة يتساوى فيها الجميع".
 
انتهاكات
وبين الحقوقي حميد طارش: "كانت وما زالت المرأة تصنف بأنها من الفئات (الضعيفة) في المجتمع لذلك نصت التشريعات على حمايتها من التمييز بوصفه السبب الأول الذي يجعلها محلاً لأنواع متعددة من الاضطهاد ثم أكدت حقوقها كإنسان ومنعت انتهاكها، لكنَّ المشكلة ظلت قائمة، وحسب تقرير الأمم المتحدة (71 %) من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم من النساء، بلغ العنف ضد المرأة كسبب للوفاة بمستوى السرطان وللأعاقة بمستوى حوادث السير".
ولفت طارش الى أنَّ "التشريعات لوحدها غير كافية لمعالجة أي مسألة، نعم التشريعات تشكل خط الشروع الأول فيها وبيان الحقوق وإسباغ الحماية القانونية عليها، لكنها تظل عاجزة عن تأمين الحماية الفعليَّة لوحدها، فهناك العديد من العوامل التي يجب تضافرها لإنجاح أهداف القانون، وأهم هذه العوامل تتمثل بمدى نجاح القانون في صياغته ومحتواه وآليات تنفيذه، فضلا عن تجاوزه للنقص والتناقض والغموض، وبحسب تقرير إحدى المؤسسات المختصة، بين أنَّ (37) دولة تعفي مرتكبي جرائم الاغتصاب من المحاكمة في حالة زواجهم من الضحية، فضلاً عن (49) دولة لا توجد فيها قوانين تحمي النساء من العنف المنزلي".
 
ستراتيجيات جديدة
وقالت د. مهما الصكبان "مؤسسة مركز حقوق المرأة الإنسانية": "تمثل المشكلة الرئيسة في عدم انعكاس كثرة المنظمات النسويَّة على تمثيل المرأة في الوظائف العامة وعدم تحسن وضعها خصوصاً بعد احتجاجات تشرين 2019 التي شاركت فيها بقوة وتعرضت للتهديد والاختطاف والابتزاز والقتل، فضلاً عن تفشي حالات العنف ضدها، خصوصاً في عتمة الجائحة وما تسببت به من ازدياد العنف الأسري، وبالرغم من مشاركة المرأة في الحياة السياسيَّة منذ نشوء الدولة العراقية إلا أنها ما زالت تعاني من التهميش، وبالرغم من مشاركتها الفاعلة في جميع الاحتجاجات والتظاهرات منذ 2003، إلا أنَّ هذه المشاركة لم تنعكس إيجاباً على مساهمة النساء في عملية صنع القرار التي كفلها الدستور وأقرتها المحكمة الدستورية التي تنص على مشاركتها بما لا يقل عن 25 % بمراكز صنع القرار".
وأكدت الصكبان "يمكن للمجتمع المدني أنْ ينشط من خلال تبني ستراتيجيات جديدة من خلال السعي نحو التواصل مع الجماهير لتعريفها بأهمية مشاركة النساء في الحياة العامة، وتغيير النظرة المتشككة تجاهها من خلال اتباع الآليات التالية:
1 -  تسليط الضوء على الرائدات في المناطق المختلفة ومحاولة الدفع بهن على قوائم الأحزاب في الانتخابات البرلمانية والمحلية لضمان تمثيلها واحتياجاتها بشكل سليم، ويتوجب هذا العمل تشجيع وتنمية القيم والسلوكيات المعززة لحقوقها وذلك من خلال التواصل مع وسائل الإعلام والتدريب، أي إحداث عملية تغيير في السلوك تجاه قضايا معينة.
2 - تغيير الصور النمطية للمرأة في مناهج التعليم، مثل محاولة تغيير مناهج التاريخ، فلا بدَّ أنْ تشمل هذه المناهج شخصيات وطنيَّة من الإناث اللائي يأخذن أدواراً بارزة في الحياة السياسيَّة العصرية إلى جانب الرجل والإسراع بمراجعة وتشريع جميع القوانين المتعلقة بالمرأة مثل قانون مناهضة العنف الأسري والقرار الأممي 1325 ومراجعة النصوص القانونيَّة التمييزيَّة بقانون العقوبات المعدل 111 لسنة 1969 وتشجيع النساء على تشكيل كتلة برلمانيَّة عابرة للولاءات الحزبيَّة والقوميَّة والمحاصصة والنظر لقضاياها يرتبط بمسألتي الإصلاح وبناء السلام".
 
تراشق اتهامات
وقالت الخبيرة الدولية والمحلية كرمل عقيل عبد الواحد: إنَّ "العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي كلمات تتردد كثيراً في أوساط المنظمات المدنية خلال السنين العشر السابقة بالعراق. العنف الجندري باختصار كان الموضوع والهدف الأساسي لكثير من المنظمات المحلية منذ ٢٠٠٣ وحتى الآن. الأسماء كثيرة التي عملت عليه سواء محليا ام عالميا. أخذ الموضوع شكلاً كاد أنْ يكون الشغل الشاغل وتسابق الكثير نحوه. في الوقت عينه تراشقت الاتهامات ممن يعمل عليه كوسيلة محاولة لقمعه".
وتابعت عبد الواحد: "الأمر ليس جديداً ولكنَّ المفاهيم حديثة مقارنة بالصورة النمطية تجاه العنف الجندري، كان تغيير فهم وممارسات المجتمع تجاه العنف هو جوهر المشاريع التي جرى تنفيذها من منظمات كثيرة ولكن هل كان التنفيذ كما هو مطلوب؟ وهل تحقق الهدف؟".
وأضافت "تراوحت مشاريع المنظمات المدنية بين التوعية والدعم النفسي والاجتماعي، وبناء القدرة، ومراكز مخصصة للإنصات، والدعم الطبي، والخدمات القانونية، وتطبيق معاهدات واتفاقيات، ومذكرات تفاهم وغيرها التي تخدم غايتها لتقليل أو الحد من العنف الجندري، وعند اطلاعنا على أرقام وميزانيات وحجم المنظمات الدولية والمحلية التي عملت على هذا الموضوع نرى الرقم كبيراً جداً والتغطية واسعة نسبياً بالنسبة لمساحة العراق، وفي الوقت نفسه هناك ما يوقفنا في الأرقام المتزايدة للعنف والاتجاه الخطير الذي يسير نحوه. هناك حلقات مفقودة وليست بمجهولة بهذا المجال ونحتاج الوقوف بصدق للتأمل في كيفيَّة العمل على جمعها لنصل الى غايتنا نحو مجتمع صحي. نحن لا نتحدث عن مجتمع افلاطوني ولكن على أقل تقدير مجتمع مسالم يسير نحو التقدم".
 
تشريع
وأشارت الناشطة المدنيَّة انتصار عجيل الى أنَّه "في ظل تفشي جائحة كورونا في العالم والعراق خاصة أخذت تتزايد ظواهر العنف الأسري من تعنيف النساء والأطفال والشباب والشيوخ والرجال؛ لتأثير الوباء في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ما أدى الى التحشيد من قبل المنظمات المدنية لتشريع قانون مناهضة العنف الأسري، وعملنا على ذلك وتقديم مسودة القانون لمجلس الوزراء ومسودة ثانية لرئيس الجمهورية وننتظر تشريع القانون الذي يؤمن الأسرة".
تابعت عجيل "عملت مع فريق (#اسرتنا نحميها) وأخذنا على عاتقنا طرق الأبواب على أصحاب القرار لمجموعة من النواب ومنظمات حقوق الإنسان في العراق والمنظمات الدولية للمساعدة في تشريعه".
 
غياب السياسات
أوضحت فرح زلزلة (من منظمة موارد النوع الاجتماعي) أنَّ "أشكال العنف ضد المرأة مختلفة، وليس كما يتبادر الى الذهن عند سماع العبارة هو الإيذاء الجسدي فقط، غير أنَّ العنف ضدها قد اتخذ أوضاعاً بشعة, حتى في أبسط صوره، فترك أمٍ شابة في مواجهة قساوة الحياة من دون إعانة مادية أو توجيه معنوي وتربوي بعدما أخذ نداء الوطن معيلها الوحيد فهو شكل عنفي. وعندما تقرر مصير طفلة وتزوجها بسن مبكرة فأنت تمارس العنف, أو عندما تجبرها على ترك دراستها فهذا سلب لسلاح العلم والتمكين منها".
وأضافت "غياب السياسات المُنظِمَة لعمل أي منشأة حكوميَّة كانت أو خاصة من ناحية حقوق الموظفات والموظفين وسلوكيات التعامل قد عرض كفاءات نسائيَّة الى مواجهة مجتمع، يعدُّ وجود المرأة في مكانات العمل أو المكانة القيادية منقصة بحق الرجال، لهذا تتفاقم المشكلات المتعلقة بالنساء والفتيات لأنَّ معظم المشاريع الحكومية تعوزها الرؤية الشمولية. فكان مشروعنا قد تبنى فكرة دعم هذا الكيان ضمن هيكليات الحكومات المحلية ليسهم فعلياً بتمكين المرأة في المجالات كافة، إذ يتألف من مختصين ومختصات في القانون، الإدارة، التخطيط والتنسيق، ليعمل كركيزة حماية متصلة مع كل الدوائر الخدمية من جهة والجهات التشريعية والتخطيط من جانب آخر، وكذلك يعمل مع النساء والفتيات والمنظمات للتوعية والمناصرة لتضمن توجيه المشكلات المتعلقة بالنساء والفتيات والفئات المهمشة في كل محافظة".