ضحى عبدالرؤوف المل
ينسجم السرد الروائي في رواية "هندباء بريّة" للروائي "يا سوناري كاواباتا" الصادرة عن "دار الساقي" مع الطبيعة والإنسان والتناغم غير المفهوم بين كل ما يحيطه والحواس المرتبطة بخصوصية الإنسان المتميز بفلسفته.
وتفكيره واهتمامه بالعاطفة والحب والعلاقات مع الآخرين، بأسلوب لا يخلو من استكشافات متعددة من القدرية الى النهاية الحتمية للاشياء الى الإدراك المتحرك، وصولا الى الصحة العقلية إذ كل شيء يشبه المصحة العقلية من السجون الى المعابد، فالمعارك، وما الناقوس إلّا الوعي المتأخّر عند الإنسان بعد عزلة يمضيها تجعله يعيد التفكير بأحداث حياته التي يكتبها القدر معه دون انتباه منه الى أن يقرع ناقوس النهاية
بيديه.
فهل رمزيّة نبتة الهندباء الصفراء هي المرض الذهني الذي يشكل نوعا من العودة إلى الذات. ام هي الزهرة البيضاء في شتائها حيث تتحول زهرة الهندباء في نهاية عمرها الى اللون الابيض، والتي لم تعترف بوجودها زوجة العقيد الركن في القوات البرية كيزاكي ماسايوكي الذي حاول انهاء حياته مأزوما من خسارة الحرب اليابانية التي اشار اليها ياسانوري كاواباتا بالناقوس و"كيف أجبرت المعابد على تسليم نواقيسها للجيش خلال الحرب"، فهل من ناقوس فعلا رنينه يطوي المسافات؟، أم أنّنا نقرع الناقوس عند الإحساس بالألم والخسارة والحزن؟.
رواية تعالج النفس البشرية من خلال الطبيعة ومقوماتها المساعدة على شفاء الإنسان من حالات العمى المستمرة في حياته، إذ يفقد الجزء من الكل خلال الأحداث المؤثرة على حياته.
إن من حيث الصدمات كصدمات خسارة الحرب اليابانية على كل من شارك فيها او خسارة الاهل والاصحاب وحب حياته واضعا "ياسوناري كاواباتا" الميزان الانساني في فلسفات عديدة أهمّها فلسفة "الزن" او الفلسفة التي "تقوم أولا على الشعور بشيء معين قبل استخدامه كمنطلق لسلسلة من الأفكار.
قد يكون هذا الشعور بحدِّ ذاته ساذجا، أو إحساسا بالدهشة أزاء شيء ما يراه معظم الناس معتاداً او
بديهيا".
فهل تقودنا الفلسفات الى الحياة التي تزيل او تشفي العمى؟ ام أن الحالة التي اصابت هيسانو هي عقاب الإنسان للانسان؟.
لم تَرَ هيسانو سقوط ابيها مع حصانه في البحر لأنّها فقدت الوعي.
إلّا أنها رأته بعين مخيلتها وكل من رأي الحرب اليابانية والخسارة التي اصابتها عرفها من خلال المخيلة. اذ لا يصدق جمع النواقيس وتحويل الكم الهائل من المطارق إلى اسهم، واصابة عدد كبير بالتشرّد والموت ومن ثم الاستسلام.
هذا بحد ذاته يصيب اي انسان بالجنون، وهذا ما حدث للعقيد الركن في القوات البرية.
إلا أنّه تراجع عن محاولة الانتحار بعد وصوله الى الشجرة، وربما ايحائيا هي الشجرة المقدّسة في معبد ياباني يقع على سفح جبل أشار له الرواي في المصحة العقلية التي يوجد فيها شجرة حفر عليها المجانين الاسماء او تمّ جرحها بسكاكين من ماتوا دفاعا عن المعابد التي أجبرت على تسليم نواقيسها، وبين المصحة والسجن وأرض المعركة قواسم مشتركة، إذ يفقد الإنسان خاصيته وتفرده، وعالمه الخاص الذي يساعد على تأملات تقوده الى الحقيقية التي يراها في خضم الأحداث المتتالية او وجوده مع الجماعة "المصحة قاع هاوية حيث تتراكم السموم في قلب الإنسان وهي تغلي وتبقبق"، وهذا بحد ذاته مؤذٍ للانسان الذي يمتلك ردَّ قدره او الوقوف في وجه الأحداث الطارئة على حياته فجأة ما لم يربط السبب بالنتيجة او
العكس.
ليشفى مريض الحرب في مصحة هي معبد شهدت الشجرة فيه الكثير من الجروح التي جعلتها تبكي او كما شعر بها حبيب هيسانو؟.