النقّاد العرب.. الى أين؟

ثقافة 2019/01/25
...

عفاف مطر  
بعد تدهور العالم العربي بعد سقوط بغداد على يد المغول بقيادة هولاكو في عام 656 هــ ، 1258م، لا يخفى على أحدٍ أنه أصبح عالماً متلقيّاً، عالم ردود فعل وليس فعلا، بمعنى أننا نجلس وننتظر ما ترسله الأمم الأخرى الينا؛ وهذه طامة كبرى، ولكن الطامة الاعظم، اننا حتى حين نستلم النتاج الثقافي والأدبي من الآخر لا نتفاعل معه بشكل صحيح، ولا بالشكل الذي يساعدنا على استعادة مكانتنا، فبدلاً من أن نستغل ما يصل الينا من الآخرين لنبني انفسنا ونعيد صياغة مفاهيمنا بما يتلاءم مع ما يصل الينا وما وصلنا اليه، ترانا نستعمله ضدنا.
 واخترت في هذه المقالة الحديث عن النقاد، لأن كتابة أي جنس أدبي كالرواية والقصة والشعر والمسرحية...الخ يحتاج ولا يقوم أصلاً من دون الموهبة، لكن النقد، يحتاج الى دراسة وقراءة متنوعة وعميقة، إذ من الممكن للطبيب أو المدرس أو المهندس أن يكتب في أي جنس أدبي من دون التعليم الاكاديمي، وبالقراءة يمكنه أن يطور أدواته، ولا يخفى على الجميع أن الكثير من عظماء الأدب والفن ليسوا بخريجي أكاديميات، لكن النقد حصراً لا يصح الا بالدراسة الاكاديمية، لكن، هذا لا يعني أبداً أنه لا يحتاج الى موهبة خاصة بهذا المجال، بل العكس من ذلك، يحتاج الناقد رؤية عميقة وواضحة وإدراكاً عالياً، ونحن نعلم أن الادارك هو أعلى مستويات الفهم، وهذه محنة الأدب العربي حالياً، إذ تُخرّج كليات الآداب سنوياً مئات بل الآلاف من يفترض بأنهم (نقّاد) لكن، لماذا لا يتطور الأدب العربي بهؤلاء الخريجين وبالنتاج الأدبي المعلب الجاهز الذي يصلنا؟ هل العيب في النتاج الذي يصلنا أم العيب بنقّادنا؟.
 لا يمكننا أن نحكم على التجارب الأدبية العظيمة التي وصلتنا بأنها السبب، فهي بالنهاية كانت سبباً بنهوض مجتمعات بأكملها، مذ اخذ الأدب العالمي وعلى رأسه الأدب الفرنسي دوره في القيادة والتغيير، فكان عاملاً رئيساً في اندلاع الثورة الفرنسية التي غيرت وجه العالم ولم يقتصر على فرنسا فقط. إذن العيب في نقّادنا، ذلك أنهم يحفظون النظريات والمذاهب النقدية تماماً كما كنا صغاراً نحفظ أناشيد مادة اللغة العربية. النقد هي عملية ليست فقط للتقييم، بل للتقويم أيضاً، أي اصلاح الاعوجاج، وليس اطلاق الاحكام فقط، ما يعاب على نقادنا انهم يحفظون النظريات ويدرسون المذاهب النقدية بسطحية، يحفظونها لكنهم لا يفهمونها كما يجب، فيأتي الناقد العربي ويضع ما تعلمه كالمسطرة والقلم ويبدأ يقيس النص الأدبي هل تجاوز الحدود التي قرأ عنها في كتب الجامعة ليضع علامة الـ X بالاحمر على كل التجاوزات، ناسيّاً وليس متناسيّاً أن الابداع هو كسر القيود والتحرر من المعهود، لأنه اكاديمي، فهو لا يصبح ناقداً مخيفاً يهابه الكتّاب إن لم يفعل ذلك.
 النقد علم واسع وكبير، وإذا ما فكرنا، لماذا تظهر بين الحين والآخر نظرية ومذهب نقدي جديدان؟ فهذا ليس الا لمجاراة الابداع المتطور، وليس العكس كما يظنُّ النقّاد العرب. فالنقد هو من يجب أن يعيد قياساته الاكاديمية بين الحين والحين ليجاري الابداع، ذلك أن الابداع ليس له حدود، هو حقل مفتوح، لا يمكن تقييده. ولا نعرف تحديداً إن كانت مشكلة الناقد العربي هو التزامه وتقديسه لما تعلمه أكاديمياً، أو المشكلة تكمن في عجزه عن البحث على آليات اشتغال نقدي جديد، أو عجزه عن تطويع أدواته إن اصرّ على الالتزام بها بما يتناسب مع كل نص أدبي؟ ربما يدلل على ذلك اتفاق أغلب النقاد على رأي واحد بخصوص أي نتاج أدبي جديد، وما على القارئ الا أن يبحث عن رأي النقاد في أي رواية أو قصة... الخ ليجد أن معظم ما يقرؤه عنها متناسخ الى حد كبير، ونادراً جداً، ما تقرأ رأياً نقدياً مختلفاً؛ فمن الاسباب التي أدت الى تفاقم أزمة النقد الأدبي العربي، هو اخراج الناقد من دائرة النقد إذا ما تجرأ واختلف عن البقية. 
اتكاء نقادنا العرب على الخطاب النظري الجاهز واختزال النظريات الى مجموعة إجراءات عمياء، أدت الى ما تعيشه الساحة الثقافية الادبية من تخلف وجمود. يجب أن يدرك النقاد أن الخطابات المكررة والفائضة التي يلقونها والتي لا تتجاوز الشرح والتفسير، لا لزوم لها من الاساس، والمشكلة لا تكمن في غيابها، بل في حضورها اللافت الذي شغل مكان نقود أخرى، الساحة الادبية في أشدِّ حاجة اليها.