الثمن الحقيقي لخط مترو لاهور

بانوراما 2020/12/07
...

سابرينا توبا
ترجمة: خالد قاسم
يعد خط سكك حديد مدينة لاهور الباكستانية مشروعاً ناجحاً لدى المسافرين، لكن المنتقدين يقولون أن وفيات العمال والديون الكبيرة ثمن كبير يجب دفعه، في ظل الوباء العالمي يتجنب الناس من مختلف دول العالم وسائل النقل العام الى أقصى حد ممكن، لكن مدينة لاهور كشفت مؤخراً “هدية الصين” لها بقيمة مليار وستمئة مليون دولار لشبكة النقل بالقطارات، وصمم مترو الخط البرتقالي لنقل نحو ربع مليون شخص يومياً في ثاني أكبر مدينة باكستانية.
احتشد 50 ألف شخص تقريباً وهم يرتدون الكمامات بقطارات مكيفة وبراقة مزينة بالأعلام الباكستانية والصينية للاحتفال باليوم الأول للتشغيل، ويبلغ طول الخط 27 كم وبالتالي هو أحد أكبر مشاريع المترو ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، ما يقلص مدة التنقل عبر المدينة الشاسعة من ساعتين ونصف الساعة الى أقل من ساعة 
واحدة. 
يعد المشروع بتقليص الزحام والتلوث ويوفر طريقة أرخص للتنقل حول إحدى أكثر مدن جنوب آسيا حرماناً من وسائل النقل، وقد مولته الحكومة الباكستانية الى جانب قرض من مصرف إكسيم الصيني، أما تشغيله فيجري عن طريق السكك الحديد الصينية و”نورينكو انترناشيونال”، وهي من أكبر شركات الهندسة الصينية، اضافة الى مجموعة “غوانغزهو مترو” و”دايو 
باكستان”.
تمول الصين عدة خطوط سكك حديد ومشاريع مترو عالميا، فبالإضافة الى باكستان هناك اندونيسيا ولاوس وصربيا وماليزيا وروسيا، وتقول السياسية الباكستانية “كيران دار” أن الفئة الأولى المستفيدة هي النساء لأنهن لا يمتلكن سيارات خاصة بهن عادة، وتبين أبحاث تفوق النساء الباكستانيات على الرجال باستخدام النقل العمومي بسبب عجزهن عن الحصول على اختيارات أخرى مثل الدراجات النارية، وهي أكثر وسائل النقل شيوعا في 
لاهور.
لكن الخط البرتقالي عانى من مشكلات، بدءا من اتهامات بتعريضه مواقع تراث اليونسكو للخطر وصولا الى شكاوى بتهديم الحكومة منازل أصحاب الدخل الواطئ على طول طريق الخط، وتوفي أكثر من 50 عاملا بالمشروع، ما يسلط الضوء على مشكلات العمل بالبلاد وتشمل نمط الاعتماد على عمال غير مستقرين ومتعاقدين فرعيين لمشاريع البنى التحتية الكبيرة، اضافة الى التطبيق الضعيف للقوانين ذات
الصلة.
 
مشكلات كثيرة
وكان مطلع العام 2017  قد شهد وفاة سبعة عمال وإصابة آخرين بحريق مسكن مؤقت يؤوي عمال الخط البرتقالي، كما حصلت سلسلة حوادث بشعة خلال مراحل البناء بدءا من صعق عمال بالكهرباء عند اصطدام رافعة بكيبلات وسحق رجال أثناء نومهم بسبب سقوط جدار 
عليهم. 
وقبل ذلك بفترة كان العمال قد نفذوا اضراباً في تموز 2016 بعد موت زميل لهم، محتجين بأن الحكومة تعطي أولوية لسرعة انجاز المشروع على حياتهم.
يقول نشطاء العمال أن أغلبية الحوادث وقعت نتيجة لكون حركة توظيف العمال لم يكن مصدرها الحكومة أو الصين مباشرة، وانما عبر شبكة معقدة من المقاولين الفرعيين الباكستانيين الذين جلبوا الأيدي العاملة من جنوب ولاية البنجاب بأجور واطئة مع عدم مراعاة شروط الحماية الصحية 
والسلامة.
من جهتها أوضحت سلطة تنمية لاهور المسؤولة عن مشروع الخط البرتقالي بأن تنفيذ قوانين العمل هو مسؤولية المقاولين، بالإضافة الى مشكلات العمال، تعرض المشروع للانتقاد بسبب تكاليفه، اذ يصفه أعضاء من الحكومة بأنه يشبه “الفيل الأبيض”، أي أن اعباءه على خزينة الدولة تفوق منافعه، ومن المتوقع أن يكلف الخط دافع الضرائب أكثر من 30 مليون دولار على شكل
اعانات.
قبيل توليه رئاسة الوزراء انتقد عمران خان الحكومة السابقة لاستثمارها في الخط البرتقالي بدلا من المستشفيات أو أجهزة التنفس، واستنكر قرارها بعدم حماية البيئة ومواقع التراث المهمة خلال
 مراحل البناء.
وفي العام 2018 جعل عمران التفاصيل المالية الغامضة لمشاريع مثل الخط البرتقالي محور حملته لمكافحة الفساد، وأطلق لجنة للتحقيق بكيفية منح العقود والتكاليف المترتبة عليها ومستوى الشفافية.
على الرغم من الانتقادات التي وجهها عمران، فإن البنى التحتية المتداعية وشبكات النقل الرديئة دفعتا البلاد خلال السنوات الأخيرة لجذب أكثر من 60 مليار دولار على شكل قروض صينية لتمويل مشاريع التنمية الضخمة والتي يقول مراقبون إنها ستهوي بباكستان المثقلة بالديون الى مستنقع مالي أعمق، ويعادل الدين الخارجي 45 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي 
لباكستان.
لا يهتم المسافرون من الطبقة العاملة بالحقائق الاقتصادية، لأن المترو يسجل بداية سفر مريح في مدينة ذات مبان خربة وطرق سيئة، ويعد الخط نعمة أيضا لنحو 3700 عامل باكستاني وظفوا 
لتشغيله.
 
عن صحيفة الغارديان البريطانية