حياة الدولة وموتها

العراق 2019/01/25
...

حسين العادلي
* الدولة ظاهرة مجتمعية سياسية تاريخية متغيرة وليست وجوداً ساكناً (ستاتيكياً)، فهي تتقدم وتتأخر، تحيا وتموت استناداً إلى عوامل حيوية مجتمعية سياسية اقتصادية أمنية ثقافية متحركة. وحياة الدولة لا تنحصر ببقائها موحدة أو بموت جغرافيتها السيادية، بل قد تحيا أو تموت الدولة أيضاً باشكال عدة، منها: موت وحدة أمّتها الوطنية مع توحدها السيادي الجغرافي كالنموذجين الصومالي والأفغاني، أو موت وحدة نظامها السياسي كالنموذجين اللبناني واليوغسلافي، أو موت حيويتها ودورها وتأثيرها وسيادتها فتكون تابعة أو مستلبة أو مفعولاً بها كما هو حال العديد من الدول اليوم. لذلك نرى أنَّ بقاء وقوة الدول لا يتعلقان بمساحتها الجغرافية وحجم أمّتها الوطنية وبكم مواردها الطبيعية، بقدر ما يتصل بحياة وحيوية أمّتها ونظامها ودورها في السياسة والاقتصاد والثقافة. 
* موت الدولة وحياتها يستندان إلى عاملين بشكل رئيس: الأول، وحدة وحيوية وخلاّقية أمّتها الوطنية، والثاني، عدالة وحكمة وقدرة نظامها السياسي في الحكم وفي الاستجابة للتحديات القائمة والمحتملة. فإذا ما ماتت وحدة وحيوية وخلاّقية أمّة الدولة فلا بقاء وقوة للدولة، وإن فقد النظام السياسي للدولة حكمة القيادة وعدالة الحكم والقدرة على الإدارة وسرعة الاستجابة للتحديات ومجاراة التطور فستموت الدولة. ألمانيا واليابان خير دليل على ذلك، فهاتان الدولتان هُزمتا كأمّتين ونظامين سياسيين، فماتت دولتاهما باحتلالين شر موتة، لكن سرعان ما أعادتا بناء الدولة المتفوقة المهيمنة، فالأمم الحيّة تعيد بناء الدول بوحدتها ووعيها وحيويتها وبقدرة وحكمة وإدارة نظامها السياسي.
* تموت الدولة وتتآكل أيضاً بموت شرعية سلطاتها، فلن تبقى الدولة وتتكامل بشرعيات التّسلط الوراثي والثيوقراطي والثوري الزائف التي تسلب حق السلطة من الأمّة، ولن تُنتج سلطات الاستبداد والتمييز والمغامرة دولة موحدة وحيوية وفاعلة، والدولة التي تبتلعها الشموليات والأحزاب والقوى المجتمعية مسمّى دولة لا تلبث أن تنهار، وجميع أشكال الاحتكار للدولة عرقياً أو طائفياً أو إثنياً هي دول الإكراه والإقصاء التي تقضي على وحدة أمّة الدولة وتشظيها إلى هويات فرعية متصارعة، وأشكال الحكم غير الرشيد تقود إلى التخلف والتراجع وموت ريادة الدولة وتقدمها.
* تموت الدول أيضاً بالقادة القساة أو غير المؤهلين أو العراة من الوعي والحكمة والطهورية بقادة أممهم ودولهم، وتحيا بآباء التأسيس الوطني والحكم العادل الحكيم. وتحيا وتموت الدول بقدرة أمّتها على إعادة إنتاج ذاكرتها وثقافتها ومناهجها وفق اشتراطات العصر وتطور حركة التاريخ. وحياة وموت الدول مرتبط بقدرة نظامها السياسي على إدارة ثرواتها ومواردها الاقتصادية وتأدية وظائفها من أمن وصحة وتعليم وبيئة وسيادة. 
* تموت وتتراجع الدول بأمّة الأفراد التي لا ترقى لأمّة الدولة، الأمّة المتمردة على الدولة والسالبة للقوة والسيادة من السلطات. وتموت الدول وتتراجع بالنخب الرخيصة والفاسدة وبالأحزاب الشمولية أو العرقطائفية السلطوية، وتتقدم الدولة بمقدار الإلتزام والمسؤولية والطهورية في تعاطي مسؤولي الدولة مع مهامها ووظائفها.
لتحيا الدولة بعنفوان تحتاج إلى أمّة حيوية ملتزمة بالدولة وخاضعة لها، وإلى نظام حكم وطني تشاركي فعّال ومسؤول، وإلى قوى سياسية برامجية لتطوير سياسات ومهام الدولة، وإلى تضامن جوهري حقيقي لجميع بنى ومقومات الدولة لضمان الاستجابة للتحديات،.. وإلاّ  ستموت الدولة كوجود وفاعلية وسيادة، وإن بقيت موحدة.