كيف اقتنى الجيش الأميركي سرّاً مقاتلات {ميغ- 29} الروسية؟

بانوراما 2020/12/21
...

روبرت بيكهيوزن 
ترجمة:  أنيس الصفار 
عندما انهار الاتحاد السوفياتي في اواخر العام 1991 ورثت الدول، التي استعادت استقلالها حديثاً من هيمنة الاتحاد السابق، مخزونات هائلة من الاسلحة التي الجيش الأحمر قد خلفها وراءه.
إحدى اكثر الحالات إثارة للاهتمام تتعلق بالقوة الجوية لجمهورية مولدوفا الصغيرة، السوفياتية سابقاً. كان خزين سلاح الجو التابع لتلك الجمهورية مؤلفاً من 34 طائرة "ميغ- 29" فالكرام، وثماني طائرات مروحية من طراز "مي- 8 هيب"، وحفنة من طائرات النقل، وهي قوة كبيرة نسبياً لدولة صغيرة، ويبلغ تعداد سكان مولدوفا أقل من سكان مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية.
حينها لم تكن مولدوفا قادرة على تحمل نفقات إدامة ذلك الاسطول، وزاد الطين بلة أن الدولة كانت تعيش حالة ركود اقتصادي شديد، وكانت الولايات المتحدة تخشى من أن تعمد مولدوفا الى بيع طائراتها "ميغ- 29" الى إيران، التي قد تستخدمها لتعزيز اسطولها من طائرات ميغ فالكرام، كما خشيت واشنطن من أن تنقل مولدوفا التكنولوجيا الى أطراف معادية، لأن الاسطول كان يضم 14 طائرة "ميغ- 29 سي"، وهو طراز معدل التصميم بحيث يصبح قادراً على حمل اسلحة نووية.
لهذا السبب استخدمت الولايات المتحدة اشد وسائلها فعالية خلال العام 1997 للحصول على طائرات "ميغ - 29" تلك.. وكانت الوسيلة هي المال، فاشترت واشنطن 21 طائرة "ميغ- 29" (منها 14 طائرة من الطراز سي وواحدة من الطراز بي وست من الطراز أي) ثم نقلتها مفككة على متن طائرات نقل من طراز "سي– 17" الى ديتون بولاية أوهايو.
كانت صفقة الطائرات وسيلة ناجعة لضمان عدم وقوعها في يد طهران، ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك، حيث أتاح لواشنطن فرصة تفحص واحدة من أعلى الطائرات، التي صنعها السوفيات تقدماً. مقابل ذلك، حصلت مولدوفا على 40 مليون دولار على شكل مساعدات انسانية مع بعض شاحنات النقل العسكرية ومعدات أخرى غير فتاكة. 
باعت مولدوفا باقي طائرات قوتها الجوية الى أرتيريا واليمن. أما "ميغ- 29" التي فاز بها الأميركان فقد ذاب معظمها في متاهات أسراب الاختبار ومراكز المخابرات والقوة الجوية الأميركية.
 
مقاتلة قاتلة
تعد "ميغ- 29" طائرة عالية المناورة وقاتلة بالنسبة لعصرها، وصواريخها من طراز "آرتشر أي أي 11" كانت متطورة بالقياس الى زمن التسعينيات، بفضل قدرتها على تثبيت نفسها صوب الهدف بمنظومة تعقب واسعة الزوايا، مقارنة بالمقاتلات الأميركية المقاربة لها في الفئة. لكن هذه الميزة لم تعد تعني الكثير لاحقا عندما طرح البنتاغون صواريخه من نوع "أيم-9 أكس" في العام 2003.
كذلك تفتقر طائرات "ميغ- 29" فالكرام الى منظومات إدارة معلومات الملاحة الجوية، بحيث يعلم الطيار ماذا يدور خارج طائرته، أو الى أين هو متجه، لذا كان هذا الطيار مجبراً على إدامة النظر في "خرائطه الورقية" بالمعنى الحرفي للكلمة. والواقع إن طائرة "ميغ - 29" رائعة من الناحية الهندسية، لكنها أمست قديمة عند مقارنتها بطائرات القرن الحادي والعشرين، ما لم يعد تحديثها والارتقاء 
بها.
شاءت الصدفة ايضاً ان يكون 1997 هو العام نفسه الذي حصلت به دولة ثانية من خارج الكتلة السوفياتية على طائرات "ميغ - 29"، وتلك الدولة هي اسرائيل التي استأجرت ثلاث طائرات فالكرام أحادية المقعد لمدة اسبوعين من احدى دول اوروبا الشرقية لم يعلن اسمها. فنظراً لكون "ميغ- 29" هي أرقى المقاتلات التي زودت روسيا بها دولاً صديقة لها، مثل العراق وسوريا، وأرفعها تقدماً كان الاسرائيليون تواقين حتماً للحصول على فرصة لتقييم تلك الطائرة بأنفسهم.
شعر الطيارون الاسرائيليون الذين اختبروا تلك الطائرة بالاعجاب. فرغم اختلافها عن الطائرات النفاثة أميركية الصنع التي اعتادوا عليها، ذكرت تقاريرهم أن طائرات "ميغ- 29" طيعة وسلسة أثناء الطيران، أما اجهزة حاسباتها التي تمكنها من الهبوط، إذا ما واجه الطيار أية مصاعب تحول دون ذلك، فقد كانت ملفتة للنظر بشكل 
خاص.
تشير مجلة "آي أي أف" ان الفضل في هذه الميزة الأخيرة يعود الى منظومة خاصة تجعل الطائرة تستقر، إذا ما أصيب الطيار بالدوار وفقد الاحساس بالاتجاهات وهو معلق في السماء. مثل هذه المنظومات لا وجود لها في الطائرات الغربية، حيث يكون الاعتماد على الطيار وحده للتعامل مع مواقف من هذا القبيل، على حد تعبير المجلة.
أفاد احد طياري الاختبار ان قدرات طائرات فالكرام توازي قدرات طائرات "أف 15" و"أف 16"، وقد تتفوق عليهما أحياناً. فهي عالية المناورة ومحركاتها تنتج قوة دفع أعلى بالنسبة الى وزنها. لذلك يرى هذا الطيار أن على الاسرائيليين توخي الحذر عند مواجهة هذه الطائرة في منازلة جوية، فإذا ما كان طيارها محترفاً عالي التدريب فسيجدون أمامهم خصماً لا يستهان به.
لا غرابة اذاً أن تسعى واشنطن كل ذلك السعي لتقييم هذه المقاتلة المخيفة، وفي الوقت نفسه تفوت على طهران فرصة توسيع اسطول مقاتلاتها. هنالك اليوم مستخدمون لطائرات "ميغ- 29" في مختلف انحاء العالم، ومعظم هؤلاء من اوروبا الشرقية والشرق الأوسط وجنوب آسيا. كما إن بولندا لديها هي الاخرى عدد من طائرات فالكرام تعمل جنباً الى جنب مع طائرات "أف – 16". 
عن موقع "ذي ناشنال إنتريست"