التراثيات والأحجار الكريمة تستهوي مقتنيها

ثقافة 2019/01/27
...

باسم الخاقاني
تعدُ تجارة الأنتيكات والتحف الفنيّة والسلع التراثية في مدينة سوق الشيوخ، من التجارات القديمة والمهمة لما تحمله سوق الشيوخ من بعد تاريخي وحضاري وتجاري ولكونها من المدن التي يقطنها الصابئة واليهود سابقاً والذين تصدروا الأعمال الحرفية والصناعات اليدوية والفخارية والسك والصياغة ولأن المدينة كانت تستقطب التجار من الدول والمدن المجاورة من الخليج العربي والاهواز وتجّار بغداد والموصل والفرات الاوسط وقد سميت  بعض أبرز المناطق فيها على مدن التجار الذين يلتقون فيها مثل ( الحويزة ، والبغادة والنجادة والحسائية والحضر ) فإنها اشتهرت في عهدها القريب بملتقى للتجار والوافدين هذا ما شكل مساحتها الثقافية ووعيها وتنوعها الحضاري واخذت تجارة وجمع واقتناء التحف الفنَية والتراثيات والانتيكات مأخذها في هذه المدينة الجنوبية السومرية .
 
{أطرد زبائني»
أخبرنا تاجر الأنتيكات ظاهر جمعان الذي يتوسط سوق المدينة بمحله العتيق والممتلئ بالتحف والسلع القديمة والأنتيكات والأحجار الكريمة والسجاد والفراش القديم أنه يعمل في هذه المهنة منذ ربع قرن وقال جمعان إنه التحق بهذه الهواية منذ صغره حتى ان بعض السلع طاردها لأكثر من عشر سنوات حتى أقنع أصحابها ببيعها له ، ويعتبر أن هذه السلع مثل عائلته وأولاده ويقول بأنه إعتاد على طرد الكثير من الزبائن الذين يصرون على شراء بعض السلع التراثية والانتيكات التي وضعها للعرض وليست للبيع ولم يبتعهم أيَاها لاعتزازه بها ويعتبر نفسه أنه أكثر تاجر يحزن حين يبيع بعض السلع التراثية حتى يصل به الأمر إلى البكاء على بعض الانتيكات التي عاشت معه طويلاً وقد ابتاعها قسراً.
وأضاف ظاهر أنه حصل على عرض مغر وبأموال طائلة من تجّار من المملكة العربية السعودية على شراء قطعة تراثية عادية وليست ثمينة جداً وهي عبارة عن إناء معدني عراقي قديم يحمل رمزا يشبه الرمز الذي يحمله العلم السعودي الآن لكنه رفض هذا العرض لشعوره بالمسؤولية تجاه التراث الوطني ، قائلاً "إنني لا اريد إخراج أي قطعة تراثية وطنية خارج البلاد.
 
لا تثمن بثمن
سعد الملا  ٤٣ عاماً يقول بأن هوايتي جمع الأحجار الكريمة القديمة والتماثيل والسلع التراثية لاسيما التي تمثل ثقافة مدينتي 
بدأت حين كنت طالباً في جامعة الموصل قبل أكثر من عقدين حينها قد أبهرني أستاذي و الذي دعاني الى بيته الذي اقتطع نصف منه ليجعله كمتحف للتراث الموصلي القديم واللوحات والانتيكات التي تمثل حضارة مدينته أحببت أن أجاريه في الأمر وبدأت أجمع السلع التي تستخدم في الحياة الجنوبية والمضايف العشائرية
وأضاف الملا إنه بدأ بجمع عائلة الدلّة التي تصنع بها القهوة في المضايف العربية (القمقم والثنوة والتلكامة والدلة الصغيرة والمقلاة والهاون الذي يطحن به البُن) 
الى جانب ذلك يقول الملا أنني أشتري السلعة التراثية بالثمن الذي يقدره صاحبها لأنني أعرف بأنها لا تقدر بثمن معين مضيفاً بأن يملك الأن سلع تكفي أن تكون متحفاً كبيراً ولا يقدر بثمن وأنه يملك من المنسوجات القديمة اكثر من ١٢٠ قطعة من السجاد الصغير والكبير والشراشف والاعمال الفنية والمنسوجات اليدوية الصوفية وجمع عوائل السلاح القديم من البنادق بأنواعها والمسدسات والخناجر والمكوار والسيوف القديمة والعملة الحديدية والاواني المعدنية والفخاريات و جمعهم و جعل كل منهم بعائلته.
 
مناهج خارج المألوف
قال علي يعقوب مدرس المادة الفنية في أحدى المدارس القريبة من الأهوار أنه يجمع بعض التحف والأنتيكات والتماثيل والفخاريات والمنسوجات اليدوية ليشرح لطلبته الروح الفنية التي تحملها هذه القطع 
وكم من العناء الذي اصطحب صناعتها حتى أصبحت بهذا الشكل ويعلمهم اسماء بعض السلع التي لم نستخدمها بحياتنا اليومية وكيف كان استخدامها، واضاف يعقوب أن الاحتفاظ بالتراث هو استدعاء للتاريخ ومعرفة الحياة التي كان يعيشها الذين سبقونا في العيش خصوصا وإن ملامح الحياة تغيرت بسرعة فائقة وإن اغلب السلع المستخدمة سابقاً انقرضت وحتى إن الجيل الحالي لا يعرف الكثير من السلع ولا اسماؤها 
وأكد إن بعض الطلبة تعلموا صناعة بعض السلع المشابهة للقديمة وهم في طور البدأ في تشكيل متحف صغير للموروث والتراث وقد بدأوا في جمع آلات صيد الاسماك والحيوانات البرية وبعض الالات المستخدمة في الزراعة ( الفالة ، الجزوة ، والفأس ، والمحراث ، والشباك التي تصنع لصيد السمك) و بعض الاشياء التي تصنع من جريد وخوص النخيل ، وتحمل كل سلعة وحاجة اسم وتعريف عن استخدامها  وأنتقد يعقوب طرق التدريس التي تعتكف على الطريقة الروتينية البدائية وكشف عن ان بعض المدارس لا تجعل لدرس الفنية مكاناً بين دروسها وحسب ما قال إن الدرس الفني يضيف للطالب ثقافة اضافية تفيده في كل حياته وان انتهاجه لطريقة تدريس واقعية كشفت له مهارات طلبته وحبهم لطبيعتهم وانتمائهم لجماليات حياتهم.
 
مهن موروثة
الحجّار علي الناشي (38 عاما ) و مثلما أطلق على نفسه هذا اللقب (الحجّار) نسبةً لعمله في الأحجار الكريمة والقديمة والمسبحات وحسب قوله إنني ورثت العمل وجمع الاحجار أباً عن جد و كشف أيضاً عن إن هناك أحجار كريمة تصل الى ملايين الدنانير وإن بعض المسبحات قد لا يمكن شرائها إلّا من قبل التجّار واصحاب الأموال ومسؤولي 
الدولة. و أضاف إن هناك من يأتي اليه من المدن البعيدة لشراء المسبحات القديمة والاحجار التي يملكها خصوصاً بعد ما رفع صور لبعض الأحجار الثمينة التي يملكها على موقعه على
 الفيس بوك.
وأشار الى انواع المسبحات الثمينة واشهرها (الكهرب )  وهو بنوعيات كثيرة منها الالماني والبولوني والروسي ويتفرع منها المغلف والبلغمي والحجري وكهرب الحشرة ونوع اخر وهو النارجين والمسمى (كشكول) ونوع (الباي زهر ) وأنواع ثمينة أخرى وقال ايضاً إنه حضر إحدى الاتفاقات على بيع إحدى الاحجار الكريمة والتي استخدمت كقلادة بمبلغ 35 مليون دينار عراقي ويعتبر الناشي إن هناك عشّاق وهواة وصلوا الى الادمان لإقتناء الاحجار المميزة وانهم يشترونها بأي ثمن ويعتبرون شراء الحجر المميز عمل يميزهم عن الاخرين .