المقاهي الثقافيّة بين الاستثمار ونظرة المجتمع

ثقافة 2019/01/28
...

بغداد/ ابتهال بليبل 
على مدار السنوات القليلة الماضية، تأسست بعض المنتديات والملتقيات والمنظمات الثقافية التي استعانت بقاعات وأمكنة مجانية لتقديم فعالياتها التي ركزت بالأساس على المنفعة الثقافية للمجتمع، وكان على رأس تلك الأمكنة المركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي.
هذا المركز الذي اتخذ من بناية المدرسة العسكرية التي يعود تاريخها لعام 1879، مقرا له. كما أطلقت الكثير من التجمعات الثقافة فعالياتها في هذا المركز لتستفيد من توافر القاعات لإقامتها بشكل مجاني، ليومي الجمعة والسبت.   
ومع تنامي شعبية المركز الثقافي البغدادي، وتزايد الفعاليات والنشاطات التي تُقام داخل قاعاته، بدأ البعض في استغلال الفكرة أو استثمارها، عبر افتتاح أمكنة وقاعات تُخصص لمثل هكذا فعاليات، إلى جانب قدرتهم على الاستفادة المادية، والتي تشكّل هدفاً لأصحاب المشاريع التجارية، لتشهد شوارع بغداد انتشار ما يُعرف بالمقاهي الثقافية. 
 
مقاهٍ بلبوس ثقافيَّة
ورغم أنّ المقاهي الثقافية لها امتدادات قديمة، حسب الدكتور عبد جاسم الساعدي، مؤسس جمعية الثقافة للجميع، ومقهى نازك الملائكة الكائن في الكرادة، إلّا أنّ مقهى نازك جاء لضرورة ثقافيّة، لأنّ جمعية الثقافة للجميع، بالأساس كانت تمارس دورها في قضايا ثقافية كثيرة، ولذلك كان المقهى ضروري للتواصل مع الثقافة وجمهورها.
يمكن القول إنّ هناك العشرات من أصحاب هذه المقاهي ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين أو مؤسسين لتلك المنتديات والجمعيات، يتولون إدارتها عبر تأجير الكراسي والطاولات والتسويق لمشروبات حارة مثل القهوة والشاي والباردة كالعصائر والحلويات كذلك. 
ولكن بعض هذه المقاهي لم تستمر، كما هو حال أخرى، إذ لم يرتادها سوى القليل من الزبائن، والذين قد لا تكون لهم علاقة بالوسط الثقافي. فعلى سبيل المثال – لا الحصر- مقهى إنانا الثقافي، الذي افتتح العام الماضي في شارع أبي نواس، أغلقته صاحبته الشاعرة ميسرة هاشم بعد شهر واحد فقط. 
إذ تصوّرت أن من شأن الجلسات الثقافية وتنظيم المهرجانات وغير ذلك من الفعاليات أن تساعد في توفير بعض المدخلات المالية عبر حجز المكان أو تقديم المشروبات والأكلات السريعة والتي ستكون أرخص مقارنة مع المقاهي الأخرى. 
لكن الحال بدا مختلفاً، فما يرتاد المقهى من زبائن لا يكفي لتوفير بدلات الايجار، كما اشتكت من أن الكثير من الناس لا يستوعبون فكرة – مقهى ثقافي- وكأنّهم متأثرون سلباً بذلك. 
 
سلوكيّات غير ثقافيّة
أما بالنسبة للتأثر السلبي، فقد يحدث أحيانا كتسمية على بعض الاماكن كالنوادي والمطاعم والتي يبدو تصنيفها ثقافياً، بينما هي بعيدة عن الثقافة أو ما يتعلق بها، أو أن روّادها ليسوا من ضمن شريحة الاوساط الثقافية أو الفنية وحتى الإعلامية.. فعلى هذه الشاكلة، توجد مقاهٍ ثقافيّة افتتحت مؤخراً بالقرب من بعض الجامعات أو الكليات، أصحابها يبحثون عن الزبون المثقف والأكثر تميزا للتعامل معه، ومن ثمّ قد ينجح الامر في تنظيم جلسات ثقافية متنوعة، وبالفعل حدث هذا، ولكن لم يستمر، لأنّ روّاد هذا المقهى قد تغيروا، تقول الدكتورة مها تحسين، وهي أكاديمية جامعية، نفرح كثيراً عندما يتم افتتاح مقهى ثقافي، ولكننا نفاجئ بعد مدة قصيرة، بعدم قدرتنا على ارتياده، لأن طبيعة سلوكيات روّاده لا تناسبنا اجتماعيا. 
وقد يشكّل الشارع أو المكان الذي افتتح فيه المقهى الثقافي تأثيرا سلبياً آخر. فغالبا ما يكون تواجد المقاهي الثقافية في الطوابق العليا للبنايات المرتفعة أو العمارات السكنية غير مستحب، وهو ما قد يؤدي إلى الابتعاد عن زيارتها على نحو كبير. 
أيضا ادراج تسمية مطعم وكافيه ثقافي، تبدو وكأنّها بعيدة عن تحقق الأهداف الثقافية بالفعل عند الكثيرين، رغم أنّ ادارة جلساتها تكون من قبل شخصيات محسوبة على الاوساط الثقافية والإعلامية. ويكمن ذلك في كونها ذات طابع فني - طرب- وتجاري. 
ويقول حازم كريم، متقاعد، على الرغم من أن غالبية الدول مثل مصر ولبنان، إذا ما قلنا عالمياً، لا تزال هذه المقاهي تشكّل مساحة بارزة لمستوى الثقافة والفنون، وترتادها شرائح مختلفة الثقافات من المجتمع، الا أنّنا في العراق، رغم انتشارها، ولكنّها ما زالت تعاني من نظرة المجتمع القاصرة.
فضلا عن ذلك، فإنّ ارتياد هذه المقاهي لا يساعد على تكوين ثقافة، كما يقول كريم الذي تراجعت فترات تواجده فيها، لأنّها صارت بمثابة مكان يجمع روّاد شبكة الإنترنت أو صفحات التواصل الاجتماعي.
بالمقابل، هناك مقاهٍ ثقافيّة في منطقة الكرادة، مثل مقهى قهوة وكتاب، ومقهى رضا علوان تحديداً، أصبحت مصدر إلهام في استثمار فكرتها، وافتتاح غيرها بسبب ما حققته من شهرة. اذ يحرص أصحابها على إقامة الفعاليات والنشاطات الثقافية لرواد المقهى، فضلا عن المناسبات الاجتماعية. تقول سؤدد راضي، وهي رسامة ومصممة أزياء، بأنّها حاولت استغلال فكرة افتتاح مقهى ثقافي لتنظيم مختلف الفعاليات، ولكنها واجهت عثرات، منها المكان، حيث كانت واثقة من عدم قدرتها على إنجاح مشروعها في افتتاح المقهى الثقافي مالم يكن في ذات المساحة التي تتواجد فيها المقاهي الثقافية المعروفة. فغيرها حاول التجربة في مكان آخر، ولكنه فشل، حسب راضي.