الخدمة الاجتماعية البيئية وتداعيات فيروس كورونا

اسرة ومجتمع 2020/12/27
...

 أ.م.د. مروج مظهر عباس

 
 
تعد البيئة كل ماهو خارج عن كيان الانسان وكل ما يحيط به من موجودات، تشمل الهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه والأرض التي يسكن عليها ويزرعها، وما تحيط به من كائنات او جماد،أي انها الاطار الذي يمارس فيه الانسان حياته وانشطته المختلفة، يستمد منه قوته وأسباب نموه الفكري والمادي والأخلاقي والاجتماعي والروحي، بما يمتلكه من خصائص بايولوجية تميزه عن بقية المخلوقات ليعيش في مستوى طاقة احتمال بيئته، الا ان التقدم الكبير الذي احرزه الانسان في مجال العلم
 والتكنولوجيا. 
أدى الى احداث خلل وتدهور في مكونات البيئة، فضلاً عن السباق في مضمار الصناعات العسكرية والأسلحة الكيمياوية والمفاعلات النووية، الذي اصبح يتعرض للانتهاك والاستنزاف بقسوة وارهاق أدت الى ظهور مشكلات هددت سلامة الحياة البشرية، وقد تنوعت وتشعبت هذه المشكلات مع تنوع وتشعب النشاطات البشرية التي تتجه للبيئة باستمرار، لاشباع العديد من رغبات واحتياجات النوع البشري، فكانت النتيجة ظهور فيروس احدث هزة قوية في مجتمعات الرفاه بشكل خاص، وانعكست آثاره السلبية في الحياة البشرية للكرة
 الأرضية.
 لذلك يخطئ كل من يظن ان مشكلة البيئة ذات شأن محلي أو مشكلة محلية، لأنها في الحقيقة لا تخضع لنظام إقليمي، وإنما مفتوحة وذلك ما يجعلها مشكلة دولية تسهم فيها جميع الدول، تأثراً وتأثيراً، وبذلك اصبح موضوع البيئة وضرورة المحافظة عليها امرا حيويا في وقتنا الحاضر، فلم يعد ينظر اليها بأنها مشكلة محلية، بل ان تزايد الاهتمام العالمي بالبيئة له ما يبرره سياسياً وعلمياً واخلاقياً. 
لذا فالخدمة الاجتماعية كمهنة إنسانية في ظل هذه الظروف الراهنة تسعى الى تزويد الدارسين والباحثين بمجموعة من المهارات والقيم للتعامل مع المشكلات الاجتماعية المعاصرة في محاولة التدخل للتأثير الإيجابي في العلاقة بين الانسان وبيئته الطبيعية، من حيث إن نوعية الحياة الراهنة والمستقبلية تعد مسؤولية البشرية جمعاء، فكل فرد يأخذ دوره مهما كان بسيطاً في مجال حماية البيئة ورعايتها، نظراً لما تواجهه البيئة من تهديد بمختلف اشكاله وصوره، فقد أدت أنشطة الانسان الصناعية وطموحاته الاقتصادية ونماذج التنمية الخاصة وعدم المساواة في توزيع الموارد، فضلاً عن التلوث النووي والصناعي وانماط الاستهلاك في البلدان الصناعية والنامية على السواء وانفلات النزعة الاستهلاكية، وشدة الفقر الى تهديدات مستمرة للطبيعة كما تهددها الفئات المستضعفة، بسبب الطمع او قصور المعلومات او مجرد البقاء على قيد
 الحياة.
هذا الخلل في التوازن البيئي، اشارت اليه في الوقت الحاضر العديد من الدراسات والتقارير والمشاهدات الحية لما نتج عنه من خسائر فادحة ومخاطر صحية تعرضت لها الكرة الأرضية، بسبب سوء التعامل مع البيئة، فعلى النوع الإنساني يقع عبء الحفاظ على البيئة، والاختصاصيين الاجتماعيين بحاجة ماسة للعمل مع الجماعات والمنظمات الموجودة في المجتمع ووضع خطط للتحسين الايكولوجي، للحد من الآثار السلبية لفايروس الجائحة وبيان مخاطره على الأنواع الحية، لاسيما البشر أنفسهم، لعل في ذلك فرصة لإعادة النظر في العلاقة بين الانسان والبيئة، لتبني قيماً بيئية جديدة على أساس الفائدة المتبادلة، كي تبقى البيئة موطناً مريحاً وحانياً على الافراد مستقبلاً، لأنها مصدر عناصر الثروة للإنسان والاهتمام بها ضرورة تقتضيها الحتمية التنموية والحتمية الأخلاقية والحتمية الاجتماعية، فالاوساط الدولية تولي اهتماماً كبيراً عن طريق ما طرحته المؤتمرات والندوات، التي عقدتها في معظم الدول برعاية منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، لزيادة الاهتمام بالجيل الثالث من الحقوق، بوصفها من التطلعات العالمية المشروعة للبشرية، الا وهي الحقوق في السلم والتنمية والبيئة النظيفة، فضلاً عن الصحة البدنية وغيرها من الجوانب المهمة المؤثرة في قيمة الحياة ونوعيتها، ومايشهده العالم اليوم دليل وتأكيد يتزايد الاجماع عليه ويتنامى الادراك، بأن حياة الانسان ورفاهيته ترتبطان اشد الارتباط بمصادر البيئة
 وصحتها. 
وعليه يسعى الاختصاصييون الاجتماعيون في اغلب الدول التي تعرضت لفيروس كورونا الى ممارسة عملهم مع المتأثرين به، لأن قيمة الحياة ونوعيتها من الاعتبارات المهمة لتحقيق ما تسعى اليه الخدمة الاجتماعية من مبادئ، لايقاف الضرر الواقع على البيئة او إصلاحه قدر الإمكان ببرامج تعليمية شاملة على المستوى الرسمي وغير الرسمي، فضلاً عن تنظيم حملات للدعوة في مجال حماية البيئة بتنسيق جهودهم مع جهود الآخرين لإدراك مدى جسامة هذا التحدي الذي يواجه
 الإنسانية.