حيوانات محنطة من البيئة العراقيَّة

ريبورتاج 2020/12/28
...

تصوير: رغيب اموري كاظم لازم 
 
ضم متحف التاريخ الطبيعي منذ تأسيسه عام 1946 الكثير من المجسمات لحيوانات برية محنطة، لأعداد كبيرة من الحشرات والنباتات والأسماك التي تمثل الحياة الفطرية في العراق، حين بدأ رحلته العلمية منذ سبعينيات القرن الماضي الى مناطق الاهوار المختلفة ليجمع عدد اساتذته، والمشرفين على ابحاثه موثقين الاحياء الموجودة في بقاع الاهوار مع اختلاف طبيعة الامكنة وتضاريسها المتنوعة، ليتحول ومنذ مطلع عام 2020 الى مركز بحثي بامتياز من خلال الدراسات والبحوث العلمية التي يتناوب على تقديمها عشرات الطلبة برسائلهم الاكاديمية.
وكذلك الزيارات الميدانية لوفود اجنبية واعلامية اشادت بمنجزاته، وما حققه من تطور ليسجل علامة فارقة في المشغل العلمي المعاصر رغم الظروف التي مر بها العراق ومؤسساته في السنوات الاخيرة.
 
رحلة علميَّة
المتحف الذي يقع في مجمع الكليات في الباب المعظم ويعد احد تشكيلات مركز بحوث جامعة بغداد، تحدث عنه مديره الدكتور رزاق شعلان ليقول:"مر المتحف الذي يضم ويطمح بالتطورالاحيائي والبايولوجي وعلاقته بالطبيعة والمكونات غير الحية، منذ تأسيسه وحتى الآن بمراحل وفترات ذهبية، وصولا الى الأزمات التي مرت به عام 2003 عندما تعرض لعمليات نهب وسلب، ادت الى تحطيم الكثير من النفائس والمقتنيات التاريخية، وسرقة نماذج من الحيوانات المنقرضة، فالمتحف يضم اقساماً متعددة فيها الحشرات والفقريات، واللافقريات والاسماك والنباتات والبيئة، ودمج مع علوم الارض لينشر بحوثه ودراساته من خلال مجلة التاريخ الطبيعي، وهي مجلة متخصصة تأسست عام 1961 وحققت عبر صفحاتها بالكائن الحي والتنوع البايولوجي بكتابها ورصانة ابحاثهم العلمية من اجل نشر الوعي والحفاظ على التنوع 
الاحيائي". 
وعن مشاريع المتحف المقبلة اضاف"نعمل على تحويل المركز الى معهد للدراسات العليا للتاريخ الطبيعي، وانشاء حديقة للحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض".
 
منظومة بيئية 
التدريسي في قسم الابحاث في بالمتحف محمد عناد غزوان تحدث عن بيئة العراق الجبلية، والصحراوية والرطبة، والتي تشمل الاهوار وتضم انواع الجاموس العراقي، والذي كان يصنف بأن اصوله هندية، اذ قال:"ما تتمتع به الاهوار من شمس ومياه وتربة غنية، ونباتات طبيعية وطيور مهاجرة، وتتجمع بها الاسماك التي لم تكلف احدا شيئا في تواجدها وتغذيتها وتربيتها، وابرزها البني والشبوط، والجري والكطان، وتهاجر في موسم التكاثر لتعود من جديد الى 
الاهوار". 
متابعاً "ومن اجل الحفاظ على سلامة النظام البيئي لان حدوث أي اختلال في توازن نوع معين يؤثر في  النظام ككل، فهناك العديد من الانواع المهددة بالانقراض من الاسماك والجاموس والاوز العراقي والبط ومالك الحزين، وكلب الماء والقوارض، ومن البرمائيات والزواحف ومنها، الضفدع والسلحفاة المائية وفرس الماء، ندعو الوزارات المختصة ومنها الزراعة والبيئة والموارد المائية، للتدخل والاهتمام في ديمومة حياتها البيئية".
 
نواة المتاحف الطبيعية
عندما بدأت الاصوات تعلو في القرن الثامن عشر مطالبة بانشاء متحف جماهيري، ولضرورة توفير التعليم للجميع بسبب قناعة الناس انذاك، تم افتتاح المتحف البريطاني "بلومز بري" في لندن، والذي كان يضم ويعرض النباتات وعينات غريبة ومخطوطات، فضلا عن الحيوانات، ومن هذا المنطلق تم افتتاح متحف العلوم والذي تم عبره نقل مجموعة من الحيوانات والنباتات من المتحف البريطاني الى "ساوث كينزينجتون" فاصبحت بذلك نواة متحف التاريخ
الطبيعي. لذلك فان قاعة المتحف بمعروضاتها شكلت صرحا علمياً وسياحياً وخدمياَ لطلاب العلم وذلك لزيادة المعارف الطبيعية فضلا عن الفائدة العامة لما فيها من ترفيه، فالنماذج التي يحتويها المتحف من الفقريات واللافقريات والحشرات والاسماك والنباتات والنماذج الجيولوجية التي يستمتع بها الزائر وطريقة عرضها الكلاسيكي، اذ صنعت من الخشب بشكل انيق تعطي للعينة المعروضة ابعاد العرض الواقعي، اذ ان هذه العينات التي جمعت خلال مايزيد على سبعة عقود يبلغ عددها عشرة آلاف نموذج والتي تكون ذات قيمة علمية كبيرة، فضلا عن النادرة منها والتي تشكل خزيناً بايولوجياً وفنياً للبيئة العراقية، وادارة المتاحف التي حرصت على زيادة النماذج الطبيعية، اضافة الى النماذج وهياكل جديدة في المواد المستخدمة التي اضيفت الى المتحف والتي ستحقق الجذب العالي للزائرين جمالا سيستمتع به الزائر وتزيده معرفة وعلما.
 
بحوث ودراسات 
الدكتور محمد كاظم من جامعة اوروك الاهلية تحدث عن اهم البحوث والدراسات المنشورة في المجلات المحلية والعالمية عن بيئة الاهوار، قائلا:"رحلتي مع البحوث بدأت عام 1976 عندما قمت بالعديد من السفرات العلمية الى الاهوار، وصولا الى مشاركتي في كتابة الملف الطبيعي لترشيح الاهوار على لائحة التراث العالمي، واستمريت لمدة سبع سنوات في العمل الميداني والبحث والورش الفنية بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية، لنصل في النهاية الى ادراج هور الحويزة في ميسان والاهوار الوسطى، وهور الحمار الغربي في ذي قار، وهور الحمار الشرقي في البصرة، اضافة لادراج المدن الاثرية مثل اور واريدو والوركاء على لائحة التراث العالمي، لأكتب العديد من البحوث التي تخص بيئة الاهوار وجفافها، وانقراض بعض انواع الاحياء بفعل الحروب، كما اكدنا من خلال بحوثنا على تزويد بيئة الاهوار بالمياه العذبة بما يكفيها، اذ كان للسدود التركية اثر في ينابيع دجلة والفرات، والتي ادت الى نقص كميات الماء الواردة للاهوار، ما يؤثر فيها مستقبلا".
 
بيئة الأهوار في التشكيل العراقي 
ان العلاقة بين الفن والبيئة علاقة جدلية، إذ ان للفنان علاقة بالبيئة في العمل الفني والطريقة التي تتم بها صياغة الارتباط، اذ تشكل البيئة جانبا في التعرف على العالم الخارجي، هذا ما قاله التدريسي وفنان التشكيل في متحف التاريخ الطبيعي وعد عدنان محمد القيسي عن بيئة الاهوار، ومدى تأثير صناعة العمل الفني، سواء كان نحتيا او تشكيليا، ليوصفها بأنها اهم المرجعيات التي تضغط على وعي الفنان وفق اطر تتناسب مع مداركه، يضاف اليها التقنية في العمل الفني وادواتها الخاصة، ومنها الاجرائية العملية والحسية د. عدنان عن كتابه الموسوم "سحر الاهوار"، قراءة فنية وجمالية للفن التشكيلي المعاصر، قائلا" ان الارتباط مع البيئة يؤكد عنصر الصعوبة والخصوصية في العمل الفني والثقافي، لذلك يعمد الفنان على توظيف القصب والمشاحيف فوق سطح العمل الفني، وخلق اشكال وبناءات بصرية غايتها اثارة الدهشة ومنح المشاهد حالة من السحر مع الطبيعة، وكان معرضي الشخصي الاول مع الفنان محمد القاسم عام 2004 والذي اطلقنا عليه اسم "بكاء القصب"، فتم خلاله جمع مادة القصب مع ثياب النساء، وسط الكائنات والنباتات لتشكل هارمونا تذكارياً وجمالي". ليؤثر المؤلف وعد عدنان تأثير الكثير من الاعمال التشكيلية لفنانين عراقيين في ذاكرة من شاهدها، ومن هؤلاء سعد الكعبي، وعلي التاجر وحميد العطار، وصالح القرغولي، وعلوان العلواني اضافة الى رائد التشكيل حافظ الدروبي، الكتاب قال عنه الاكاديمي د. نجم حيدر أنه سياحة مرئية جمالية.