لو لم تكن هناك 2020؟

ريبورتاج 2020/12/30
...

 ذو الفقار يوسف
 
قد يجد الكثير أن النظر الى الماضي امر لا مفر منه، انه حقبة الاحاسيس والمشاعر التي لا نستطيع التحكم بها، انه عناصر القلب التي اكتظت بالندم والذكريات والوجع والسعادة، فالامس ما زال يلازمنا في لحظاتنا هذه وما بعدها، انه بداية النظر واللحظات الفاصلة للروح لكي تتنفس، لتنتهي الثانية قبل أن نفكر بنهايتها، ولكن كيف لنا الاستفادة منها، وأن نتعلم أن نكون افضل في كل شيء، الا نتذكر ماضينا الا بجعله منصة للارتقاء والتطور، ولا نجعله وسادة للندم الذي سيتكرر ما ان اعتدنا على الاستسلام له.
الماضي بتفاصيله يحدد من نحن، هذا ما تعلمناه من الحكم والقصص والعبر التي سمعناها وعشناها، وكما قيل "إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك"، لذلك لابد لنا أن نستذكر بعض ما مررنا به في عامنا المقبل على الانتهاء، لنكون جادين اذا اردنا السيطرة على ايامنا المقبلة، وأن نكون اهلاً لما يريده الماضي منا، لنؤكد ضرورة وجوده في تعليمنا لما يجب أن يكون 
الغد.
 
خيال الحرية
يعتكف احمد تحت قبة غرفته ممسكاً بكتاب التأريخ، لم يكن يعلم بثقل فحواه، انه يقرأه فقط للحفظ، ليواجه اسئلة مدرسه التي وضعها له، ليبين لطلبته ما هو قادر على فعله، واعني بذلك التاريخ، احمد زاهر (22 عاماً) توقف عند احدى صفحات الكتاب، يشاهد هذه الجمل التي جعلت شعرات يديه الفتية تنتصب، انه يقرأ عن حضارة العراق وتراثه وامجاده، قرأها مجددا ليؤكد لناظريه بان ما قرأه حقيقي، تسمرت عيناه على سقف الغرفة، ليخطو نحو خيال لا نهاية له، ليبتكر رؤية سينمائية عن حضارة بلده، فحسب قوله "ان الامر لا يكاد أن يصدق، فكيف نكون اصحاباً لهذه الامجاد ونحن في الهاوية، حتى وان تعلمنا في كل سنة شيئاً ما يصلح من حال البلد، لكننا الآن افضل بلد في العالم"، انه يمر بحقبات وازمان مختلفة ليصل الى الاجابة، لقد كانت الصور تحفر في خياله لتصل الى عمق الوجود، اخافه الامر ليجعله يغلق عينيه ويعود الى حاضره الممزق، فهو لم يتعلم الى الان اي شيء بسبب ما مر به البلد من ازمات، اذ الاحتجاجات كانت في بداياتها لذلك فهو يتعلم في المنزل، اغلق الكتاب وذهب ليبحث عن مستقبله مع اقرانه الباحثين.
 
نور الماضي وضوء المستقبل
وكما ذهب احمد، ليبحث عن مستقبل لا يعرفه، اقتضى الامر لرائد الربيعي (33 عاماً) أن يذهب في رحلته ليبحث عن عمل يشبع به بطون اطفاله الثلاثة، فحسب قوله انه وبالرغم من حبه لأطفاله، الا انه يتمنى عودة الماضي لكي لا يخطئ في انجابهم، ليقول بحسرة صداها الهم " انني كعامل في سوق الشورجة اجد من الصعب توفير حياة لاسرتي، اذ ان العمل الان غير مستمر بسبب الاوضاع في البلد"، يكرر رائد جملته "اشتغل يوم واكعد عشرة"، وهذا الامر يحد من حالته المادية، العمل نادر في هذه الايام، لذلك التشبث بأي مهنة هو امر في غاية الذكاء، فالفرص والاختيارات شبه معدومة حسب قوله، ويضيف الربيعي " أنا اخاف النظر الى الامس، لذلك في كل لحظة اتمنى أن يكون القادم افضل لي وللعراقيين الذين لم يختبروا غير الخيبات، فالاقتصاد قد دمر، والحكومات غير قادرة على النهوض بالبلد، واذ ما قارنا السنوات السابقة من حياتنا فقد نراها افضل مما نراه في هذه الايام".
يفرض رائد حججه واسبابه لكره ما هو آت ليمنعنا من التفاؤل، ان الحديث في هذا الامر وحده كفيل بأن يجعلنا تحت رحمة الحزن، فهو انموذج حي لغد عشناه وغد سنراه، ولعل الاحباط الذي ارتبط بلسان رائد هو واقع لابد لنا من تقبله.
 
لو
ورغم حجج وبراهين رائد لمستقبله كمواطن، رسمت على جباه المواطنين كلمة من حرفين، فهي تفيد التمني، وما اكثر الامنيات في وطن تهزه الازمات في كل يوم، ان العراقيين قد اعتادوا على اطلاقها في احاديثهم بالرغم من معرفتهم بما هو قادم، فالاحداث خير شاهد على مستقبلنا، ولم الخوف من الحقيقة، ردد علي الكرادي (41 عاماً) هذه الجملة على مسامعنا، وقال: "كيف لنا أن تخفي توقعاتنا عن الغد، النظر الى المستقبل ومعرفته هو امر سهل بالنسبة للعراقيين، الا ان هذا الامر هو ما يجعلنا اقوياء، أن نعرف الآتي، وأن نتعلم مواجهته والصمود امامه، واني متيقن لو لاقى شعب آخر ما لاقيناه في الامس، لاختفى عن الوجود، فنحن شعب التحمل والاستمرار، فهذا ما تعلمناه من ماضينا، هذه امجادنا وحضارتنا وارثنا، لذلك سنكون اهلاً للغد ونحن نقف كما اعتدنا رغم 
الويلات".
يؤكد علي " ان القادم مهما كان لن يغير آمالنا في مستقبل يليق ببلدنا، لذلك نأمل أن تتحقق احلامنا لنكون بلد كلمة "قد فعلنا" وليس كما اعتدنا أن نقول "ماذا لو؟".