من الصعب بمكان لأي كتاب أو دراسة حول المتوالية القصصية إغفال كتابين، أما الأول فهو (واينزبيرغ، أوهايو) للروائي الأميركي (شيروود أندرسون) الصادر عام 1919، وأما الثاني فهو (تمثلات المتوالية القصصية الأميركية في القرن العشرين) للناقد (فورست إنجرام) الصادر في 1971 وهو أول كتاب نقدي مؤسس لدراسة هذا الجنس الأدبي.
عدَّ (إنجرام) كتاب (وايزنبيرج، أوهايو) أول متوالية قصصية وتابعه في ذلك كل من درسها بعده، لكن المشكلة التي واجهت النقاد منذ صدور الكتاب هي إجابة السؤال حول المصادر التي استلهم منها أندرسون فكرة الكتاب الذي يعد أهم ما أنجزه، بل ربما يمكن عده مفصليا في تطور الأدب الأميركي الحديث.
يشير عنوان الكتاب إلى مدينة أميركية في ولاية (أوهايو) تدعى (وايزنبيرغ)، وهي مدينة لا وجود لها، اختلقها أندرسون ووضع فيها شخصياته. ولا أحد ممن درس هذا الكتاب استطاع القطع بسبب التسمية، غير أن كثيرا من النقاد، ومنهم والتر رايدوت يرون أن كل سمات مدينة (وايزنبرغ) الصغيرة تطابق مدينة (كلايد) التي قضى فيها الكاتب سنّي طفولته.
يتألف كتاب (شيروود أندرسون) هذا من اثنتين وعشرين قصة قصيرة مستقلة بذاتها، إحداها وهي (قدرة الله) تتألف من أربعة أجزاء، وكان أندرسون قد نشر ثلاثا من قصص الكتاب في صحيفة محلية عام 1915.
تدور أحداث القصص جميعا في مدينة (وايزنبرغ) التي اختلقها الكاتب، وتركز كل قصة على شخصية وهي في بيتها شاعرة بالعزلة وانعدام القدرة على البوح أو التواصل مع الآخرين الذي لا تتيحه الحياة في هذه المدينة، وهذه هي الثيمة الرئيسة لكل القصص التي كتبت بتقنية الراوي العليم الذي يتيح لنفسه أحيانا أن يتدخل ويعلق.
ومع أن كل قصة تركز على شخصية واحدة فإن مجموع الشخصيات التي تظهر في القصص أكثر من مئة شخصية، معظمها يتكرر ظهوره في أكثر من قصة، فشخصية (جورج ويلارد) الصحفي تظهر في (١٨) قصة، وتظهر أكثر من ثلاثين شخصية في خمس قصص أو أكثر، لكنّها لا تكون شخصية رئيسة إلّا مرّة واحدة.
وعند صدور الكتاب لقي اهتماما كبيرا من النقاد في وقته، حتى بيعت ثلاثة آلاف نسخة منه في سنة واحدة، لكنهم اختلفوا في تجنيسه، فهناك من عده شكلا جديدا من الرواية، وهناك من قال إنه عمل يقع بين القصة القصيرة والرواية، لكنهم لم يختلفوا في أهميته، وقال عنه الشاعر (هارت كرين) المعاصر لأندرسون وابن مدينته: "إن على أميركا كلها أن تقرأ هذا الكتاب وهي جاثية على ركبتيها".
تأثر بالكتاب جمع من أدباء ذلك العصر الذين كثيرا ما يطلق عليهم تسمية الجيل الضائع.
فقد أصدر (جين تومرز) كتابه (كين) على غرار كتاب أندرسون عام 1923، ونشر همنجوي كتابه (في زمننا) عام 1925 (ولا علاقة له بالمجموعة القصصية المنشورة باللغة العربية بترجمة سمير عزت نصار بالعنوان نفسه، بل المقصود هنا كتيب صغير يتألف من نحو عشرين قصة قصيرة سمّاها همنجوي فصولا، بالنظام الذي ابتكره أندرسون). ونشر فوكنر كتابه (إهبط يا موسى) عام 1942، ثم توالت الإصدارات بحيث أصبح من الصعب وضعها في تسلسل تاريخي دقيق، وممن كتبوا أكثر من عمل بهذه الطريقة (جون شتاينبك) لكنه واحد من مجموعة كبيرة من الكتاب
الذين تأثروا بعمل شيروود أندرسون.
عد (فورست إنجرام) في كتابه المهم (تمثلات حلقة القصة الأميركية في القرن العشرين) كتاب أندرسون (وايزنبيرغ، أوهايو) أول متوالية قصصية في الأدب الأميركي الحديث، وخصص لدراستها ما يقرب من عشرين صفحة في كتابه الصادر عام 1971، وغني عن الذكر أن إنجرام هو من اقترح تسمية (حلقة القصة القصيرة) وتعامل معها على أنها جنس أدبي مستقل.
بعد مئة عام من صدور (وايزنبيرغ، أوهايو) بوصفها متوالية قصصية، وبعد صدور آلاف المتواليات القصصية، ومئات الدراسات التي تعاملت معها على أنّها جنس أدبي، ما زال عندنا من يدعي أنه أوتي العلم كله، فينكر وجود جنس أدبي بهذا الاسم، كمن ينكر الشمس في رابعة النهار.