هيئة الآثار: لدينا مواقع أثريَّة ستنضم إلى لائحة التراث العالمي

ريبورتاج 2021/01/05
...

   سها الشيخلي 

قامت على ارض بلاد الرافدين حضارات عريقة ذات طابع وطني، وكانت لها منجزات في كل مناحي الحياة، كالتشريعات والثقافة والفنون عبر مكتبات ضخمة خلدتها عبر الرقم الطينية، اذ عكست مستوى الحياة في ارضنا المعطاء في التقدم الفكري والثقافي والعسكري بقيادة رجال افذاذ وشعب تواق للحرية، فكانت حضارة سومر واكد وبابل وآشور وكنوزها التي  ضمتها متاحف العالم، ومنها متحفنا الذي بني عام 1924، الا أن ايدي السراق امتدت لماضينا، كما امتدت لحاضرنا، اذ ان زيارتنا لمتحفنا اشرت لنا الكثير. 


تحدث لـ "الصباح" رئيس هيئة الآثار والتراث الدكتور ليث مجيد حسين، عن عدد المواقع الاثرية  فقال :"عدد المواقع المسجلة اكثر من (9) آلاف موقع، لكن هناك اكثر من 4 - 5 اضعاف هذا العدد في بلادنا، فالمواقع الاثرية منتشرة من شمال الوطن الى جنوبه، وتعد بالآلاف ونحن مستمرون الى اليوم باكتشاف المواقع، وتسجيلها في جريدة الوقائع العراقية، لكي نضفي عليها الصفة الرسمية".
 
مداهمة
واشار الى  أن "ما تمت سرقته اثناء احداث عام 2003 كان باعداد كبيرة تم ارجاع بعضها، الا ان هناك العديد من القطع الاثرية لم تسترجع للمتحف،  والعدد التقريبي لتلك السرقات هو 7-6 آلاف قطعة، تم استرجاع اكثر من (4) آلاف منها، وتعود هذه القطع الى حقب تاريخية مختلفة، منها السومرية والبابلية والآشورية وحتى الفترة الاسلامية، ولا احد يعلم حتى الآن من هي الجهات التي حرضت على سرقة تلك الآثار وداهمت متحفنا الكبير في بغداد، كما لم يتم التحقيق في السرقات والجهات التي تقف وراءها، بل هناك بعض الضباط الاميركيين نشروا مذكراتهم وتحدثوا عن قصص الحادثة في الوقت الذي لم تكن هناك اية قصة حقيقية رسمية عنها".
 
نبش المواقع
ولفت الدكتور حسين الى "ان نبش الآثار لدينا ليس جديداً، بل حتى في الازمنة الغابرة كان هناك نبش وسرقة للآثار، والنابش دائماً يبحث عن وجود كنز في المواقع الاثرية، ولكن بسبب عدد المواقع الهائل نحن لا نستطيع أن نضع حراسات من افراد عدة على كل موقع، ولكن يجب أن تكون الحماية ذاتية من شباب المواقع، وقد التقيت قبل ايام معهم، وقلت لهم يجب أن توعوا المجتمع، وأن تكونوا انتم الراصدين لاي تجاوز يتم على الآثار والمواقع، وبالضبط  الشباب الواعي الآن صار يرفض هذه الممارسات، وصار يبلغنا عن كل التجاوزات التي تحدث، وكل دول العالم قد تضافرت جهودها مع العراق لرصد اية قطعة اثرية يحملها شخص، وتتم مصادرتها ويتم تبليغ الحكومة بها، وتتم اعادة القطع الاثرية الى هيئة الآثار وهو تعاون يشكرون عليه". 
 
تاريخ أمة
واشار الى أن "الشباب واعون بأن كل الآثار وفي مختلف الحقب ينظر اليها على انها تاريخ وتراث امة مهما كان لونها، فهم يعلمون ان حضارة البلد متنوعة، فالعراق بلد التنوع ولا نستطيع أن نقول انه بلد (اسلامي) فقط، فالمسيحيون هنا والايزيديون والشبك والكل شركاء في هذا البلد، وهذا هو ازدهار العراق بالتنوع الذي يوجد فيه، وتم منع التجاوز على الآثار وحرمتها، سواء كانت اسلامية او غيرها، وممنوع الاتجار بالآثار وهذا موضوع ثابت".
مبيناً "ان سرقة الآثار صارت منظمة دوليا، وصار حالها حال العصابات الدولية تهرب الآثار لكل دول العالم، بل حتى الآثار في اوروبا حتى اليوم تسرق وتهرب، وليس في بلدنا فقط بل في دول الجوار والدول العربية، وهناك عصابات دولية منظمة تقوم بالاتجار بالآثار وتوجه العصابات الى كل دولة لغرض تهريبها الى الخارج، وواجبنا الحفاظ على آثارنا، كونها هوية البلد، وعند السرقة سيفقد البلد حلقة من تاريخه، وقد نستطيع أن نكمل هذه الحلقة عند العثور على الموقع الاثري الخاص بها".
 
التراث العالمي
واوضح "أن لدينا (6) مواقع دخلت التراث العالمي ومنها (الحضر، آشور، الاهوار، بابل) ولدينا الآن (12) قائمة تمهيدية ستنضم الى لائحة التراث العالمي في المستقبل، وهذه المواقع ستتضافر فيها الجهود بين الآثار والسياحة لكي تكون هناك استثمارات سياحية، والآن العمل جارٍ في منطقة الاهوار على السياحة الآثارية لاقامة منشآت خاصة، منها فنادق وملاعب، اذ ان الآثار والسياحة بينهما ارتباط كبير واحداهما تكمل الاخرى، والتعاون بيننا لم يتوقف ابدا ونحن الآن في طور تنشيط وتفعيل الدور الآثاري وتضافر الجهود مع السياحة، واكد ان للآثار رسوم جباية الا انها تذهب الى وزارة المالية". 
 
المتحف الكبير
وبين "أن المتحف العراقي الكبير سوف يتم تفعيله عن طريق تخصيص قطعة ارض كبيرة، اذ ان متحفنا الآن مكانه ضيق جدا على ما هو موجود فيه من آثار، ونطمح ونأمل بأن يكون لدينا متحف جديد كبير جداً يحتوي على تقنيات عالية ونحن سائرون في هذا الشأن".
700 قطعة
واكد "أن للهيئة تعاوناً كبيراً مع الجهات الدولية والمنظمات وحتى الجامعات الدولية، وهم داعمون بشكل كبير لنا في كل مشاريع الآثار، ولدينا بعثات تنقيبية اجنبية كانت قبل عام 2003 تعمل في العراق، وستعود قريبا للعمل في المواقع الاثرية المخصصة لها".
ولفت الى أنه "قبل يومين جاءتنا تنقيبات من مدينة كركوك، اذ عثرت بعثة عراقية على آثار رائعة جدا تعود الى عصور وحقب مختلفة وبيوت سكنية، وهي اكثر من 700 قطعة، وموجودة الآن في المتحف العراقي، وقريبا سيكون هناك مؤتمر صحفي، يتم فيه عرض هذه الآثار لكي يطلع عليها الرأي العام ويرى عمل البعثات العراقية، والآن التنقيبات متوقفة بسبب الامور الفنية، لكننا ننوي اعادة التنقيبات عن قريب، ونعمل على أن يكون لدينا متحف جوال في العالم للآثار العراقية".
واكد "ان الفعل الاجرامي الذي قامت به عصابات داعش مؤلم جداً، والآثار التي فقدت لا تعوض، لكننا وثقنا كل ما تم تدميره، وسائرون لتعويض ما فقدناه بتجميع القطع الصغيرة واعادة تركيبها". 
 
التنقيبات والتحريات  
تحدث لـ"الصباح" الدكتور سليم خلف الحيدري المدير العام للتنقيبات والتحريات فقال :"التحريات تعنى بمتابعة اعمال التجاوزات من خلال حراس مدنيين موجودين في المواقع الاثرية الى جانب شرطة الآثار التي تتابع المواقع الاثرية من خلال الدوريات، ومع ذلك تحدث اعمال تخريب ونبش في بعض المناطق الرخوة والنائية والبعيدة عن مراكز المدن".
واكد "وجود كم هائل من المواقع الاثرية، والحراسات فيها تعد قليلة، اذ لا تتجاوز اربعة آلاف حارس مدني، ومن الطبيعي أن تكون هناك اعمال نبش وتجاوزات، لقلة اعداد الحراسات واعداد شرطة الآثار التي تساعدنا في اعمال الحماية".
واشار الى أن "مفتشيات الآثار في محافظاتنا تقوم بالمتابعة، لا اقول يوميا، بل وفق الظروف الملائمة اذا كانت تتعرض للتجاوزات، وهذه المناطق تكون عادة عرضة للسرقة والنهب والمشكلات والنبش والتخريب، كما نقوم بأعمال الصيانة والحفاظ على الآثار، بتوفير اعداد اخرى من الحراس ومتابعتهم عن طريق الاقمار الصناعية وتمشية الدوريات ودعمهم لوجستيا، بالآليات والكرفانات وتوفير اجهزة اتصال حديثة وسيارات حديثة، كلها تسهم في حماية المواقع الاثرية من التجاوزات والنبش من قبل العصابات العشوائية". 
 
مشروع الأهوار
وتحدث خلف عن أن آخر مشروع تم العمل به كان عام 2013 والخاص بمنطقة الاهوار، وكان بجانب الاهوار عدد من المواقع الاثرية بحدود 7-6 مواقع للتنقيبات، واكد "ان موضوع الاهوار يحوي شقين، الاول خاص بالمسطحات المائية، والشق الثاني هو الثقافي، ونحن مسؤولون عنه وهو يضم المدن التالية (اور، الوركاء، اريدو)، وهذه المواقع بحاجة الى اعمال الصيانة والتنقيبات، اذ تفتقر هذه المواقع الى البنى التحتية والى الخدمات الفندقية وهذا ليس من اختصاص الآثار بل من اختصاص المحافظات، اما الحفاظ على هذه المواقع فهو من اختصاص الاعلام بنشر الوعي باهمية الآثار والحفاظ عليها، وارى ان اعلامنا لم يقصر بذلك لكن مواطننا لا يدرك بعد اهمية آثاره وتاريخها".