مغامرة الكتابة الشعرية الجديدة

ثقافة 2019/01/28
...

شاكر مجيد سيفو
 
 
كان الافتننان بالشعر والاسطورة والتراتيل في المعابد من كلكامش والى يومنا ذلك الهوس الجمالي وتوغل الذات الشاعرة بالمغامرة في كتابة النص النثري الشعري او ما نسميه حاليا بـ "قصيدة النثر" وظلت المغامرة تشق طريقها بكل عنفوانها الشعري عبر حقب واجيال شعرية تناوبت على توظيف الكوني والميتافيزيقي والواقعي الوجداني بدرجات متقاربة في الاثارة والدهشة والمتعة واجتراح الاساليب التركيبية الجديدة التي تجاورت مع تقانات الحداثة وما بعدها بتوجهات وموجهات الحساسية الشعرية الجديدة، منه تحريك الانساق البصرية والتشكيلية التي نأت عن النسق المألوف والسائد، حرص الشعراء الذين اجترحوا النسق الشعري الحداثي وما بعده، إذ (اختاروا طريق المخاطرة والمغامرة، بالمعنى النيتشوي، أقصد طريق الكتابة، قلت أراني أهجس بأنّ الشعر هو جداول وروافد عدة لوجود أو كينونة ما، بطريقة وأسلوب ما.)
تقوم فكرة التأسيس عند  مثل هؤلاء الشعراء من أجيال مختلفة  لما هو حداثي وجمالي في تثمير الفكرة والصورة والدلالة واجتراح المعاني الجديدة، الصادمة بلغة عميقة في انزياحاتها المتراتبة، والوصول إلى المعانى الشفيفة العميقة والانزياح الشاعري المفعم بالدهشة والنداوة الشعرية
في اختيارهم التشكيلات الانزياحية التي تحتضن الجمال قلبا وقالبا. وبذلك فإنّه تسامت قصائدهم بلغتها الشعرية من نسق شعري إلى آخر..
ثمة شعرية الانزياح جماليا لا تتحدد بدهشة الإسنادات وصدمتها للمتلقي، بقدر ما تتحدد بالشفافية الجمالية بما تنتجه من دلالات جديدة تكثف الرؤيا وتعمق التجربة، فثمة قيمة بلاغية للانزياحات المتفاعلة مع جوهر الرؤيا الشعرية، فإذا ما جاء الانزياح بليغا فلأنّه ألهب النسق بانزياح شاعري عضّد شعرية الرؤيا وأثار مكمنها العميق، و لا يأتي الانزياح كشكل تركيبي إضافي أو وصفي في النص الشعري الجديد، وإنّما يأتي في طبيعة السبك والنسج الفني المكثف والسردي على حدٍّ سواء، وهذا يعني أن ثمة رؤية بليغة تستوجبها الانزياحات كشكل شعري على مستوى تركيب العلاقات، سواء أكانت منفصلة أو متصلة لتحقيق قيمة جمالية تشي بها قصائد الشعراء في شبكتها النصيّة المتماسكة في تفاعل جزئياتها وتلاحمها على المستوى النصّي.
وصفوة القول: إنّ الانزياح في قصائد هؤلاء الشعراء ـ يتحرك ضمن نطاق كل ما هو جمالي أو تحفيزي، لاسيما في إثارة الأسئلة المفتوحة وما تجود به المخيلة الشعرية.
وبهذا التصور خاض هؤلاء الشعراء تجاربهم الشعرية مندفعين بقوة الخيال وبداعة الصور الشفيفة التي تزدهي بقيمها الانزياحية الخلاقة بمرجعية رؤيوية وبلاغة آسرة..
ومن هنا، باغتنا هؤلاء الشعراء بهذه الحساسية الانزياحية للارتقاء بالمحسوسات إلى المجردات، ومن الجماد إلى التشخيص والأنسنة بلعبة تشكيلية أشبه ما تسمى بـ (تراسل الحواس) لتجتمع الحواس جميعها في لقطة تعبيرية تحمل كل مظاهر الشفافية والرقة والرومانسية الزائدة، على شاكلة الانزياح الفني المثير فكان هذا الانزياح الفني قد ألهب شعرية النسق وحول الجملة إلى أمداء السكر الروحي والاستغراق في حالة اللاوعي والتوهان الشعوري المفتوح إلى المدى البعيد، أي إلى حالة من النشوة واللذة في تفعيل المحسوسات والارتقاء بها جماليا. وسرعان ما استطاع الشعراء أن يخلقوا طقوسهم الشاعرية بهذه التشكيلات المنزاحة التي تحمل كل مظاهر الرقة والدهشة والهيجان الشعوري ....