تجمهر الآلاف من الآباء من جميع محافظات العراق الحبيب، ممن أُبعدوا قسراً عن أبنائهم، مصحوبين بالكثير من الجدات والأجداد الذين لم تتح لهم رؤية أحفادهم من جراء أحكام المادة السابعة والخمسين من قانون الأحوال الشخصية المعدل أو بمعنى ادق المسيّس من قبل مجلس قيادة الثورة المنحل، أمام مدخل المنطقة الخضراء في محاولة للضغط على مجلس النواب لقراءة مشروع القانون المقدم من قبلهم، وكأن لسان حالهم يقول "لا عيد لنا من دون أطفالنا"
مطالبين بحقهم الشرعي في احتضان أبنائهم، كما وكان من بين المتجمعين الكثير من الحقوقيين الذين شدوا من ازرهم، لا بل منهم من لم يرتض لنفسه الترافع أو إقامة دعوى مستندة على القانون المذكور، كونه يتعارض مع الشريعة الإسلامية بعد أن استشرعوا من علماء المسلمين من جميع المذاهب، وجاءهم الرد في حرمة الترافع عما ينافي أحكام الشرع، خصوصا ان المجتمع العراقي يعتبر أن الاهتمام بالأسرة من المقدسات.
شهداء ولكن
كما وكان من المعترضين على القانون أعلاه ذوو شهداء القوات الأمنية والحشد الشعبي الذي ضحوا بأرواحهم وبذلوا دماءهم من أجل الحفاظ على ارواح الشعب، وحين نالوا شرف الشهادة مُنع آباؤهم من رؤية أبنائهم، الا بآلية وسياق القانون في داخل المحكمة، رغم كون الأم غير أرملة وغير مطلقة في هذه الحالة.
سلميَّة التظاهرة
ولعل القلم يعجز عن تقديم الشكر لأبطال القوات الأمنية كافة في حماية التظاهرة وما سبقها من اجتماعات سلمية، الذين أبوا الا التواجد لحماية المتظاهرين، تاركين اسرهم حرصاً منهم على توفير الأمن.
وقد كان لمجلس القضاء الأعلى المحترم رأي مؤيد لمصلحة الطفل، ولما دعت اليه الحملة في طلباتها المقدمة في مشروع القانون لتعديل المادة 57، اذ اجتمع السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان والقاضي السيد الأقدم لهيئة الأحوال الشخصية والمواد الشخصية القاضي صالح شمخي مع عدد من القانونيين، وجاء نتاجاً لاجتماعهم المثمر ما مضمونه " تكليف اللجنة القضائية المختصة بإعادة النظر بالتشريعات النافذة لإعداد مسودة تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية ومنها المادة (57) المتعلقة بالحضانة، بغية الوصول إلى معالجات قانونية للحفاظ على وحدة الاسرة، وتجنب حالات الطلاق والتفكك الأسري، وما ينتج عنها من ظواهر اجتماعية سلبية".
رعاية مشتركة
ومن الجدير بالذكر أن القانون الحالي، بعد أن أجريت عليه التغييرات من قبل مجلس قيادة الثورة المنحل يهب الحضانة للأم في حال قيام الزوجية وبعد الفرقة (الطلاق)، وقد تم التطرق اليه من قبل مجلس القضاء الأعلى في العديد من الاجتماعات، إذ أكد في جلسته المنعقدة بتأريخ 2019-9-1 أن احد أسباب زيادة نسبة الطلاق حسب الإحصائيات المقدمة من المحاكم المختصة هو عدم الاهتمام بمصير الأطفال بعد الطلاق، لاسيما ان الزوجة مطمئنة لبقاء الأطفال في حضانتها حتى سن 15 سنة، كما وجاء في مضمون الاجتماع أعلاه التأكيد على الرعاية المشتركة للأطفال بين الزوجة والزوج، والا يمنع الطلاق كلا الزوجين من متابعة شؤون الأطفال، أيا كان من يتولى حضانتهم، ووجه في التوسع في منح حق المشاهدة للأولاد.
ايقاف العمل
من جهته اجرى برلمان إقليم كردستان بعض التعديلات على أحكام المادة بالنص التالي " تم ايقاف العمل بالفقرة ٤ من المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية بموجب القانون رقم 6 لسنة 2015 الصادر من برلمان اقليم كردستان العراق وسمح للاطفال بعد سن الرضاعة بالإقامة لدى الطرف غير الحاضن لمدة 24 ساعة أسبوعيا"، وفي حالة تخلف الحاضن عن جلب المحضون يحرم من الحضانة لمدة شهر.
وقد استندت التعديلات المقدمة الى مجلس النواب من قبل اللجنة المركزية للتعديل الى الدستور العراقي والذي نص في الباب الأول المبادئ الأساسية، المادة (2) أولا: الإسلام دين الدولــة الرسمي، وهو مصدر أســاس للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
تعارض
وجاءت أحكام الشريعة السمحاء موجِبَةً انتقالَ الحضانة للأب بعد أن يتم عمر السنتين على وفق المذهب الجعفري والسبع سنوات على المذاهب الأربعة ذكرا كان أم انثى، وتسند الحضانة بين الأب والأم قبل عمر السنتين.
لكن قانون الأحوال الشخصية الحالي في المادة السابعة والخمسين يتعارض مع الأحكام أعلاه، بل لعله يتنافى مع كل الكتب السماوية، فبشكل مختصر فإن هذا القانون يعطي الحق للأم بالحضانة من لحظة انفصالها وحتى قبل انفصالها، ويحق للأب فقط إقامة دعوى مشاهدة لرؤية اطفاله مرتين في الشهر لسويعات معدودات لا تتجاوز الثلاث ساعات مرة كل أسبوعين في اغلب الدعاوى في كل مرة داخل أروقة المحكمة، كما لو كان الطفل محتجزاً لدى السلطة التنفيذية، وقد ارتكب جرماً وقد طلب الأب زيارته فلا يحق للأب في معظم الحالات اصطحاب ابنه لنزهة او لتعليمه أي حكم او اصطحابه معه لمسجد، وإن سُمح للأب في بعض القضايا (وعددها ضئيل جدا) بالاصطحاب فإن ذلك يكون ضمن المدة المذكورة، وهي الساعتان او الثلاث، ويمكّن القانون الأم من الشكوى إن تأخرت إعادة الطفل للمحكمة وقد يصار الى حبس الأب لأنه تأخر في إعادة السجين وهو طفله الذي لم يرتكب اي جريمة سوى أن أمه قد اختارت ابعاده عن أبيه باستغلال القانون.
حالات اعتداء
وفي مورد آخر يسمح القانون للأم بالاستمرار بالاحتفاظ بالحضانة حتى في حال زواجها من رجل آخر الى أن يبلغ الطفل أو الطفلة الخامسة عشرة، ويخير بعدها بين أبيه وأمه، وقد سُجلت الكثير من حالات الاعتداء على الاطفال من قبل زوج الأم من ضرب واغتصاب وقد وصل البعض منها الى القتل.