عواطف مدلول
من الطبيعي جداً مشاهدة مشاعر الغيرة بين انثى واخرى وبمختلف المجتمعات، لكن من المستحيل تصديق أن يكون هناك شيء من تلك المشاعر او ما يشابهها بين الام وابنتها، الا انه في الحقيقة هناك نوع من النساء حتى في تلك العلاقة تحصل لديهن غيرة جنونية من بعضهن، وقد لا تظهر للعيان وتبقى مخفية الا في مواقف معينة، وهذا ما ينعكس سلباً على حياة كلتيهما.
حوارات عنيفة
ترى نسرين حامد (ام بنين) انه لا يمكن أن تحدث غيرة بين البنت والام وتعتبر ذلك من الامور النادرة او المستحيلة، وتصف ما يحصل احياناً من خلاف او شجار يصل لدرجة الحوارات العنيفة بزعل بسيط، فهي جميعها تكون بدافع الحرص على البنت والحب العميق (الزايد)، خاصة اذا كانت الام متزوجة بعمر صغير وانجبت ابنتها مبكراً، فاخذت تكبر معها، في الغالب تحصل بينهما علاقة فريدة تكاد أن تتشابه بها بعض سلوكياتهن ويصبحن اقرب لبعض.
الأب (الصديق)
بينما يجد احمد عطية (موظف) أن الام احياناً تتمنى من ابنتها أن تكرر تفاصيل حياتها نفسها التي عاشتها، من دون مراعاة لاختلاف الازمنة والاجيال، ولا تحبذ أن تحيا حياة اخرى ربما افضل منها، لكونها لا تقدر قيمة ذلك لانها عاشت في زمن آخر، ويشرح عطية ظاهرة الغيرة بين ابنته وزوجته حينما تسعى كل واحدة منهن للفوز بحبه، فالام تعتبر زوجها ملكا لها لا يمكن لاي انثى سرقته منها، والبنت ترى فيه صديقها وسندها ومدللها، وربما صورة عظيمة لفارس احلامها، ويوضح عطية: لا اتضايق ابدا من تلك الغيرة بل على العكس تماما، فهي تسعدني كثيرا، لذا استمتع جدا بنشوب المعارك وتبادل التهم بين زوجتي وابنتي من اجل كسب رضا قلبي.
قصص غريبة
اما فريال كامل (ام نور) فتقول: احيانا اردد كلمة (اغار منك) عندما اتكلم مع ابنتي بدافع المزاح، فهي صديقتي وتتفهم طبعي، حتى صرت اشتري موديلات الملابس نفسها وان لم تكن تناسب عمري، وهي تفرح بذلك وتفتخر بقربي منها، وتنتقد ام نور القصص الغريبة التي لا تناسب عاداتنا وقيمنا والتي تراها في بعض البيوت وتصور سوء العلاقة بين الام وابنتها، وتعتقد أن ذلك الموضوع يتبع التربية الاسرية والمستوى الثقافي للمرأة، اذ لا تتمنى الام الخير لابنتها وتغار منها اذا نجحت في حياتها، لكونها عاشت حياة زوجية فاشلة او لم تكمل دراستها، فتشجع ابنتها على خلق المشكلات وعدم التصرف بحكمة في حياتها الزوجية، وكذلك اهمال التعليم وعدم الطموح لبلوغ مراتب عليا من خلال الحصول على وظيفة جيدة.
الاستقرار العاطفي
ويكشف باسم عدنان الذي يمتهن اعمالا حرة عن ابرز العوامل التي ادت الى فتور العلاقة بين زوجته وبعض بناتهما، معللا السبب الرئيس بعدم تحقيق الاستقرار العاطفي بينه وبين الام، فمنذ بدء الارتباط بينهما لم يحصل الانسجام والتفاهم، كما أن اغلب ذريتهما بنات، و لم تستطع أن تزرع فيهن الحب تجاهها، لانها تفرق بين البنات والذكور وبالتالي لم تحصل على مشاعر غيرة فقط، بل على حقد وكره لدى البنات لانهن غير مفضلات بالبيت، ويضيف: تلك مشكلة اعاني منها فقد تركت اثرها في حياة بناتي حتى المتزوجات منهن، واحاول أن اعوضهن جزءاً من الاهتمام الذي لم يشعرن به من قبل والدتهن.
الشخصية الضعيفة
تؤكد الدكتورة ناز السندي في قسم العلوم التربوية والنفسية بكلية التربية في جامعة بغداد: ان هناك نوعين من الغيرة التي قد تحصل بين الام وابنتها، الاولى يمكن وصفها بالطبيعية والثانية تسمى المرضية والاخيرة هي الاخطر بالتأكيد، اذ تحدث لاسباب عديدة من بينها منافسة الام مع ابنتها على حب الزوج (الاب)، فالرجل عندما يهتم بابنته الى درجة الدلال ربما ذلك يشعر الام بالغيرة، ومن هنا تبدأ المشكلات باعتبارها غيرة غير طبيعية، تسبب معاناة كبيرة للبنت في حياتها، وغالبا ما تصاب بها المرأة التي تكون شخصيتها ضعيفة ولديها انعدام ثقة بالنفس، وتلك مشكلة بحد ذاتها لانها تشعر بان هناك من ينافسها على حب زوجها وتغار من جميع النساء ويشمل ذلك حتى ابنتها، فيتحول حب وحنان وعطف الام الى غيرة وحسد، خصوصا اذا كانت البنت في مرحلة المراهقة تكون تلك الحالة مدمرة نفسيا لها، اذ يكون التعامل غير صحيح معها عندما تبدأ الام بالتقصير تجاهها، وتخلق ازمات وتكون هجومية، فتقوم بمواقف سلبية وبالتالي يصبح لدى البنت احباط شديد وحزن دائم وتتولد عندها عقد نفسية.
سن اليـأس
وتذكر السندي اسباباً اخرى منها حرمان الام في الطفولة من حنان الاب، وان هناك خللا في علاقتها مع والدها، او لعدم وجود اب في حياتها، لذا تتمنى الا تحصل البنت على الشيء الذي فقدته هي في حياتها، وكذلك عمر الام سبب ايضا فعندما تصل لسن اليأس يحصل لديها اضطراب نفسي جراء التغيرات في الهرمونات، ومن وجهة نظر نفسية تلك الحالة غير طبيعية لانها تتجاوز حدودها، وربما الغيرة الطبيعية قد ننسبها الى كونها انثى فنعطي للموضوع مبرراً مقنعاً، لكن عندما تخرج الغيرة عن اطارها وتتحول الى سلوك عدواني تهجمي وانتقاد مستمر، وينتهي معها الحب والعاطفة، معناه ان الام غير مستقرة نفسيا ويمكن احالتها الى معالج نفسي، لبحث وضعها هذا ومعرفة وتحديد العلة التي تختفي خلف تلك المشاعر.
وتختتم الدكتورة ناز السندي باشارتها الى أن العلاج الاول والاهم بيد الرجل، فالزوج له دور كبير في بث شعور الاطمئنان لدى الزوجة (الام)، اذ يستطيع احتواء الموضوع بسهولة وافهامها بأن مشاعره تجاهها مختلفة عن مشاعره تجاه ابنته، وهناك فارق بين حب الزوجة وحب الابنة، اذ يستطيع أن يعيد لها ثقتها بنفسها مهما تقدم بها العمر.