فنادق جزر الكناري تستضيف المهاجرين الأفارقة

بانوراما 2021/01/10
...

رافائيل ميندر
ترجمة: بهاء سلمان
بعد اجتياز المحيط الأطلسي بشجاعة فائقة، وعبر قارب صيد متهالك ومكتظ بالبشر لرحلة طالت ستة أيام، قضت مجموعة من الشباب السنغاليين الأسابيع الماضية داخل أحد فنادق جزر الكناري، يطل على ساحل رائع بمياه نقية.وبينما تنفسوا الصعداء لنجاتهم من الرحلة المحفوفة بالمخاطر وصولا الى جزر الكناري، والتي صارت تمثل العبور الأكثر هلاكا من أفريقيا الى أوروبا بالنسبة للمهاجرين، يعلم الشباب الستة أيضا بأن اقامتهم في الفندق لا تمثل نهاية الحكاية السعيدة لملحمتهم. يقول اوسينو ديوب، 19 عاما: «بعد هذه الرحلة المجنونة، أنا سعيد لبقائي حيّا، لكنني لا أملك حقا أية فكرة عن مدة بقائي هنا وأين سأذهب مستقبلا»، وكان قد صعد الى قارب الصيد في ميناء سانت لويس السنغالي في الأول من تشرين الثاني الماضي.
قدرات حكومية ضعيفة
أسدل العام 2020 على وصول نحو عشرين ألف مهاجر الى جزر الكناري، رغم حصول عدة حوادث مميتة لتحطم السفن قرب السنغال ودول أفريقية أخرى، اضافة الى حوادث أخرى حصلت قبل وصول القوارب الى شواطئ الأرخبيل الاسباني. ومات ما لا يقل عن 568 فردا أثناء عبورهم من أفريقيا الى الجزر الاسبانية خلال الفترة الواقعة ما بين كانون الثاني ونهاية تشرين الثاني من العام الماضي، وفقا لبيانات المنظمة الدولية للمهاجرين.
وضع التدفق المفاجئ للمهاجرين السلطات الاسبانية بحالة من العجز، رغم تحذير الناشطين بحقوق الانسان والخبراء الآخرين من تحوّل المهربين الى جزر الكناري بعد حصول زيادة في الدوريات الغالقة بشكل عملي للكثير من مسارات البحر المتوسط نحو أوروبا، وخصوصا من ليبيا. بدلا من ذلك، تضغط اسبانيا حاليا على شركائها في الاتحاد الأوروبي لتأسيس نظام يوزع المهاجرين بانصاف بين الدول الاعضاء، والطلب من المغرب ودول أفريقية أخرى باستلام اولئك الذين لا يملكون ادعاءً قانونيا بالبقاء، في وقت عقّدت فيه تقييدات السفر المتعلقة بفيروس كورونا شؤون الأبعاد بشكل هائل.
تقول هانا جلول، وزيرة الهجرة الاسبانية: «نحن نمثل الحدود الجنوبية لأوروبا، وليس لإسبانيا، وينبغي على الدول الأوروبية الأخرى التي تتلقى أعدادا أقل من المهاجرين أن تأخذ بنظر الاعتبار وضعنا»، ويضرب التدفق المتواصل للمهاجرين اسبانيا بمعية خنق جائحة كورونا لحجر الزاوية لاقتصاد البلاد: السياحة، فمنذ شهر آذار 2020، لم يدخل الى جزر الكناري سوى جزء ضئيل من 13 مليون سائح كانوا قد قدموا خلال سنة 2019، بحثا عن الشواطئ الرائعة والمناخ المعتدل، المرغوب كثيرا خلال الشتاء الأوروبي. وكان هناك خلال شهر تشرين الأول أعداد أقل بنسبة 88 بالمئة من الزوار الأجانب للشهر نفسه من العام 2019.
 
احتجاجات مبررة
منذ الصيف، وكحل طارئ، نقلت الحكومة الاسبانية ستة آلاف مهاجر من الخيم في إحدى جزر الأرخبيل الى 17 فندقا أغلقتها الجائحة، بعضها تطل على ساحل بلدة بورتوريكو. في البداية، تم الترحيب بالخطوة من قبل مالكي الفنادق، الذين تلقوا يوميا مبلغ 55 دولارا من السلطات مقابل توفير الطعام والسكن لكل مهاجر، بيد أن التوترات اشتدت مع عدم ظهور علامات على قلة تدفق الوافدين.
وخرج مئات المواطنين مؤخرا في تظاهرات للمطالبة بترحيل المهاجرين، متحدثين عن احتمالات إعاقة وجودهم للسياح الأوروبيين مع بدء موسم الشتاء. تقول المتظاهرة تيريزا غارسيا: «ينبغي علينا وضعهم في طائرات وارجاعهم الى بلدانهم لأن هناك أناسا يقيمون هنا أنفقوا الكثير من المال لملء هذا المكان الرائع بالسياح، وبالتأكيد ليس بالمهاجرين». 
ولم تدعم رابطة الفنادق التظاهرات، لكن رئيسها الهولندي الجنسية توم سمولدرز أكد أن «هذه الأزمة قد وصلت الى أبعد مدى يمكن الوصول اليه»، وحث السلطات الاسبانية على تخلية الفنادق من جميع المهاجرين بحلول نهاية العام 2020.
ورغم اشغال المهاجرين لما نسبته سبعة بالمئة من الطاقة الاستيعابية لأسرة الفنادق، يتوقع سمولدرز بارتفاع أعداد السياح القادمين من شمال أوروبا بشكل سريع، حالما تعيد خطوط الطيران فتح رحلاتها الى الأرخبيل. ولم تسجل جزر الكناري اصابات كثيرة بسبب فرض السلطات قوانين اغلاق صارمة، وطلبت من الزوار أيضا فحوصات مسبقة تؤكد خلوهم من الفايروس. يعلق سمولدرز: «الشتاء هو موسم السياحة الرئيس لنا، وعندما تأتي كسائح، لا ترغب أن تجاور مبنى يعج بالمهاجرين».
 
طفولة منهكة
بينما تتحمل الحكومة المركزية مسؤولية المهاجرين البالغين، يقع على عاتق وزارة الحقوق الاجتماعية التابعة لحكومة جزر الكناري المحلية رعاية نحو ألفي قاصر قدموا بمفردهم موزعين بين مراكز الشباب. وتضاعفت أعداد هؤلاء أربع مرات منذ كانون الثاني من العام الماضي. ومثل البالغين، قدم أغلب الأطفال من المغرب، وسافر معظمهم من داخل المغرب الى شواطئ الصحراء الغربية؛ المنطقة التي تشهد نزاعا طويل الأمد، وتجددت فيها الأعمال العدائية مؤخرا.
غادر سعيد، 16 عاما، ومحمّد، 17 عاما، بلدتهما قلعة السراغنة، التابعة لولاية مراكش، للوصول الى بلدة «الداخلة» الواقعة في الصحراء الغربية، حيث انطلقا من هناك على متن قارب متجه الى جزر الكناري. ودفع الشابان اليافعان مبلغا يقارب الألف يورو ثمنا لرحلتهما. يقول سعيد: «الشباب في المغرب لا يسعهم حاليا إلا التطلّع نحو الشقاء والبؤس، لأن جائحة كورونا تنتشر بفظاعة، وبالتالي لا توجد وسيلة للعمل وكسب المال بتاتا».
وبالعودة الى ديوب، يشير الى أنه مثل بقية رفاقه السنغاليين لم يذهب كثيرا الى المدرسة، واتجه للعمل كصياد سمك عندما كان بعمر 12 سنة، وعانى كثيرا للعيش عندما حلت جائحة كورونا التي ألقت بظلالها الثقيلة الوطأة على مصلحة صيد الأسماك، ناهيك عن ضغوط مسبقة من شركات الصيد الصينية العاملة ضمن المياه الاقليمية
 للسنغال.
وغادر ديوب بلاده من دون ابلاغ أسرته، وكان أمله هو الوصول الى مدريد بأوراق سفر رسمية، لكن وبسبب قلة معلوماته، تفاجأ من حقيقة كون العاصمة الاسبانية أرضا داخلية لا شواطئ فيها، ولذلك لا يمكنه العمل كصياد سمك، وسيجاهد للعمل بأية وظيفة لكسب المال، ولا «أوصي أي أحد بركوب البحر للوصول الى الكناري، لأنها خطرة للغاية، لكنني لا أرغب كذلك بالعودة الى السنغال، حيث بعنا مياهنا الى
 الصينيين».