هل ستعوض التكنولوجيا عن الحضور الواقعي؟

ريبورتاج 2021/01/11
...

   علـــي غنـــي 
 
قرار وزارة التربية بجعل الدوام يوماً واحداً، عده البعض غير مدروس، ومثيراً للمشكلات، وان المشادات الكلامية بين أولياء الامور ومعلمي ابنائهم غالباً ما تظهر في تعليقات أولياء الامور في المجموعات في شبكات الانترنت، وما بين رغبة التلاميذ والطلبة في استمرار الدوام على مدار الاسبوع وتخوف الوزارة من "كورونا وجيلها الجديد"، يظل الجدل قائماً، فاليوم الواحد لا يكفي مطلقاً، لفهم المواد الدراسية، ولا حتى اكمال المنهج، على الرغم من الحذف البسيط لبعض الفقرات في المناهج الدراسية.



شهر يعادل سنة
علق مدير اعدادية السيدية المسائية الاستاذ عباس درويش على الدوام ليوم واحد بالاسبوع، بانه قرار فيه شيء من العجالة، وبحساب بسيط فان مجموع الدوام لمدة سنة يعادل شهراً واحداً فقط، فكيف يستطيع المدرس اكمال المنهج المقرر، فعليه ارى، والكلام لدرويش أن يكون الدوام ثلاثة ايام في الاسبوع.
واضاف "ان الحذف لبعض مواد المناهج كان متسرعاً، ولم تستشر الوزارة مدرسي المواد، واقتصرت على آراء العاملين في المديرية العامة للمناهج في وزارة التربية، وهنا تكمن المعضلة، لان صاحب الرأي الحقيقي قد غيب من دون معرفة اسباب لجوء الوزارة الى هذه الآلية". 
 
فوائد ومساوئ
وعدت مديرة "عراق الصمود الاساسية" نهلة منسي، التجربة جيدة، لكنها لا تخلو من مساوئ، وإيجابيتها بانها جعلت الطالب يتجه الى استغلال الانترنت بالدروس، بدلا من الالعاب فقط.
 واضافت "أما من ناحية تأثيراتها الجانبية، لا سيما للاسر التي ليس لها تحصيل دراسي، فالطالب في كثير من الاحيان يضطر الى الاستسلام عند عدم معرفته للتعليم الالكتروني، لذلك انا اطالب بشدة بزيادة ايام الدوام الى ثلاثة ايام، لان اغلب التلاميذ والطلبة تكون استفادتهم من المعلمة اكثر من شرح الاهل، وهذا المقترح يمكن تحقيقه باعادة تقسيم الطلبة بالقاعات الدراسية في المدارس".
 
اليوم الواحد لا يكفي
وبينت المعلمة الجامعية يسرى شنشول من مدرسة ابن ماجد الابتدائية "ان اليوم الواحد لا يكفي لايصال المادة بنحو علمي وواقعي للتلميذ، ما سيخلق فجوة كبيرة في واقع التعليم، وربما يدفع ثمنها في المستقبل البعيد اطفال العراق".
واكدت لي بانفعال: "هؤلاء الصغار وتقصد (صف الاول الابتدائي) يقولون لي:(ست) نرغب بدوام كامل، لأننا نحب المدرسة، وعند تدريس اهلنا لنا في البيت غالباً ما نجد صعوبة كبيرة في فهم المادة، فطريقتهم "ليست مثل طريقتك في التعليم".
وبينت "عادة ما يتذمر الاهالي لعدم استيعاب الاطفال للمادة، ويلقون اللوم على المعلمة او المعلم من دون أن يدركوا أن الوقت المحدد له أقل من القليل، والمعلم لا حول ولا قوة له سوى الامتثال لقرار الوزارة بالتدريس ليوم واحد لكل مرحلة، ناهيك عن  أن المعلم يدرس (٦) حصص في المدرسة ويرجع للبيت ويدرس طلبته على الانترنت (الكتروني) ثم يأتي ولي امر طالب يوجه اهانة ويسمعه اقسى العبارات، فضلا عن أن الحذف الذي اجرته الوزارة فيه العديد من الاشكالات، وانا اقترح أن يستمر دوام الصفوف الاولى، خاصة الصف الاول الابتدائي على مدار الاسبوع، كونهم ليست لهم قدرة على التواصل عن طريق الانترنت، وذلك لخلق قاعدة علمية للاجيال المقبلة".
ونوهت بأن "اليوم الواحد يولد ضغطاً كبيراً على صحة المدرس او المعلم لعدم وجود اي درس شاغر، فيستمر اكثر من ثلاث ساعات متواصلة، فضلا عن عدم وجود فرصة كافية للاطفال للتمتع بالاجواء المدرسية، مثل الذهاب الى الساحة أو حتى تناول الطعام".
 
موقف الوزارة
الوزارة بررت التزامها باليوم الواحد، وعلى لسان مدير الاعلام والعلاقات في الوزارة الدكتور هيثم العزاوي الذي اكد موقف الوزارة الثابت الذي يتناغم مع قرارات خلية الازمة، وشددت على عدم الاستجابة لاي قرارات اخرى تخالفها.
ويأتي هذا الاصرار كما يقول العزاوي، للحرص التام على سلامة الطلبة، وانها (الوزارة) ملتزمة بنحو تام بمقررات اللجنة العليا للصحة والسلامة، وتوجيهاتها بان يكون دوام التلاميذ يوما واحدا لكل صف دراسي وحسب المرحلة الدراسية (ابتدائية أو ثانوية)، وأما بقية ايام الاسبوع، فسيكون فيها التعليم عن بعد.
ونقلاً عن الوزير، اكد لنا مدير الاعلام والعلاقات في الوزارة، انه شدد على جميع ادارات المدارس  بالالتزام بمقررات خلية الازمة، وانها غير قابلة للنقاش، وعدم الاستجابة لاي توجيهات او قرارات اخرى صادرة باجتهاد فردي من بعض الجهات، حرصاً على سلامة ابنائنا الطلبة وضماناً لاستمرار العملية التعليمية.
 
مجلس الوزراء
 وفي بيان مجلس الوزراء، شدد على وزارة التربية والمحافظين في المحافظات كافة بعدم اعطاء اي استثناءات تخص ايام دوام المدارس، وخاصة المدارس الاهلية، بما يخالف قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، كما اكد البيان أن على وزارة التربية الايعاز لمديريات التربية في المحافظات كافة بالتعاون مع شعب الصحة المدرسية في دوائر الصحة لفحص الطلاب والملاكات التعليمية ومتابعة الاجراءات الواجب اتخاذها بالمدارس للحد من انتشار المرض، فكل اساليب التكنولوجيا لم تعوض عن المدرس. 
 
زيارات ميدانية 
 المديرية العامة للاشراف التربوي في وزارة التربية تتابع تطورات العملية التربوية اولا باول، اذ انها تقوم بزيارات ميدانية للمدارس، وهذا ما اكده لنا معاون مدير الاشراف في الوزارة حسين هندي، الذي اتفق معنا بأن اليوم الواحد لا يكفي، وهذه حقيقة، واستدرك وهو يقول "حالنا حال العالم"، "الامر الذي دفع مؤسساتنا للتحول الى التعليم الالكتروني، كبديل طال الحديث عنه والجدل حول ما يمكن أن يقدمه لنا في الظروف العادية، وكذلك في الفترات الخاصة (الحرجة) التي نمر بها في بعض الأحيان، خصوصا أزمة جائحة (كوفيد - 19)".
 
حديث الأزمات
 ونوه بأن "الحديث في وقت الأزمات يختلف عنه في الأوقات العادية، لأن الأزمة تفرض على صانعي القرار اتخاذ خطوات صعبة في وقت محدد، وفي ظل ظروف معقدة، لا تعطينا المزيد من الوقت، فتصور ان الاحداث التي نمر بها (والكلام لحسين هندي) لا يمكن معالجتها بحالة مفتوحة الزمن أو ظرف طبيعي، بل نحن في قلب الأزمة، في حالة إغلاق مؤسساتنا التعليمية، وفي حالة البحث عن حلول تُمكننا من الخروج منها بأقل الخسائر، أو بتجنب الأسوأ في أقل تقدير عند محاولتنا البحث عن حلول للأزمة، التي أدت إلى توقف الحياة التعليمية في مؤسساتنا العلمية على اختلاف مراحلها، سيقودنا التفكير مباشرة نحو التكنولوجيا الرقمية للتغلب على هذه الأزمة".
 
 دور كبير للوزارة
 وتابع "ولا بد لنا أن نطالب خلية الازمة بأن تعيد النظر بزيادة عدد الأيام الدراسية لاكثر من يوم واحد، لوجود حاجة فعلية لدى الطلبة للتواصل المباشر وعلى وجه الخصوص التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يجب توفير دعم خاص ومستمر لهم لا يمكن توفيره داخل المنزل ولا يمكنهم التواصل عن طريق الحاسوب (الطلبة الصم مثلا)، فضلا عن البرامج التي يمكن أن توفرها المدرسة لهم، لاسيما  ان عدد التلاميذ في الصف الخاص لا يتجاوز 14 تلميذاً، كما لا يمكن توفير تعليم ذي جودة الا بممارسة المهارات الصيفية التعليمية، ولا ننسى الدور الكبير الذي قامت به وزارة التربية في مواجهة الازمة، اذ انها وضعت العديد من المعالجات خلال العام الدراسي الماضي واستطاعت رغم الظروف المالية الصعبة بخفض الانفاق، أن تبدأ العام الدراسي الحالي واستيعاب الطلبة في المدارس ولجميع المراحل الدراسية".
واضاف : "انه بتقديري أتاحت ازمة (كورونا) فرصة حقيقية للاعتراف بالتحديات والمشكلات التي تواجه التعليم في بلدنا على وجه الخصوص وبلدان العالم عموما، لذلك علينا التفكير في تطبيق منهجيات وستراتيجيات ذكية وقبول انماط جديدة من التعليم والتعلم، لا تعتمد على الوجود المادي او الفيزيائي، بل تستخدم ايضا وسائل وتكنولوجيا رقمية حديثة في التفاعل والتواصل".
 
دور المدرس 
 وتابع : "ان هناك  بعداً آخر لأهمية دور المدرس داخل الصف، فوجوده لا يقتصر على التوجيه وتقديم المعرفة فقط، بل يتوقع أن يقوم المدرس بدور المستشار التعليمي والأخلاقي، اذ يساعد الطلاب في توجيه أنفسهم في ظل الدوامة الهائلة من المعلومات المتصارعة وبأداء وظيفة منسق الأعمال التعليمية بين الأطراف المختلفة، ويتوقع أن يكون المدرس مصدراً للتغيير في مجتمعه".
 
جولة
ان الاستنتاجات التي اشرتها جولتنا، اثبتت أن  اليوم الواحد لا يكفي في اكمال المناهج المقررة، كما أن الطلبة او التلاميذ سيواجهون في الاعوام المقبلة نقصاً كبيراً في المعلومات، كما ان مقاييس الجودة ستواجه العديد من الاشكالات لعدم اكتمال ادواتها، وبالتالي فان على الوزارة أن تدرك هذه الحقيقة وان توجيهات خلية الازمة ليست مقدسة وانما يمكن مناقشتها، لا سيما بما يتعلق بمستقبل التلاميذ الصغار.