محاكم الأدغال الأسترالية وعدالتها الخاصة

بانوراما 2021/01/11
...

  ليفيا ريبكا
  ترجمة: خالد قاسم
يصل القضاة والمحامون الى بعض مناطق السكان الأصليين النائية بالطائرة ويتعاملون مع عشرات القضايا يوميا، ويقول منتقدون إن حواجز اللغة والعجلة الفائقة في اصدار الأحكام تمثل اعتداء على حقوق الانسان.
بعد رحلة استمرت ساعة فوق رمال شمالي أستراليا، نزلت القاضية من الطائرة وشقت طريقها الى محكمة مؤقتة، وهي عبارة عن غرفة واحدة ذات جدران بيضاء بجوار مركز شرطة جديد كلف بناؤه 20 مليون دولار محاط بأسلاك شائكة.
انتظر أكثر من عشرة متهمين من السكان الأصليين خارجا تحت درجة حرارة عالية، ويتحدث معظمهم لغة انكليزية ضعيفة. قضّى المتهمون دقائق قليلة مع محاميهم الواصلين توا أيضا قبل استدعائهم واحدا تلو الآخر الى مناضد متنقلة في قاعة المحكمة لمواجهة القاضية.
هذه هي طريقة تنفيذ العدالة ببعض مناطق أستراليا النائية وفق نظام “محاكم الأدغال” اذ يسافر المدعون العامون ومحامو الدفاع والقضاة الى دائرة من عدة مناطق ضمن المقاطعة الشمالية قليلة السكان، ويتعاملون مع جدول طويل من القضايا تحت مبدأ وجوب حصول كل الأستراليين على نظام قضائي مهما كان مكان سكنهم.
لكن، عمليا، هذا النظام هو خط تجميع قضائي وغالبا ما يؤدي الى السجن، فالمحاكم تتعامل حصريا مع القضايا الجنائية وفق شروط أقل من تلك المطلوبة لدى معظم المحاكم الأخرى، فخدمات الترجمة غائبة ويفصل في القضايا بسرعة فائقة.
هناك أنظمة مشابهة تعمل بواسطة القوارب في الأمازون، لا بل إن الحافلات تستخدم كمحاكم في أرياف باكستان ونهر جنوب داكوتا، لكن منتقدين يصفون محكام أدغال أستراليا بأنها مؤسسة عقابية ذات جذور استعمارية، وهي تسيء الى حقوق الأستراليين الأصليين. وتعد هذه المحاكم جزءا من نظام قضائي جعل السكان الأصليين أكثر الفئات تعرضا للسجن على مستوى العالم، ويمثلون 26 بالمئة من سكان المقاطعة الشمالية لكن 84 بالمئة من سجنائها.
 
أوضاع قاسية
تعد بلدة “واديي” موطنا لألفي نسمة، 90 بالمئة منهم من السكان الأصليين، وفيها أكبر محكمة أدغال أسترالية، وهي ربما أقوى مثال على إرث الاستعمار القاسي. فخلال ثلاثينيات القرن الماضي أجبرت البعثات التبشيرية الكاثوليكية عدة قبائل مختلفة على العيش معا ضمن قطعة أرض تعود لإحداها، وسلبت السكان المحليين من لغتهم وثقافتهم ونظام قيادتهم.
أما اليوم فتعد الظروف أكثر قربا لسكان دولة نامية من سكان إحدى أغنى دول العالم، اذ يستطيع 20 شخصا العيش داخل منزل يحتوي على ثلاث أو أربع غرف نوم، ويلتحق أقل من نصف الأطفال بالمدارس في معظم الأيام، وتتحول البلدة خلال جزء كبير من السنة الى منطقة معزولة بسبب الفيضانات التي تقطع الطرق.
ينتمي بعض شباب القبائل الى عصابات، تصاعدت بينها نزاعات وتتحول كثيرا الى أعمال عنف تغطي الشوارع، وشهد العام 2002 اطلاق الشرطة النار على مراهق خلال أعمال الشغب تلك، وفي العام 2007 أطلق شرطي رصاصات تحذيرية على السكان، وحطمت الشرطة جمجمة رجل على متن طائرة لمواجهة اتهامات في مدينة “داروين” عاصمة المقاطعة عام 2016.
يقول بعض سكان البلدة أنهم يؤيدون الأسلوب القاسي لفرض القانون، لكن مع انتشار احتجاجات حماية السود ودعوات بعدم تمويل الشرطة داخل المدن الليبرالية الأسترالية، إزداد انتقاد مؤسسات مثل محكمة الأدغال.
من جهتها قالت وزيرة العدل في المقاطعة الشمالية سيلينا أويبو أن الحكومة “ملتزمة بتحسين النظام القضائي لمقاطعات السكان الأصليين” عبر اطار عمل قيد التطوير، ويشمل تقليل مستوياتها العالية من الحبس. ويعكس ذلك الحبس واسع النطاق سياسة “القسوة ضد الجريمة” في أستراليا وخصوصا المقاطعة الشمالية، حيث تحمل عدة جرائم أحكاما الزامية.
جرائم مثل قيادة السيارة ضد قرار المحكمة قد تنتهي بمرتكبها الى السجن، ويواجه أشخاص ذوو إعاقات مثل الصمم أحيانا عقوبات جنائية بسبب عدم تمكنهم من تنفيذ تعليمات الشرطة. ويخرق البعض شروط الكفالة لأن التعليمات لم تفسر لهم بشكل مناسب بلغتهم الأصلية.
يقول المنتقدون إن محاكم الأدغال توفر خدمات ترجمة غير مناسبة، لأن فرق المترجمين قليلة الموظفين، ويتحدثون أحيانا لغة انكليزية بدائية فقط. ويجري التعامل مع بعض القضايا بسرعة فائقة مما يجبر المترجم على نقل جملة واحدة فحسب أو شروط الكفالة للمتهمين، متسببين بخرق شرط ضرورة فهمهم لكل ما يجري داخل قاعة المحكمة.
 
صحيفة واشنطن بوست الأميركية