فيلم سوداني يترشح لنيل جوائز الأوسكار

بانوراما 2021/01/12
...

ترجمة: شيماء ميران
عالج فريق المخرج السوداني (أمجد أبو العلا) عقبات صناعة السينما، التي أطلقتها البيئة المتحفظة ذاتها التي يصورونها، فبعد مرور عامين تقريبا على الإطاحة بنظام عمر البشير، يخطو السودان خطواته لإعادة الانضمام إلى المجتمع الدولي الذي كان منبوذا منه لمدة طويلة، بضمنها صناعته للسينما. 
ويقدم السودان للمرة الأولى في تاريخه طلبا للمشاركة في جوائز الأوسكار، إذ سينافس فيلم
“You Will Die at Twenty- ستموت بعمر العشرين” من إنتاج ائتلاف الشركات الأوروبية والمصرية مع مخرج وملاك سوداني في أفضل فيلم روائي طويل دولي.
تدور القصة حول شاب تم التنبؤ بعد وقت قصير من ولادته بوفاته عند بلوغه عمر العشرين عاما، ما يلقي بظلاله على سنوات تكوينه، ويماثل الأعباء الواقعة على عاتق جيل الشباب السوداني.
يوضح النُقاد بأن الفيلم يشير الى المشهد الثقافي للبلاد ويمثل الاستيقاظ بعد عقود من الاضطهاد، ويستند إلى قصة قصيرة للروائي السوداني حمور زيادة.
تم إنتاج هذا الفيلم خلال فترة التظاهرات الحاشدة ضد البشير، الذي اُطيح به من قبل الجيش في نيسان عام 2019 بعد أن دام حكمه قرابة الثلاثين عاما، ويقول المخرج أبو العلا: “كانت عملية الانتاج مغامرة، إذ كانت هناك تظاهرات في الشوارع مع بداية التصوير، تطورت في ما بعد الى ثورة “.
 
السياسة في السينما
انطلقت الاحتجاجات خلال أواخر العام 2018، وبينما كانت الحشود تتضخم وغالبيتهم من الشباب في الشوارع، تدخل الجيش وأطاح بالرئيس. ومنذ ذلك الوقت، شرعت البلاد في انتقال هش إلى الديمقراطية، لتُنهي بذلك سنوات من الثيوقراطية التي حدّت من حريات الفنانين.
وأعلنت وزارة الثقافة السودانية تقديم الفيلم خلال تشرين الثاني الماضي، أي قبل شهر من الذكرى السنوية الثانية لإندلاع الاحتجاجات. يعرض الفيلم رواية الكاتب حمور زيادة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، والذي يتحدث عن حياة الاطفال خلال فترة ستينيات القرن الماضي في قرية نائية واقعة بين نهري النيل الأزرق والأبيض، كان سكنها يتبعون بنحو واسع تقاليد ومعتقدات صوفية قديمة.
يبدأ الفيلم بأن تأخذ الأم (سكينة) مولودها الجديد إلى احتفال صوفي في تكية قريبة، لغرض التبّرك، وبينما يقوم الشيخ بإعطاء بركاته للمولود، فإن الشخص الذي يؤدي رقصة صوفية مرتديا ملابسه التقليدية يتوقف فجأة ويسقط على الأرض بعد 20 دورة، وكان هذا فأل شؤم.
طلبت الأم المرعوبة من الشيخ أن يعطيها تفسيرا لما حصل، فقال: “إن أمر الله لا مفر منه”. ليفهم الحاضرون في هذه اللحظة إنها نبوءة تشير إلى موت الطفل عند بلوغه العشرين عاما. 
ويذهب الأب وهو محبط ومذهول، تاركا زوجته وابنه (مزامل) وحيدين وهما يواجهان مصيرهما.
يربى (مزامل) تحت رعاية أمه المهووسة بحمايته، والتي ترتدي السواد تحسبا لوفاته المبكرة. كانت النبوءة تلاحقه، حتى إن الأطفال الآخرين يطلقون عليه اسم “ابن الموت”.
ورغم ذلك، يثبت مزامل بأنه ولد فضولي مفعم بالحياة. سمحت له والدته بالذهاب لدراسة القرآن، فيتلقى المديح لحفظه وتلاوته للآيات، ثم تأتي نقطة التحول.
يعود المصور السينمائي (سليمان) إلى القرية بعد سنوات من العمل في الخارج. ومزامل الذي يعمل الآن مساعدا لأحد أصحاب المحال في القرية، يتعرّف عليه أثناء توصيل الكحول له، وهو من
المحرمات الاجتماعية.
سليمان الذي يعيش مع إحدى بائعات الهوى، يفتح عيون مزامل على العالم الخارجي، إذ بدأ من خلال مناقشاتهما بالتشكيك بالنبوءة التي حكمت حياته حتى الآن وشتّت أسرته.
وعندما يبلغ مزامل (19) عاما، يأخذ على عاتقه أن يقرر ما يعني أن تكون على قيد الحياة، حتى مع اقتراب الموت.
 
إشادات دولية
كانت آراء النقّاد الدوليين بالفيلم إيجابية. وقد تم عرضه لأول مرة خلال العام 2019 في (فينيسيا دايز) القسم الموازي لمهرجان فينيس السينمائي الدولي. 
وفاز بجائزة أسد المستقبل في أفضل أول فئة، وكان أول فيلم سوداني يحقق ذلك. ومنذ ذلك الوقت، حصد ما لا يقل عن عشرين جائزة من المهرجانات السينمائية في جميع أنحاء العالم.
يلقي المخرج (أمجد أبو العلا) باللوم على البيئة التي خلقها البشير، فبعد أن اعتلى سدة الحكم بإنقلاب عسكري عام 1989، أصبحت الحريات الشخصية مقيّدة في ظل حكمه، ما جعل الكثيرين ينظرون للفن بنظرة عدم ثقة. ويوضح بأن أكبر التحديات التي واجهوها كان اعتراض السكان المحليين على وجود الفنيين في موقع التصوير الأولي، ما أجبر الطاقم على المغادرة، لكنهم واصلوا المثابرة.
يقول أبو العلا: “كنا نؤمن بأنه يجب إكمال الفيلم تحت أية ظروف كانت”. 
وأشار إلى انه كان محظوظا بتزامن فترة إنتاج الفيلم مع لحظة ثقافية فاصلة للاحتجاجات، إذ لم تكن الحكومة السابقة لتؤيد عمله هذا. كما حصل الفيلم على إشادات من داخل البلاد. وكتب الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي عنه: “إنه فيلم واقعي للغاية ومحلي، ما يجعل المشاهدين يشعرون بتفاصيله جميعها بصرف النظر عن خلفيتهم ومناطقهم”.
ومع إنه ثامن فيلم يتم تصويره وإنتاجه في السودان، لكن ابو العلا يؤكد أن اختياره يظهر ما تملكه السودان من قصص كثيرة ما زالت غير مروية. 
ويعلق: “لم تكن هناك صناعة سينما في السودان، هي فقط محاولات فردية، إذ لم يكن حُكّام السودان مهتمين بالسينما، وانما كانوا مهتمين فقط بوجود الفنانين الى جانبهم”.
اليوم، يأمل هذا المخرج بأن يحصل على الحرية مع بقية المخرجين لمشاركة قصص السودان مع العالم.
 
عن موقع تي آر تي وورلد التركية