{أيوب}..أقدم سوق للنجارة والحدادة في الشواكة
ريبورتاج
2021/01/13
+A
-A
عواطف مدلول تصوير: نهاد العزاوي
توارث الأبناء
محمود علي الذي عمل بالسوق وهو بعمر (سبع سنوات) اذ كان يجلب الطعام من منطقة الكاظمية لوالده بمحله في الشواكة، وتعلم منه فنون تلك المهنة التي ينتج بها ادوات للمطبخ والزراعة، مثل (الفاس، الشيبك، مدك الحمص القديم، تخت الحمام، وغيرها) ويستخدم فيها الخشب العراقي من مختلف المحافظات، بالاضافة الى المستورد من ايران، اذ يقول: "من بين اسباب اندثار تلك المهنة عدم سعي العاملين بها الى توريثها لأبنائهم، وانا واحد من الناس الذين يفضلون أن يكمل اولادهم الجامعة وينصرفوا عن تلك المهنة، لأنها لم تعد مربحة وليس لها مردود مادي، خاصة بعد أن دخلت للبلد مواد رخيصة من الخارج".
ويضيف "سابقاً كنت أحضر منذ الصباح الباكر وأتواصل بالعمل لغاية العصر، أما الآن صرت اغادر لبيتي وقت الظهيرة".
موضحاً "بعد 2003 أصبح العمل كثيراً (خير من الله) وشهدت السوق اقبالا على الشراء وبوقتها لم يكن هناك استيراد، لكن تجارنا اخذوا يذهبون للصين ويختارون ما هو رديء النوعية، بحجة ان هذا ما يرغب به المشتري في ظل سوء الوضع الاقتصادي، والتراجع الكبير الذي حصل فعليا منذ ست او سبع سنوات تقريبا، ومع ذلك في الحقيقة ليست هناك خسارة بعملنا هذا، لكن ما ننتجه يكفي لمصروف يوم واحد فقط".
دعم معنوي
محمد سعد( 26عاماً) الذي انهى دراسته المسائية في معهد الادارة وينتظر التعيين يؤكد: "تعلمت الحرفة منذ الطفولة من والدي الذي ترك العمل حاليا وصرت اقف بمحله، وبصراحة تستهويني تلك المهنة جدا، لأن فيها ابداعات حرفية وتراثية، رغم بعض المحاذير والتضحيات التي نقدمها فيها، اذ ننتج (ادوات النركيلة) ونصنع اعمالا اخرى مختلفة"، مسترسلا بالحديث"ليس هناك وقت محدد للعمل، اذ احضر احيانا في الساعة الرابعة فجراً، لأن هناك طلباً على انتاجنا، وسوق ادوات النركيلة منتعشة، وخصوصا العراقية مفضلة جداً لمتانتها".
ويضيف " غالبا ما نتعامل مع "البيجات" بالفيس بوك والانستغرام، اذ تطورت طرق البيع مع التطور الحاصل بالعالم تقنياً، وتوفر الانترنت لصالحنا، اذ يتم من خلاله الاتفاق على الطلبيات".
ويختتم محمد بقوله: "دائما أحث واشجع الشباب الى جانب الحصول على الشهادة على تعلم حرفة كدعم معنوي لهم، ولذا اتمنى تطوير رغبتي بالأشغال التراثية".
ويكمل الحديث صديقه بالدراسة في المعهد والذي اضحى عاملا معه منذ خمسة اشهر (يوسف سمير) "كنت أعمل في محل لبيع الالبسة سابقا، وبعد أن تعلمت من والدي صناعة بنادق الصيد حتى لا تندثر تلك المهنة، جئت للعمل مع صديقي بعد الحاجة هنا للعاملين بها لكثرة الطلب".
تفضيل الوظيفة
أما حقي اسماعيل (ابو احمد) فمازال منذ عشرين عاما يبيع المواد الانشائية في هذه السوق، والتي يدخل بصناعتها الحديد والخشب وكانت سابقا كلها محلية، والان اغلبية تلك المواد مستوردة من الصين وايران، ولا يتوقع عودة العمل كالماضي لعدم وجود ايد عاملة، اذ ان اغلب العمال اختاروا ترك تلك المهنة، لانهم حصلوا على وظائف.
وفي احد المحال التي تعتمد في عملها على الطاقة الكهربائية يتصارع عامر باقر مع الوقت، لانجاز عمل عدد من الشوايات خلال الساعة التي تزورهم بها الكهرباء، اذ تخصص بصناعة شواية السمك العراقية منذ عام 1993 بعد تخرجه في كلية العلوم قسم الرياضيات، ولم يهتم بالحصول على عمل وظيفي حينها، لان الراتب كان ضعيفا، ولم يسع حاليا للتعيين، معللا بان الوظيفة الآن (صارت بفلوس).
مشيراً الى انه كان ينتج سابقا مختلف اغراض الحيوانات وما يحتاجه الفلاح في عمله، واكتفى حاليا بانتاج الشواية، حتى صار يزود بعض المحافظات بها لكن للمطاعم فقط، لان المنتج الصيني اغرق السوق لكونه ارخص سعرا، رغم ان عمره قصير، اذ يصنع بسهولة بطريقة الكبس الحراري بالمكائن الخاصة في معامل توفر تلك النوعيات، بينما المنتج العراقي عمل يدوي، ففي الوقت الذي انتج به 15 شواية هم بالمكائن ينتجون100 شواية.
العجمي والزناجيل
ويعتبر خضر جواد حسون نفسه اقدم واحد بالسوق لان اسرته متواجدة فيها منذ عام 1950، مؤكدا " كانت تسميتها القديمة سوق العجمي وبالتقادم الزمني واختلاف المراحل التاريخية، وبحسب المهن والحرف التي تنتشر بالسوق بين حقبة واخرى صارت تتغير، لذا في فترة من الزمن اخذت تسمى بسوق الزناجيل بعدها صارت سوق النجارين ثم سوق الحدادين، واخيرا سوق ايوب نسبة الى حمام ايوب الذي بني قبل 500 سنة بالمنطقة وتحول الان الى مخزن خشب، وبقيت تلك التسمية لان صاحب الحمام ( ايوب ) يمتلك عقارات كثيرة في المنطقة".
يتذكر حسون ان هناك اعمالا اخرى كانت تصنع بالسوق اندثرت مع الزمن، مثل المغزل وماكنة الحياكة والمحراث والجاون او الهاون الذي (تطحن) به الحنطة.
ويرى ان معاناة اغلب المعامل والمحال هنا بسبب انقطاع الكهرباء، ما اجبر البعض على الاعتماد على المولدة الخاصة، بالاضافة الى الاهمال الذي لحق بالسوق لعدم تقديم الدعم لها من اي جهة رسمية، او حتى زيارتها والاطلاع على احتياجاتها لاحيائها مجدداً، لكي تعود تتنفس كالماضي.
ارتفاع الدولار
في حين يحرص خالد نبيل يوسف منذ اربع سنوات على المجيء لبغداد من محافظة السماوة، ليعود في كل شهر لاهله لمدة ثلاثة ايام لعدم وجود فرص عمل هناك، وقد اصبح بارعا وخبيرا بصناعة المنخل وغربيل البناء المصنوع من الخشب العراقي الذي يكثر عليه الطلب مؤخرا، لان صناعته نادرة كما انه ليس بامكان اي شخص انجازه، بالاضافة الى انتشار ظاهرة البناء في العراق، لكن هو ايضا اصابه التراجع بعد ارتفاع الدولار في الاشهر الاخيرة موضحا" سابقا كان هناك اقبال على التبضع من المحل الذي اعمل به وهو عائد لاحد اقاربي، اما حاليا فان التاجر اصبح يخشى الشراء ونحن لا نعرف متى نبيع لأننا نعمل على الطلب".
موسم العمل
بينما حامد جواد (40 عاما) الذي يعيش بولاية كنتاكي باميركا وفي وقت الانتاج يحضر لبغداد لعمل (الجاكوج) وبعض الادوات المستخدمة في البناء، بالاضافة الى "يدات" بيت الشعر (الوتد ) الذي يستخدمه البدو في المحافظات كالرمادي والانبار والبصرة لان استيراده غير ناجح، كون وزنه ثقيلا، موضحا غالبا ما يبدأ موسمنا من شهر تشرين الثاني الى نيسان وخاصة ان الوتد عليها اقبال شديد وقت العواصف، ويستخدم ايضا من قبل المزارعين واصحاب الثروة الحيوانية (الحلال ) لذا عملي لا يتوقف ولا يؤثر به ارتفاع او انخفاض الدولار، لأنه محلي، بل حتى بعض الشركات الاجنبية التي تعمل هنا مشاريع بناء عندما تنتهي موادها تأخذ منا.
ويحكي عن الاختلاف الشاسع بين الزمن الماضي عندما كان والده يدير هذا المعمل، والوقت الحاضر، اذ صار الطلب اكثر وفرق الاسعار كبيراً، فقد ارتفعت والانتاج كثر والرزق اصبح افضل.
"صندقجة أيام الخير"
وكانت آخر محطاتنا مع منذر كامل 52 سنة الذي ترك العمل في الوظيفة ليتفرغ لصناعة (الصندقجة) قائلا: "تعلمت ذلك من والدي في الستينيات والسبعينيات، وقد كانت تشهد حركة بيع جيدة، مفرداً وجملة ولجميع المحافظات، اذ تتضمن موديلات مختلفة منها اربع قطع او ثلاث او كبيرة لوحدها".
ويضيف "من حسن الحظ ليس هناك مستورد منها لانه حتى بالصين حاولوا تصنيعها ووجدوا ان ذلك مكلف لهم، حاليا اصنع بدون طلب حتى القاصات فالسوق تعتمد على الدولار، لذا احيانا محلي يفرغ من البضاعة واحيانا اخرى بالعكس، يمتلئ بها فيتراكم الانتاج لكن ليست هناك خسارة".
ويشير كامل الى أن "الصندقجة" كانت تستعمل في ايام الخير لحفظ الملابس والاحتياجات الضرورية، خلال رحلة الحج اوالعمرة، والان صارت تستخدم بدلا عنها حقائب السفر، موضحا بان اصلها هندي، اذ كانوا في الخمسينيات يستخدمونها، وذلك يظهر واضحا بالافلام القديمة التي تعرض حالياً.