حسين الصدر
- 1 -
الأدب واحةٌ غنّاء، تُنعشُ نسائِمُها الأرواح ... وتملأُ بهجتُها القلوب، وتُداعبُ أشذاؤها الاذهانَ وتسحرُها بألوان وألوان من فنون البيان ...
- 2 -
ونحن لا نريد في هذه المقالة أنْ نستعرض بالتفصيل ما للأدب من أهمية في مجالات الحياة ونواحيها المتعددة، وانما نريد الاشارة المجملة الى معطيات الأدب في الجانب الاجتماعي فقط.
- 3 -
وليست القراءة العابرة للنصوص الأدبية بذاتِ تأثيرٍ ملحوظ في هذا المضمار .
ان القراءة العابرة ما هي إلا الحد الأدنى مما نسميه بـ (مرور الكرام) الذي لا يُسمن ولا يغني من
جوع ..!!
- 4 -
والسؤال الآن :
كيف يمكن الإفادة من النص الأدبي اجتماعياً ؟
والجواب :
انّ التأمل الدقيق في النص وسَبْر أغواره بشكل عميق، هو المجدي، وهو العامل الفاعل من الافادة الاجتماعية منه .
وشتان بين النفاذ الى الأعماق وبين ملامسة الظاهر فقط ..!!
وحين تقرأ النص وأنت شارد الذهن فانك لا تحرّك به الاّ لسانَك ...،
أما حين تقرؤه بعنايةٍ فانّ عقلك وقلبك يشاركان لسانك ...،
وهذا هو ما يفتح لك الأبواب ..
ومنها الثمرات الطبيعيّة في حقول التعامل الاجتماعي.
- 5 -
وسنقتصر في هذه المقالة الوجيزة على مثال واحد فقط :
نُقِلَ عن (محمد بن الجهم) أنّه وصف الشاعر (المكنّى بأبي حفص) عمر بن عبد العزيز – الذي عاش في كنف (المهدي) العباسي فقال عنه في جملة ما قال :
" رأيتُ منه انسانا يُلهيك حضورُه عن كل غائب، وتُسليك مجالستُه عن هموم المصائب،
قُرْبهُ عُرْس،
وحديثُه أُنس،
ديّن ماجد،
إنْ لبستَه على ظاهرِهِ لبستَ موموقاً لا تملُّهُ
وإنْ تتبعْتَه لتستبطِن خبرته، وقفتَ على مروّة لا تطير الفواحش بجنَبَاتها، وكان فيما علمتُه أقل ما فيه الشعر "
الأغاني ج22 ص 44-45
أقول :
لاشك انّ الأوصاف المذكورة لابي حفص في هذا النص، قد رُصفت بشكل فنيّ رائع، كما تُرصف الجواهر الثمينة في القلائد الذهبية ..!!
ولاشك أيضا في أنّ قارئ هذا النص يتطلع الى أنْ يحتل من قلوب مجالسيه ما احتله الشاعر الموصوف ...،
وبمقدوره أنْ يصل الى ذلك اذا حمل نفسه على الاتسام بتلك السمات، وهذا هو المعطى الاجتماعي للنص .
فحين تكون انسانا شفافا تتمتع بلباقة عالية، وقدرةٍ ملحوظة، تأخذ بمجامع القلوب، لا تُبقي لمن يجالسك مجالاً للتفكير بسواك، فأنت تنسيه المصائب ...
وتنقله الى أجواء عابقة بشذا النشوة والارتياح
كل ذلك مع تدين ظاهر وكياسة عالية فتكون موموقاً (أي محبوبا)
لا يُملّ.
واذا اختبرك الناس وجدوا فيك المروءة، التي هي عنوان الخلق الكريم، حيث لا شوائب تلّوث صحائفك النقية، المطرزة بالدين والاخلاق والسيرة الحميدة، هذا مضافا الى ما تنطوي عليه ذاتك من مواهب ومناقب قد يكون الشعر أقلها ثقلا في
الميزان .
وانّك لا تصل الى ذلك كله مالم يكن لك نصيبٌ حقيقي من الأدب والثقافة والمعرفة فضلاً عن التمسك بأهداب الدين ومكارم
الأخلاق .
وهنا يكمن السرّ .