احمد الفرطوسي
تقع على عاتق الرقابة الصحية مسؤولية التصدي بحزم وقوة لأي جهة محلية تعرض حياة المواطنين للخطر من خلال انتهاكها للقوانين والتعليمات التي تحدد الممنوعات ذات العلاقة بالصحة العامة، وفي مقدمة هذه الممنوعات اللجوء إلى الذبح العشوائي للمواشي خارج المجازر المرخصة، اذ تتم عمليات الجزر باشراف أطباء بيطريين بعد إجراء الفحوصات الضرورية للتأكد من سلامة المواشي من أي أوبئة معدية قد تؤدي إلى إصابة متناولي لحومها بأمراض، ربما تصل في بعض الحالات إلى الوفاة.
لا مبالاة
ورغم أن سكان المناطق التي ينتشر فيها الجزر العشوائي للمواشي يضجون بالشكاوى من هذه الظاهرة غير الحضارية وغير الصحية والتي تسهم في تشويه صورة المدينة، إلا أن الأجهزة الصحية والرقابية في بعض المناطق تغض النظر وتصم الآذان عن هذه الشكاوى ولأسباب نجهلها !.
مسؤولية
غير أن هناك عاملاً آخر يشجع على توسيع ظاهرة الجزر العشوائي وهو الفارق الكبير في الأسعار ولرخص أسعار اللحوم بالمقارنة مع أسعارها في محال بيع اللحوم بعد ذبح المواشي في المجازر الخاضعة للرقابة الحكومية وباشراف أطباء بيطريين وبعد تأكدهم من سلامتها من الأمراض الانتقالية عن طريق اللحوم.
وهنا أيضاً تقع المسؤولية على دائرة الصحة التي عليها تنظيم حملات توعية عن طريق الأجهزة الإعلامية، لتحذير المواطنين من شراء وتناول اللحوم غير الخاضعة للرقابة، لأنها سبب رئيس من أسباب انتشار الأمراض والأوبئة الخطرة على الصحة العامة.
"على الله"
في منطقة (الحيدرية) توقفنا عند أحد الجزارين وهو يمارس ذبح المواشي في رقعة مزدحمة بالسكان وبالقرب من الدور السكنية، ورغم هذا فان الجزار لم يخش أية عملية مداهمة ويمارس عمله بشكل اعتيادي مع وجود كل المعدات الضرورية، مثل جهاز الوزن وخشبة تقطيع اللحوم حاله في ذلك حال أصحاب محال الجزارة المرخصة.
وكان لابد من التقاء بعض الزبائن ولكن بعيداً عن عيني الجزار العشوائي، خشية تهديدنا أو مضايقتنا، اذ توجهت "الصباح" بالسؤال إلى سجاد محمد عن السبب الذي يدعوه لشراء اللحوم غير الخاضعة للفحوص الضرورية، فأجابنا "بأن هناك فارقاً كبيراً في الأسعار بين أصحاب المحال والجزارين في الأحياء "، لذلك فانه بالطبع يفضل السعر الأرخص وقال بالحرف الواحد (خليها على الله).
"عرف"
(ام علي) ربة بيت قالت لـ "الصباح":" نحن اسرة كبيرة وإمكانيتنا المادية متواضعة جداً وليس بإمكاننا شراء اللحوم من المحال المرخصة، لذلك نلجأ الى شرائها من الذين يبيعونها في مناطقنا، بعيداً عن الأسواق الرئيسة، كون أسعارها مقبولة بالنسبة لايراداتنا"، وعن المخاطر الصحية التي تشكلها هذه اللحوم غير الخاضعة للفحوص البيطرية، بينت :"نحن نثق ببائعي اللحوم لأنهم ينتمون إلى منطقتنا السكنية نفسها ومن غير المعقول اقدامهم على ذبح مواشٍ مريضة أو مصابة بأمراض معدية".
جزارون
وكان لا بد من التوجه إلى الذين يقومون ببيع اللحوم بعد جزر المواشي في الهواء الطلق وخارج المجازر الخاضعة للرقابة من جانب الجهات الصحية، اذ التقت "الصباح"، أولاً (س .ع) الذي قال انه يمتلك قطيعاً كبيراً من المواشي وهو يحرص على سلامتها من الأمراض الشائعة بين الأغنام خشية نفوقها، لأن الأمراض تنتقل سريعاً وبما يشبه الانتشار الوبائي السريع.
وأضاف "أنا رجل أخاف الله، ولا يمكن أن أكون سبباً في الحاق الأذى بالأبرياء أو تعريض حياتهم للخطر".
معايير
قلنا له: "اذا كنت حريصاً على أرواح الأبرياء فلماذا لا تلجأ إلى جزر المواشي في المجازر الرسمية" فأجابنا "هناك جملة أسباب في مقدمتها لا بد أن أكون صاحب محل خاص وفق معايير تضعها وزارة الصحة، وبعد الكشف يتم منحي الاجازة الأصولية، وبعد استكمال هذه الشروط يتم اخضاعي لرسوم سنوية عالية".
ويضيف" وكما ترى فان هذا الأمر يفرض عليّ وعلى أمثالي التزامات مالية كبيرة، لذلك نلجأ إلى طريقة الجزر في مناطق معينة هرباً من تلك الالتزامات".
رأي الصحة
مسؤول شعبة الرقابة الصحية في الخضر يوسف الريشاوي قال لـ"الصباح": "لدينا فرق تفتيشية تجوب في احياء المحافظة والوحدات الادارية، لكن هناك محال تقع في مناطق معزولة وغير مسجلة لدينا وهذه لا نستطيع متابعتها الا حين ورود شكوى الينا ضدها ". ويشير الريشاوي " الى وجود هذه العملية من الذبح العشوائي في القرى والارياف وهو ما لا نستطيع السيطرة عليه، كونه خارج حدود مراقبتنا " .
وفي الأخير توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الذبح أو الجزر العشوائي سيستمر ويتواصل لضعف الرقابة من جانب الأجهزة الرسمية المعنية، إلى جانب ان أصحاب الدخول الواطئة يرون في الجزارة العشوائية الطريقة الوحيدة لشراء وتناول اللحوم لتدني أسعارها بالمقارنة مع أسعار المحال المجازة، رغم المخاطر المعروفة في هذا الجانب، اما عن اكتمال تحقيقنا هذا، فمسألة التقاط صورة لما رأيناه فهذا ضرب من الخيال، كون جميع الآلات الجارحة والحادة متوفرة امام ناظريك.