بعد عودة النازحين من المخيمات ..الجانب الأيسر من الموصل والكثافة السكانية المتزايدة

ريبورتاج 2021/01/17
...

  الموصل : شروق ماهر

قد يكلفك العيش بين الخراب والدمار وآثار المعارك من 500 الى 600 الف دينار عراقي، اي ما يعادل 300 الى 400 دولار اميركي، وذلك عند بحثك عن منزل تستأجره بمدينة الموصل، خاصة في ايسر الموصل، على خلفية الدمار الذي حل بأيمن المدينة والمدينة القديمة التي لا يمكن أن يقطنها اغلب سكانها العائدين من مخيمات النزوح بسبب الدمار الذي لحق بها، اذ مازالت تغص بمشاهد الركام والانقاض التي لم تعالج حتى يومنا هذا.

لقد قاتلت القوات الامنية العراقية في 17 تشرين الاول 2016 عصابات داعش، بعد أن اعلنت الحكومة العراقية بدء معركة استعادة الموصل من العصابات الارهابية التي سيطرت على الموصل منذ حزيران 2014، واعلنتها مركزاً، الا ان قواتنا البطلة استطاعت تحرير المدينة والمحافظة بالكامل، واعادت الحياة واستتباب الامن فيها، بعد اغتصاب دام لاكثر من ثلاثة اعوام، لكن مازالت المدينة القديمة وايمن الموصل يعيشان ما تركته الحرب من دمار ومن رائحة خلفتها تلك العصابات الاجرامية، قبيل اندثارها داخل مدينة الموصل.
 
بداية النزوح
لم يبق من مدينة الموصل الا ما يقارب 3 % من مساحة المدينة حيث الموصل القديمة التي اعلنت القوات العراقية  تحريرها بالكامل، بالرغم من نزوح اغلب سكان الجانب الايمن من المدينة بسبب حجم الدمار الذي لحق بممتلكاتهم، والمعارك التي دارت بالقرب منهم، ما جعلهم يشدون الرحال الى الضفة الشرقية من الموصل وما يعرف بالجانب الايسر. 
توفير بديل
ويقول المواطن النازح الى الجهة الشرقية منذر عارف (50 عاماً) والذي نزح من منطقة الزنجيلي المحررة الى منطقة التحرير في الساحل الايسر للموصل خلال حديث لـ"الصباح" بانه لا يملك النقود الكافية لاستئجار منزل يحتوي اهله، ويروي لنا بانه نزح بملابسه فقط جراء سقوط الصواريخ على الازقة القديمة والتي لم يخرج منها  سوى (18) مدنياً من مجموع عشرات الاسر التي غادرت الحياة، وفر ما تبقى منهم نازحين، صبيان نجوا من الموت وهم لا يمتلكون حتى قوت يومهم القليل، ما جعلهم يواصلون العيش في مخيمات النزوح جنوب الموصل.
ويضيف عارف لدى عودته من المخيمات على خلفية اصرار العودة، وغلق ملف النزوح بانه "لا يملك مطلقا بدل ايجار سكن له ولاسرته في ايسر مدينة الموصل التي هي الاخيرة التي تجد فيها اعادة الحياة، وان مسكنه الذي تهدم لا يزال كذلك، وبالمقابل يطلب اصحاب العقارات بدلات ايجار بأرقام خيالية، لمنازل صغيرة جدا، اذ يصل بدل الايجار الى (500) الف دينار لمنزل لا تزيد مساحته عن 100متر مربع، اضافة الى طلب عربون بما يعادل ايجار ثلاثة اشهر، وحسب قوله " سيعزف النازحون عن العودة اذا لم  توفر الحكومة بديلاً او اعماراً كاملاً لمنازلنا التي ما زالت 
مدمرة".
 
انعدام الرحمة
ويسرد لنا عارف وهو اب لسبعة اطفال صغار بعد أن عاد من مخيم الجدعة، اذ كان يقطن هناك كنازح لمدة ثلاثة اعوام، بعد أن فارقت زوجته الحياة بقصف داعش الارهابي، اذ يقول بانه اضطر الى النوم بالعراء وداخل الازقة، بسبب عدم الرحمة واستغلال الاوضاع من اصحاب النفوس الضعيفة التي لم ترحم بعض المواطنين الذين لم تقم الحكومة المحلية بمراقبتهم وحثهم بعد عودة آلاف النازحين في الجانب الايسر من مدينة الموصل على عمل الخير، ويردف "اي رحمة في البشر وانا الان اجلس في ازقة مقابل مبلغ مادي كبير، واعاني من صاحب هذا المنزل الذي يراقبني كلما دخلت وخرجت من المنزل".
 
الاقتصاد سبب آخر
ويشكل الوضع الاقتصادي عبئاً على سكان مدينة الموصل بسبب ارتفاع قيمة صرف الدولار الاميركي، فضلا عن تأخير رواتب الموظفين مع عودة اغلب الاسر النازحة من مخيمات النزوح الى الجانب الايسر من الموصل، بسبب دمار الاحياء والبيوت التي ما زالت مدمرة داخل الموصل القديمة وايمن الموصل، ما ادى الى ارتفاع بدلات الايجار بالجانب الايسر.
 
غلق المخيمات
وسجل في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى ارتفاع كبير  باعداد النازحين العائدين من مخيمات (القيارة، والجدعة، وحسن شامي، ومخيم الخازر) خلال الايام القليلة الماضية، ما ادى الى عدم قدرة الجانب الايسر على استيعاب هذه الاسر النازحة التي توجهت الى السكن فيه، اذ لم يشهد نسبة تدمير كبيرة، كما هو الحال في الموصل القديمة وايمن الموصل، ما ولد ازمة سكن لم تشهدها الموصل منذ عشرينيات القرن الماضي، ورغم العديد من الحروب التي خاضها العراق و الموصل، لكن ازمة السكن لم تشكل عائقا امام سكان المدينة، مع ذلك الوضع تغير اليوم، وبات الفارون من هول المعارك في الجانب الايمن يبحثون عن سقف يؤويهم واطفالهم حتى وان كان في غرفة بين انقاض منزل بالجانب الايسر".
 
استغلال
ويبين الحاج علي حسن (60 عاما) والذي عاد الشهر الماضي من مخيم الخازر مع اسرته، اذ دام نزوحه اكثر من اربعة اعوام، فقد نزح من منطقة تموز غربي الموصل بعد قصف منزلهم بالكامل، والذي مازال يعاني من الركام، انه لا حول له ولا قوة، وبانتظار التعويضات التي لم تر النور حتى هذا اليوم، و يقول: "اضطررت الى دفع ايجار منزل قديم جدا، لكنه في الساحل الايسر الذي يشهد استتباباً خدمياً وامنياً، وحياة افضل بكثر من الساحل الايمن، الذي مازالت هناك اجزاء كبيرة منه مدمرة، ولم اتمكن في الوقت الحالي  من العودة اليه". ويضيف "لقد استأجرت منزلاً صغيراً جداً يكاد لا يسد ولا يكفي اعداد احفادي بمبلغ (600) الف دينار عراقي، فقد خرجنا بقوة من منازلنا مع المستمسكات الشخصية التي نقوم بالتحرك من خلال تدقيقها من قبل القطعات الامنية، ولم نمتلك اي مبالغ مالية لتساعدنا على العيش".
ويؤكد : "اضطر للعمل انا وخمسة من ابنائي ليلا ونهارا  من اجل تسديد مبالغ الايجار، اذ لم يرحمنا اصحاب العقارات بالجانب الايسر، مستغلين الظروف التي يتمتع بها الجانب من حياة 
مستقرة".
 
دوائر وحدائق عامة للسكن
يلجأ الآلاف من النازحين الفقراء الذين لا يملكون عملاً ولا رواتب شهرية الى الحدائق العامة والدوائر التي مازالت قيد الانجاز من اجل أن يقطنوا مع اسرهم النازحة، اذ كان من المفترض أن تقوم الحكومة الاتحادية والمحلية باعمار منازلهم بالكامل او تهيئة وبناء مجمعات سكنية واطئة الكلفة تسكنهم فيها، وذلك بعد اعلان قرار غلق المخيمات كمأوى بديل في الوقت الحالي، من اجل ايوائهم بدلا من ارتفاع الايجارات، اذ يستغل المواطن النازح العائد من قبل ابناء جلدته.
وتقول ام مروان بعد عودتها من مخيم حمام العليل جنوب الموصل، بانها تقطن الان في غرفتين مع شقيقاتها في جامع علي بن ابي طالب(ع) بسبب ارتفاع الايجارات، اذ  يحاول البعض استغلال الوضع الحالي بفرض بدلات ايجار عالية على ناس فروا بملابسهم التي يرتدونها فقط.اذ تبين ام مروان ذات العقد الخمسين، بانها تقوم بتنظيم وترتيب الجامع مقابل النوم بداخله مع شقيقاتها، لحين اكمال الاعمار الذي مازالت الحكومة المحلية تقوم به منذ (عشرة) شهور في منطقة الفاروق القديمة بالمدينة القديمة.
وكانت الحكومة المحلية قد اعلنت مؤخراً اعادة اعمار اكثر من (5) آلاف منزل مدمر في ايمن الموصل والمدينة القديمة من مبالغ صندوق اعمار المناطق المتضررة ومبالغ الاستقرار والبناء التي صرفتها الحكومة الاتحادية مؤخراً، لكن مازالت هناك اعداد كبيرة من المنازل المدمرة والتي قدرت بأكثر من 12 الف منزل مدمر ابان العمليات العسكرية في تحرير الموصل القديمة وايمن
المدينة.