تفجيرات موجهة ترهب الأفغان

بانوراما 2021/01/18
...

فهيم عبد وتوماس غيبونس
ترجمة: خالد قاسم
يعتقد معظم المسؤولين الأفغان أن حركة طالبان تقف وراء الهجمات على زعماء مدنيين، لكن آخرين يخشون أن الأحزاب المتصارعة تستغل الفوضى غطاء لتصفية حساباتها، في صدى للحرب الأهلية السابقة.محقق عسكري اعتقد أن التمسك بالقانون هو أعلى درجات الشرف، وطبيبة ألهمت أسرتها لدراسة الطب وصحافي أراد محاسبة المسؤولين وناشطة حقوق انسان سعت الى محاربة الفقر في منطقتها، قتل كل هؤلاء خلال أسابيع من قبل مسلحين مجهولين في أفغانستان.
تعرض تلك الحوادث لمحة عن جرائم القتل الموجهة ضد زعماء المجتمع وقوات الأمن والتي خربت البلاد طيلة أشهر، ويعمل صوت التفجيرات واطلاق النار كوسيلة تذكير لسكان المدن والبلدات وخصوصا كابول العاصمة بأن جيلا من الأفغان تجري إبادته بشكل منهجي.
لا تقدم وزارة الداخلية الأفغانية رقما دقيقا للاغتيالات المسجلة هناك العام الماضي، لكن نيويورك تايمز وثقت مقتل 136 مدنيا و168 عسكريا على الأقل في أسوأ احصائية سنوية خلال الحرب.تمثل الهجمات تحولا من هجمات موجهة ضد مسؤولين كبار نفذتها طالبان ومجاميع أخرى الى هجمات ضد موظفي المجتمع المدني وقوات الأمن خارج وقت واجبهم لكن من دون تبني أحد لمسؤولية الهجمات.
تعد هذه الجرائم إشارة مقلقة عن حجم القضايا العالقة مع استعداد الجيش الأميركي للانسحاب من أفغانستان بعد نحو عشرين سنة من القتال، ورفعت من مستوى المخاوف من حدوث أعمال عنف وفوضى. ودفع توقيت الهجمات معظم المسؤولين للاعتقاد أن طالبان تستغل الاغتيالات تكملة لهجماتها المنسقة على المواقع الأمنية والمناطق الحكومية لبث الخوف وزيادة يأس الحكومة على طاولة التفاوض.
 
ورقة ضغط
لكن بعض المسؤولين يعتقدون أن عددا من الجرائم لها مصدر مختلف، كأن تكون جماعات سياسية خارج طالبان بدأت باستغلال الفوضى غطاء مع بدء البلاد بالانهيار تحت الضغط، وتسوية الخلافات، في نمط يثير القلق ويذّكر بالحرب الأهلية الكارثية.انطلق هذا الفصل الجديد من التخويف والعنف بعد اتفاق السلام يوم 29 شباط من العام الماضي بين طالبان وأميركا، واستمرت طيلة المفاوضات بين الحركة وحكومة أفغانستان في قطر لكنها توقفت مؤخرا، والهدف النهائي منها هو رسم خارطة طريق سياسية للحكومة المستقبلية والتركيز على تعزيز أجندة التفاوض.
يبدو أن هدف التفجيرات الأخيرة هو ترهيب المجتمع الأفغاني لكي يقبل شروط المحادثات مهما كانت، سواء أسفرت عن اتفاق سلام أو حرب أهلية. واقتصرت الاغتيالات خلال النصف الأول من العام الماضي على رجال الدين ومدنيين في مدن وأقاليم نائية، ومن ثم ظهر نمط القتل داخل المدن مستهدفا القضاة وضباط التحقيق وناشطي المجتمع المدني والصحافيين.
تلقى الضحايا أحيانا تهديدات للضغط عليهم بهدف التوقف عن العمل، ولم يتلق آخرون تحذيرا مسبقا قبل مقتلهم وفقا لأفراد من عوائلهم. ونصحت وزارة الداخلية وسائل الاعلام بأن تتجهز بالسلاح أو بتوفير حماية أفضل لموظفيها أو غلق أبوابها. وهرب عدة صحافيين أفغان من بلادهم، بينما دعت نقابات الصحافة المحلية المراسلين لمقاطعة أخبار الحكومة لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على الهجمات.
نفذت تلك الهجمات الموجهة بطريقتين: اطلاق النار والقنابل محلية الصنع التي جرى تجميعها باستخدام متفجرات بلاستيكية شديدة الانفجار ومغناطيس قوي، كما قال مسؤول استخباري حكومي، ويسمح المغناطيس للمسلحين بلصق القنبلة بالسيارة بسهولة وسرعة.
بينما لم تتبنّ أية جهة مسؤولية التفجيرات، لكن مسؤولين أمنيين أفغان يقولون إن طالبان أسست شبكة من مجرمي الطرف الثالث لتنفيذ الاغتيالات بمختلف مناطق البلاد. وأخبر أحمد سراج رئيس مديرية الأمن الوطني الأفغانية البرلمان أن مديريته اعتقلت 270 عضوا من طالبان كانوا جزءا من وحدة خاصة تدعى “عبيدة كروان” مرتبطة بجرائم القتل.
 
تذكير أليم
بالنسبة لطالبان فالهدف من الهجمات ذو شقين: أضعاف ثقة الشعب بالحكومة والقضاء على من يعارض تفسير الجماعة للعدالة والفضيلة، خصوصا اذا عاد حكمهم المتطرف الى السلطة بعد اتفاق السلام.مع ذلك، تستمر الجماعة بنفي اتهامات تورطها بالهجمات. ورغم دور طالبان المفترض في تفجيرات كثيرة، يشير بعض الأفغان بأصابع الاتهام الى أحزاب مرتبطة بالحكومة قد تنتفع أيضا من القتل الموجه، الى جانب فرع داعش في أفغانستان.تستمر جرائم القتل مع عجز الحكومة عن ايقافها أو ابطاء وتيرتها، رغم وعودها المتكررة بمحاسبة المسؤولين عنها. وهذا النمط من العنف شبيه بجرائم القتل والاختفاء القسري لأفغان كانوا يعملون في بيشاور الباكستانية نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي مع دخول البلاد الحرب الأهلية عبر الحدود. وتعرضت نساء ومفكرون وشخصيات دينية وسياسية للقتل أو الاعتقال بسبب معارضتهم سياسات الجماعات المتطرفة التي استلمت السلطة بعد هزيمة السوفييت عام 1989. يضاف الى ذلك قتل واختطاف آلاف المعارضين للنظام الشيوعي الأفغاني خلال السنوات السابقة لذلك التاريخ.